"ضجر البواخر"، عنوان ديوان شعري للشاعر الشاب الجزائري صلاح باديس، صادر عن "منشورات المتوسط"، أول ما يلفت النظر فيه ذلك التصميم الجميل الذي اختاره القائمون على الدار ليكون غلافًا للكتاب، كما يلاحظ أعلى الغلاف شعار الدار "معًا، لنحارب طواحين الهواء"، استغربت قليلاً من الشعار ولكن بعد السؤال علمت أن للأمر علاقة بأسطورة "دون كيشوت" المحارب الخرافي، الذي قضى جل حياته يحارب طواحين الهواء، تلك الرواية التي يعتبرها الكثيرون لبنة الأساس للرواية الأوروبية الحديثة، ويعتبرون صاحبها "ميغال دي سرفانتس" الأب الروحي لفن الرواية في القارة العجوز. فهل تعلم أن للجزائر حظًا في "دون كيشوت" و"سرفانتس"، وأن عبق الجزائر حاضر في عديد الفصول من الرواية، لكن هل كان دون كيشوت جزائريًا؟
للجزائر حظ في ميغال دي سرفانتس كما أن عبقها حاضر في عديد الفصول من روايته الشهيرة "دون كيشوت"
في منطقة الحامة بالجزائر العاصمة وغير بعيد عن حديقة التجارب، تقع مغارة ميغال دي سرفانتس، التي جعلتها وزارة الثقافة متحفًا معتمدًا بعد أن عنيت بعمليات ترميم وإعادة اعتبار. في تلك المغارة مكث دي سرفانتس هاربًا من السجن، لم يأت للجزائر حبًا فيها كما حدث مع عديد الشخصيات المعروفة في التاريخ، بل كان قدومه لها سيرًا صدفة وبما اشتهته سفينته "الشمس". لقد كان مبحرًا من نابولي، جنوب إيطاليا، متجهًا نحو إسبانيا، وهناك وقع في أسر البحرية العثمانية وتم اقتياده إلى الجزائر، وبيع في سوق النخاسة بـ200 أوقية ذهبية للقائد البحري "دالي مامي"، هل كان دالي مامي يعلم أنه ابتاع رائد الرواية في أوروبا بـ200 قطعة فقط؟
تشهد المغارة على فترة زمنية عاش فيها دي سرفانتس في مدينة الجزائر، مخالطاً أهلها لخمس سنين في السجن والأسواق وفي بلاط السلاطين، لقد كان تأثره بمحيطه وبما رآه من الجزائريين آنذاك جليًا في ثلاثة فصول من روايته الشهيرة، فقبل "عتقه" بـ500 أوقية، كان دي سرفانتس يسجل يوميًا ذكريات وملاحظات ويكوّن علاقات وصداقات.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. قمامة حول مغارة ثيربانتس
وقد أجمع سائر من درس روايته أنه وظّف شخوصًا حقيقية التقاها أثناء فترة أسره بل وكانت اللمسة العربية الإسلامية حاضرة بقوة في بعض التفاصيل داخل دفات الرواية، لم يكتب دي سرفانتس أي شيء أثناء تواجده في الجزائر سواء إبان أسره أو بعد مكوثه في مغارته، لكنه وظف كل مشاهداته من أجل تأثيث رواية "دون كيشوت دي لا مانشا"، فلقد كان يحكي عن لغة الناس هناك وعن طبائعهم ولباسهم وطريقة العيش داخل القصر وخارجه، ففي الفصل 41 والذي عنونه بـ"قصة أسير"، يخيل لك وكأنك تمسك بيد دون كيشوت وتهيم في شوارع "مزغنة"، حنين يربط دي سرفانتس بالجزائر التي عاد لها مرّة أخرى قاصدًا "باهية المدن" وهران.
هكذا كانت القصة الجميلة التي ربطت الجزائر برائد الرواية في أوروبا، حكاية أخرى من الحكايا الكثيرة التي تخفيها ربوع الجزائر، التي تمتلك قصة عاطفية غريبة مع الكثير من الشخصيات التاريخية، وتروي الكثير من روايات المغارات وحكايات الفرار، فمغارة ابن خلدون أيضًا شاهد على جزء من تاريخ الجزائر، وغرفة الرئيس البرتغالي مانويل تيكسيرا في بجاية فصل آخر من فصول كتاب "أرض دزاير" مع المشاهير.
اقرأ/ي أيضًا:
مقدمة في تطوّر الرواية الأوروبية الحديثة
5 روائيين يجيبون عن سؤال: كيف تكتب رواية؟