في عام 2013، نشرت عالمة الأنثروبلوجيا الفلسطينية الأمريكية ليلى أبو لغد، كتابها ذائع الصيت "هل تحتاج المرأة المسلمة إلى إنقاذ؟"، وهو كتاب قدمت فيه جزءًا من خلاصاتها لعقود من العمل الإثنوغرافي. يساهم هذا العمل في تفكيك التمثيلات الغربية الراسخة للمرأة المسلمة، كضحية أبدية، هشة، وبحاجة إلى إنقاذ.
المرأة الإيرانية الشجاعة والفاعلة ليست أفضل ما يناسب البلاغة الاستشراقية. إذ لا بد أن تكون ضحية، حتى تحتاج إلى حماية، وإلى إنقاذ من نفسها، ومن الإسلام
لا يقتصر الكتاب على وصف هذه التمثيلات الإشكالية بطبيعة الحال، بل يضعها في السياقات السياسية والتاريخية الأوسع، وكذا في التراث العميق من الفوقية العرقية ومسائل الاستحقاق والهيمنة في الغرب اليوم. وكمثال على هذه التقاطعات المكثفة، تبين أبو لغد كيف أن "إنقاذ المرأة المسلمة" كان طوال العقدين الماضيين مبررًا للتدخل الاستعماري في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها، والثقافة العسكرتارية المتطرفة.
يخطر ذلك في البال مع الأحداث الأخيرة في إيران. طوال الأيام الماضية، قادت المرأة الإيرانية حراكًا يسائل طبيعة النظام الثيوقراطي الحاكم في البلاد، ويطالب بإيران مختلفة، ديمقراطية ومنفتحة على الجميع. هذا هو أقل ما يمكن أن يوصف به حراك مثل هذا. مع ذلك، فإن هذا الفعل السياسي الباهر، لم يكف بعض وسائل الإعلام الغربية لرؤية المرأة الإيرانية كفاعل سياسي، إذ بقيت صورة الضحية طاغية، وتم اختزال الحدث السياسي الكبير الذي تعرفه إيران هذه الأيام إلى رموز ثقافية ودينية أو إلى احتجاج ضدها.
ليست صورة الضحية مجرد بلاغة خطابية، وإنما تبدو وكأنها ضرورة سياسية في الغرب اليوم. فالضحية تحتاج إلى إنقاذ، والإنقاذ يحتاج إلى تدخل. وهي صورة تظهر فيها المراة الإيرانية كأنها منفصلة عن المجتمع، ضحية له، وتحتاج بطبيعة الحال من ينجيها منه. جزء من المجتمع يحتاج إلى حماية، بهدف إدانة المجتمع نفسه. ولعل أسرع ما وضّح ذلك، كان العقوبات الأمريكية التي نُظر لها على أنها الخيار الاول لحماية المرأة الإيرانية، رغم العديد من الدراسات التي وضحت الأثر العنيف للعقوبات على حياة النساء في الجنوب العالمي.
في هذه الصور المختزلة والمجتزئة للواقع في إيران والمنطقة، يتحدث الخبراء الغربيون بحماسة عن المرأة والإسلام والشريعة والثقافة والمجتمع، حتى يبدو أن التاريخ الطويل من العنف في البلاد، وتعقيدات الحكم والسياسة، أقل أهمية. هذا القصور في النظر إلى التعقيدات السياسية والاجتماعية التي تناضل ضدها المرأة الإيرانية اليوم، ليس مجرد صدفة. إنه كما وضح كثير من الباحثين، جزء من تمثيل ممنهج، استعماري، وعنصري للمنطقة وللإسلام، يقوم على رؤية ثقافوية تنزع السياسي عن الواقع، وتحيله إلى مجرد ديني أو اجتماعي.
ومن خلال هذه التمثيلات، يتم وصم مجتمعات وعقائد بأنها عنيفة ضد المرأة، من أجل التأكيد على تفوق مجتمعات أخرى باعتبارها علمانية، مناصرة للمرأة والمساواة. وكما تشرح أبو لغد نفسها، فإن العنف ضد المرأة، مع أنه يحدث في كل مكان في العالم، غالبًا ما يرتبط في ذهن الخبراء الغربيين بأماكن بعيدة. ففي الولايات المتحدة التي تشهد بشكل مستمر أبشع الجرائم ضد النساء، وحيث تُختطف مراهقات ويُحتجزن في الأقبية لسنوات، لا تزال مفاهيم مثل "العنف على أساس الجندر" مرتبطة بأماكن أخرى من العالم. يحدث ذلك إلى درجة أن يتحدث سياسيون وخبراء غربيون، مدانون بالتحرش ضد النساء، عن حقوق النساء المسلمات.
المرأة الإيرانية الشجاعة والفاعلة سياسيًا ليست أفضل ما يناسب البلاغة الاستشراقية والاستعمارية حول المنطقة. إذ لا بد أن تكون ضحية، حتى تحتاج إلى حماية، وإلى إنقاذ من نفسها، ومن الإسلام نفسه. ومن أجل أن تتجلى هذه البلاغة في أكثف صورها، لا بد أن تكون المشكلة ثقافية، في الإسلام نفسه، وفي الثقافة بحد ذاتها، ولا بد أن تكون المرأة منفصلة عن المجتمع، لا جزءًا أساسيًا فيه يتفاوض ويناضل من أجل تغيير النظام الذي يحكمه.
يتحدث الخبراء الغربيون بحماسة عن المرأة والإسلام والشريعة والثقافة والمجتمع، حتى يبدو أن تعقيدات الحكم والسياسة، أقل أهمية
وبينما تبذل نساء مسلمات دماءهن وحياتهن في النضال ضد الفهم الذكوري والسلطوي للإسلام كما يحدث في إيران اليوم، يخرج تنويريون متحمسون هنا وفي الغرب ليقولوا بثقة إن هذا الفهم هو الفهم الصحيح للإسلام. يصرون أن المشكلة في الإسلام نفسه، وفي الثقافة نفسها. ولعلهم في حماستهم الساذجة "لإنقاذ" النساء المسلمات من الإسلام، يناصرون الفهم السائد الذي يضطهدهن. وبادعائهم أن الإسلام نفسه معادٍ للمرأة، لا يقفون مع النساء المسلمات، ولكنهم يتفقون مع تفسيرات ذكورية وسلطوية، تناضل النساء في إيران اليوم بشجاعة وفاعلية لمقاومتها.