قبل أيام، احتفى العالم باليوم العالمي للغة العربية، أو كما يحلو للبعض تسميتها باللغة الضاد، وهو الحرف الوحيد الذي لا يوجد بأي لغة غير هذه اللغة الجميلة. والمغرب كباقي بلدان العالم احتفل هو الآخر باللغة العربية والتي تعتبر لغة رسمية بالمغرب. لكن طبعًا بطريقته الخاصة، إذ خلد هذا اليوم، بفتح نقاش حول مستقبل اللغة في المدارس المغربية، بعد إصدار إحدى رجالات الإشهار بالمغرب قاموس خاص بدارجة المغربية، لاعتماده في المستقبل في تدريس الدارجة في المدارس العمومية.
لن أتحدث كثيرًا حول قاموس نور الدين عيوش "الفركفوني" المثير للجدل بالمغرب. لكن المتواجد على أرض المغرب لن يصدق أبدًا أن اللغة العربية هي لغة رسمية فعلًا، فالمغاربة لا يتحدثون إلا بلهجتهم الدارجة التي تتخللها مفردات أجنبية مثل الفرنسية أو الإسبانية في مدن الشمال.
المغرب يعيش نوعًا من النزاعات الهوياتية، خصوصًا حول موضوع اللغة
وأنا أكتب هذا المقال، تذكرت صديقًا لي وهو عربي الجنسية، أخبرني أنه خلال زيارته للمغرب تفاجأ بمصطلحات عربية توجد فقط في المغرب، في البداية لم أفهم كلامه، قلت في نفسي هو فقط يفتخر بكون المشارقة يجيدون لغة العربية، ويتهموننا ظلمًا نحن أبناء "المغرب الكبير" بأننا لا نتحدث جيدًا العربية أو لا نفتخر بها.
اقرأ/ي أيضًا: "ميموزا".. صوفية إسبانية على أرض مغربية
لكن عند متابعته الحديث، أخبرني بتلقائية أنه كان يبحث عن كشك للهاتف قصد إجراء مكالمة هاتفية، لكنه استغرب حينما قرأ على لافتة المحل مكتوب عليها "مخذع للهاتف" ليسألني ضاحكًا ما معنى "مخذع"، وليؤكد لي أنه يجب أن يكتبوا "مخدع" وليس بالذال المعجمة؟ أليس هذا خطأ؟
بدوري، لم أجبه لأنني برغم من مصادفتي العديدة لكلمة "مخذع" للهاتف لكثرتها بين أزقة، إلا أنني لم أنتبه للخطأ الذي أصبح شائعًا طبعًا، قلت في نفسي كيف لم ينتبهوا أن الكلمة خطأ؟ هل لأننا فعلًا لا نهتم باللغة العربية كما يجب؟ سواء في حياتنا اليومية أو حتى في المدارس.
فالمغرب كباقي بلدان المغرب العربي كبير ويعيش نوعًا من النزاعات الهوياتية، خصوصًا حول موضوع اللغة، إذ نعيش صراعًا بين لغات مختلفة لكل منها ثقافة قد تختلف عنا، ومكانة تجعلنا نهرول مسرعين لدراسة الإنجليزية لما تمثله من قوة، بالإضافة إلى الفرنسية برغم من تخلفها إلا إنها دائمًا ما تجد مكانًا لهذا بين المغاربة.
يبدو أن الصراع الذي تعيشه اللغة العربية بالمغرب هو صراع وجودي أمام اللغة الفرنسية. فلا أحد سيقنع المغاربة أن اللغة العربية هي لغة المستقبل أو اللغة التي يجب أن يتقنها أبناؤهم، فالكل تقريبًا يفضل أن يدرس أبناؤه في البعثات الأجنبية، أو إن لم تكن إمكانياته المادية تسمح له بذلك يفضل أن يدرس أبناؤه في المدارس الخاصة، التي تقدم وعودًا للآباء بتدريس أبنائهم اللغات الفرنسية والإنجليزية عوضًا عن العربية.
ذات مرة أخبرتني صديقة لي، أن طفلتها ذات السبع سنوات لا تتكلم أبدًا العربية، لأنها نسيت أن تعلمها ذلك، فقط ركزت منذ ولادتها على تعليم الطفلة اللغة الفرنسية والإنجليزية، فقط لكي لا تكون مثلها التي لا تتقن التحدث بالفرنسية مثلًا، بسبب تعلمها في مدرسة عمومية، لتكون السبب في عدم حصولها على عمل مناسب لها يرضي طموحها .
اقرأ/ي أيضًا: السيدا في المغرب.. وحشٌ يحاربه المجتمع المدني
صديقتي مثل باقي المغاربة شبه مقتنع أن لغة الضاد ليست لغة العصر، فهم متأكدون أنها اللغة التي لن تساعد أبناءهم على الحصول على عمل جيد ومكانة اجتماعية مرموقة.
اللغة الفرنسية مزهوة في المغرب، فهي تعبر عن الرقي والتحضر ومن يتقنونها تفتح لهم الأبواب
اليوم، تبدو اللغة الفرنسية مزهوة على أرض المغرب، فهي تعيش أفضل أيامها، فهي تعبر عن التطور والرقي والتحضر. ومن يتقنونها تفتح لهم الأبواب على مصراعيها، ويمكن للشخص أن يتقلد مناصب سامية أو أن يكون مميزًا ذا وضع اجتماعي راق، فاللغة الفرنسية هي السر وليست اللغة العربية، لهذا الآباء يعلمون ذلك جيدًا.
لا أعرف إن كانت اللغة العربية ستصمد أمام كل هذه المعيقات، بالإضافة إلى محاربتها بشكل شرس من طرف اللوبي الفرانكفوني الذي ينشط بقوة بالمغرب، فبرغم من أن اللغة التي يتحدثها 430 مليونًا داخل الوطن العربي وخارجه، إلا أنها في الواقع في تراجع وانحسار أمام العرب أنفسهم، فهي اللغة التي تعبر عن خيبات أملنا وإحباطاتنا، فبالرغم من جمالها وصعوبتها إلا أنها تعيش أسوأ أيامها.
اقرأ/ي أيضًا: