في برنامجه الساخر "ديلي شو"، تناول المذيع الأمريكي تريفور نوه، السبب الذي أعلنته السلطات السعودية مؤخرًا حول حملة الاعتقالات الأخيرة التي شملت أمراء ومسؤولين وكبار رجال أعمال سعوديين، وهو "مكافحة الفساد".. تناوله نوه بسخرية وتهكم، إذ قال: "اعتُقل رجال يملكون كل شيء، بحيث لا تمكن رشوتهم"!
يعرف الجميع أن ادعاء ابن سلمان الحرب على الفساد هو ادعاء واهٍ لأن فساد إهدار المال العام سمة مميزة لعهد الأمير الطائش
مزاعم الحرب على الفساد التي أعلنها ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، يعرف الجميع أنها مزاعم واهية، سواءً من جهة أنّ هذه الحملة تأتي في سياق عام لتمهيد ابن سلمان الطريق لوصوله للعرش، وكذا من جهة المثل العربي الشهير: "رمتني بدائها وانسلت"، وهذا ما نسرد له في هذا التقرير، أي "فساد" محمد بن سلمان وإهداره للمال العام.
اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات الأمراء في السعودية.. كل شيء مباح لوصول "السفاح" للعرش
فقر وبطالة وركود اقتصادي.. ومليارات للعائلة الحاكمة
في ظل عجز كبير بالميزانية في السعودية، يبلغ 19.4 مليار دولار هذا العام، وارتفاع في الدين العام بلغ 90 مليار دولار، يبدو أن المخصصات الملكية لم تُناقش، إذ يقول ستيفن هيرتوغ الأستاذ المساعد بكلية لندن للاقتصاد، في كتابه: "أمراء ووسطاء وبيروقراطيون": "يبدو أن الأمراء يتمتعون بالمزيد من المزايا المادية في ظل حكم الملك سلمان، وأن النظام الأساسي لتقديم المخصصات المالية لم يتغير".
وعلى الرغم من استمرار تدهور الأوضاع المالية في السعودية، حيث ألغت الحكومة السعودية مشاريع محلية بقيمة ربع تريليون دولار في إطار خطة التقشف المالية، "كان العمل يجري على قدمٍ وساق للانتهاء من بناء منصّات هبوط تتلألأ باللون الأزرق استعدادًا لاستقبال طائرات الهليكوبتر داخل المجمّع المخصّص لقضاء العطلات، وتشييد خيمةٍ على مساحة شاسعة حيث يمكن للملك إقامة الاحتفالات والترفيه عن العدد الهائل من أفراد حاشيته في طنجة بالمغرب"، وفقًا لصحيفة لنيويورك تايمز.
ويضم القصر الملكي السعودي في المغرب، مرافق طبية خاصة ومجموعة من أرقى المطاعم التي تعد طعامًا تأتي مكوناته خصيصًا من فرنسا.
ومنذ نحو عامين، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تفاصيل أجازة خاصة للملك سلمان على إحدى شواطئ الريفييرا بفرنسا. في تلك الإجازة طلب الملك سلمان الذي رافقه 500 فرد من حاشيته، بإغلاق إحدى شواطئ منطقة كوت دازور أمام السياح، حصرًا على سلمان وحاشيته، ما أزعج السكان المحليين الذين رأوا أن ما حدث موقفٌ لا يتناسب مع قيم بلادهم. حينها ردّ ميشال شيفيلون، رئيس نقابة الفنادق المحلية، إن سلمان حين يأتي، يتم حجز ما بين 500 إلى ألف غرفة، أي أن "الأمر منفعة لا يمكن التخلي عنها".
في حين تعرف السعودية ارتفاعًا مطردًا في معدلات البطالة وصولًا لـ12.8%، لا يزال البذخ في الإنفاق سمة مميزة للقصر الملكي دون حساب
وجدير بالذكر ما أفادت به نيويورك تايمز، من أن العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبدالعزيز، أمر بإجراءات لتحجيم بذخ أفراد العائلة الملكية، هذه الإجراءات عارضها آنذاك سلمان بشكل تصعيدي، وصل لدرجة تدخل الأمير سلطان، ولي العهد حينها، ليحذر سلمان من مغبة الوقوف في وجه الملك وإحداث الفرقة في العائلة الملكية.
اقرأ/ي أيضًا: رحلة استجمام الملك: قصور ومال مع ضيق الأحوال!
وبالجملة، ثمة أحاديث كثيرة عن عقارات وأملاك تعود للملك سلمان وولده، لكن أبرز ما كُشف عنه عبر وثائق بنما في نيسان/أبريل الماضي، يخت اشتراه محمد بن سلمان بحوالي 500 مليون دولار، بالإضافة إلى عدة عقارات ومنازل بمناطق راقية في لندن.
وفي الواقع، لا يوجد خط فاصل واضح بين أصول العائلة الملكية وبين أصول الدولة. ويأتي هذا البذخ في الإنفاق من قبل العائلة الملكية، تحديدًا ابن سلمان وأبيه، في ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد، بدأت تتضح معالمها مع انخفاض أسعار النفط، حتى وصل الدين العام للسعودية لنحو 100 مليار دولار. يُضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات البطالة وصولًا لـ12.8% خلال الربع الثاني من عام 2017 الجاري، مع العلم بأنّ أكثر من 11% من هؤلاء العاطلين، قد سبق لهم العمل، ما يكشف عن مدى الأزمة التي تعرفها البلاد، في ظل بذخ في الإنفاق مستمر من قبل القصر، لا يُحاسب عليه.
أما المفارقة التي تعيشها السعودية منذ عقود، وازدادت وطأتها مُؤخرًا، هي مظاهر الفقر المدقع التي تعرفها بعض الأحياء والمدن النائية والمناطق الريفية، والتي تتكتم السعودية على إحصائياتها، فيما وصفها فيليب أليستون، المقرر الخاص بالأمم المتحدة، بـ"الصادمة".
صفقات السلاح وفاتورة الحرب اليمنية
السعودية التي تُعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، وفقًا لـ"سي إن إن"، زادت مخصصاتها للدفاع والأمن، في 2015، عام حكم الملك سلمان، لـ306 مليار ريال، بزيادة نسبتها 81% عن آخر تقدير في عام 2010، فضلًا عن صفقات أُخرى أجرتها السعودية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمن بعضها صفقات تسليح، في أيار/مايو الماضي.
وخلال زيارته لروسيا الشهر الماضي، وقع الملك سلمان صفقات سلاح واستثمارات بقيمة مليار دولار، حتى وصف كيريل ديميتريف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، الزيارة بأنها "تاريخية" من هذه الجهة.
في نفس السياق، تُخفي السعودية فاتورة حرب اليمن وما كلّفته من ميزانية ضخمة، تتكتم السعودية عليها. لكن باحثين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، حاولا عقد مقارنة تفضي لتقدير لتكلفة حرب اليمن على السعودية، فقد وجدا أن تكلفة الحملة الجوية البرطانية على ليبيا والتي استمرت ستة أشهر في 2011، باستخدام نحو 30 طائرة؛ بلغت حوالي 212 مليون جنيه إسترليني على الأقل (حوالي 315 مليون دولار)، وعليه فعلى الأرجح أنّ تكلفة الحرب اليمنية على السعودية، من حيث الغارات الجوية فقط، والمستخدم فيها 100 طائرة، تبلغ 175 مليون دولار في الشهر الواحد، وفقًا لرويترز.
وذكرت رويترز أن مسؤولين فرنسيين قدروا التكلفة اليومية للحرب في اليمن بحوالي ثلاثة ملايين دولار على الأقل، وقد تصل التكلفة الشهرية على ذلك لـ90 مليون دولار شهريًا، في حين أن أي توغل صغير على الأرض، سيكلف على مدى ستة أشهر حوالي 500 مليون دولار. هذا فضلًا عما تدفعه السعودية للدول المشاركة في تحالفها في اليمن، وعلى رأسها مصر.
في المقابل، لم تُنجز حرب اليمن أهدافها المنشودة من قبل السعودية، وكل ما فعلته هو مزيد من الكلفة الإنسانية التي يدفعها المواطن اليمني، من رجال ونساء وحتى الأطفال، ما بين قتل مباشر بالسلاح والقصف أو مجاعات أو أوبئة. هذه الحرب جعلت اليمن متصدرة لقوائم الكوارث الإنسانية على كافة المستويات.
تتكلف السعودية من حرب اليمن ما لا يقل عن 90 مليون دولار شهريًا، وفي المقابل لم تنجز السعودية أيًا من أهدافها في هذه الحرب!
إذن، فالبذخ في الإنفاق، وإهدار المال العام، هي سمة مميزة للقصر الملكي السعودي في عهد ابن سلمان، الذي يزعم قيادة حربٍ على الفساد، يظهر للجميع أنها حرب ضد أي منافس أو عائق مُحتمل أمام وصوله للعرش كأول ملك من جيل أحفاد الملك المؤسس.
اقرأ/ي أيضًا:
بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية