ثمة نقاش مستمر على حق الملبس، وخاصة ما يتعلق بارتداء النقاب المثار حوله جدل مستمر منذ عشرات السنوات في أوروبا تحديدًا، والقضايا المتعلقة بالمنقبات ومنعهن من دخول بعض الأماكن العامة. غير أنه قلّما ما يتم التطرق إلى حق التعرّي!
يشير علماء الأنثروبولوجيا إلى أن التعري لم يكن عيبًا بين الشعوب القديمة في بابل وسومر وآشور، وأن الجسد لم يكن مرتبطًا بأي تابو
في 2003، أرادت الفنانة التشكيلية السورية هالة الفيصل، أن توصل رسالة احتجاجية على الغزو الأمريكي للعراق، فكتبت على جسدها "أوقفوا الحرب"، ووقفت عارية في ساحة عامة بنيويورك. اعتقلت الفيصل لأن القانون يمنع الظهور عاريًا في أماكن عامة.
اقرأ/ي أيضًا: التعري وتخييط الأفواه وحرث الطرق.. طرق مبتكرة للاحتجاج في الجزائر
في هولندا والدنمارك، هناك تساهل كبير مع التعري في الأماكن العامة، بينما في بريطانيا مثلًا لا يوجد قانون يمنع التعري، لكن مع ذلك يتم التضييق على العراة ويجري ضبطهم وتغريمهم مبالغ مالية بتهمة تهديد السلم العام، حتى دون وجود أي نية للأذى أو إشاعة القلق من قبل المتعرين.
تحدٍ للمجتمع؟
المواطن البريطاني ستيفن غوف أمضى ثماني سنوات متفرقة في السجن، بسبب تجواله الدائم عاريًا على الدراجة الهوائية، والقبض عليه من قبل الشرطة في كل مرة، فيما يعتقد ستيفن أن من حقه الإنساني الظهور عاريًا في الأماكن العامة.
ويلقب ستيفن غوف بالمتسكع العاري، وقد أخذت قضيته ضجة في محاكم بعض الدول الأوروبية، وقال محاميه في جلسة الدفاع عنه في المحكمة بمدينة وينشيستر عام 2014، إن "اتهام موكلي بخرق السلوك الاجتماعي وعدم تمكينه من الوقوف في المحكمة أمام القضية، غير سليم". يذكر أن ستيفن غوف حين خرج من السجن بكفالة، قام بخلع ملابسه، فتعرض للاعتقال من جديد في وقتها.
يقول ستيفن غوف: "في كل يوم صباحًا أستيقظ وأسأل نفسي: ما الذي أفعله؟ ثم أجد الجواب: إنني أتحدى المجتمع لأنه خاطئ". ولإنهاء دوامة الاعتقال، اقتُرح قضائيًا أن يُحوّل لطبيب نفسي!
الطبيعيون دعاة للعري
يعتقد علماء أنثروبولوجيا، أن الجسد الإنساني لم يكن في المجتمعات القديمة، مرتبطًا بأي تابو، ولذا فإنهم يعتقدون أن التعري لم يكن عيبًا بين عدد من الشعوب القديمة، كما ينقل زكريا محمد علي في مقاله "التعري فن أم خلاعة".
والآن، فإن أنصار حرية التعري يعززون في مذهبهم بالإشارة إلى أن جسد الإنسان بحاجة إلى التعري للحصول المناسب على أشعة الشمس والهواء النقي.
يقول نيك فيسبيت، المحرر في مجلة الصحة النفسية البريطانية، إنه يتم استخدام المادة الرابعة من قانون النظام العام ضد المدافعين عن التعري، وللتضييق على تحركاتهم، في حين أن أنصار التعري "يدافعون عن حقهم في المساواة في الحرية، والسماح لهم بالتعري، إسوة بالحرية في ارتداء الملابس".
وفي عام 1990، أطلق أنصار التعري، حملة "The Freedom to be Yourself"، التي تطالب بالحق في حرية اختيار المنظومة القيمية والأخلاقية التي يبنى عليها الموقف من التعري.
فالحرية برأيهم لا يمكن أن تتماشى مع الخوف، ولذلك فهم يطالبون بإقرار قانون لحرية التعري وحماية العراة.
وربما يمكن أن تحل المسألة لو تم التعامل مع العراة كأي مجموعة دينية أو طقوسية أخرى، كما يحصل مع العديد من الجماعات الدينية التي تتمتع بامتيازات خاصة للحماية أمام القانون لمجرد أن لديهم مانيفستو مقدس.
تعتبر جماعة Doukhobor وهي طائفة مسيحية روسية، أول من استخدم التعري في مسيراتها الاحتجاجية ضد حكم قياصرة روسيا في القرن الـ19
وبالنسبة لأنصار مذهب التعري، يعتبر التعري وسيلة لجذب انتباه الرأي العام لقضية ما، أو لمعارضة مشروع معين، أو لترويج فكرة محددة.
اقرأ/ي أيضًا: العري في الفن.. هاجس إنساني عابر للتاريخ
وتعتبر جماعة Doukhobor وهي طائفة مسيحية روسية، أول من استخدم التعري في مسيراتها الاحتجاجية ضد حكم قياصرة روسيا في نهاية القرن الـ19، ثم توسع استخدام التعري من قبل جماعات وتنظيمات أخرى حول العالم، كأداة احتجاج سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
ويرى أنصار الحق في التعري، أن سجن ستيفن غوف لسنوات، وسلبه حريته لأنه "يرتدي بدون ثياب"، يدل على أن المجتمع منافق، فليس هناك ما هو لائق بالمشاهدة أكثر من الجسد الإنساني، باعتباره ابتهاج تاريخي نقي، يمثل الجمال كما في تماثيل مايكل أنجلو، أو العري في الفن السينمائي المبرر فنيًا، أو لوحات ومنحوتات العري الموجودة في كل مكان.
وفي حين تعتبر تلك من رموز الجمال، فإننا كمجتمع، نحرم عري الجسد الحقيقي، إذن فإن معاقبة الناس لكونهم على الشكل الذي وُجدوا به في الحياة، يعتبر الانحراف بعينه، ويضع الجسد الإنساني في قالب جنسي بحت.
حرية مطلقة أم تعايش؟
لا تزال الحدود الفاصلة بين التعري والخلاعة مثار جدل كبير في كثير من المجتمعات، بسبب عدم وجود إجماع حول ما يميز التعري عن الخلاعة.
وأما بخصوص التحديد اللغوي للمصطلحين، نظرًا لتقاربهما في الاستعمال، فهناك من يعتبر أن التعري عبارة عن تجريد الجسد من كل ما يستره دون وجود أغراض جنسية، بينما الخلاعة يقصد فيها استخدام الجسد البشري العاري كوسيلة جنسية.
سو أشتياني وهو محامٍ متخصص في هذه القضايا، يقول في حوار له مع صحيفة الغارديان، إنه "لا مبرر لإعطاء العراة حقهم في العري تحت حجة المبررات الجسدية والنفسية الخاصة". ويرى أشتياني أنه يجب عدم الانجرار وراء إظهار أن العراة هم مجموعة من الضحايا لقوانين المجتمع التي يصفونها بالسخيفة أو الضيقة.
ويضيف أشتياني بأن هناك حالة أو نوع من الاحتشام العام الذي سيُجرَح بإقرار قوانين مثل هذه. إنها إذًا مسألة تتعلق بتوازن الحقوق، ولأي مدى يجب أن تصبح هذه الحرية حقًا عامًا
بعض العراة يريدون جعل أجسادهم كالمعارض والمتاحف الفنية، وهذا شيء مختلف، فالتمثال من حجر، أما الجسد الإنساني فمن لحم ودم، وهو عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس. فقليل من الناس يودون الذهاب إلى السوبر ماركت عراة، أو التجول في المتاجر ومشاهدة أناس عراة بحرية مطلقة أمامهم وأمام أطفالهم.
ويرى أشتياني أن المطالبين بحق التعري، عليهم أيضًا أن يأخذوا في الحسبان توقعات الآخرين، وهذا ما يسمى بهامش التقدير فيما يخص حقوق الإنسان.
الحدود الفاصلة بين التعري بوصفه فنًا إنسانيًا ذا طابع تجريدي، وبين كونه مجرد سلوك إباحي؛ كانت ولا زالت مثار جدل كبير
وفي رأيه فإن مفاهيم الحشمة تختلف لاختلاف المجتمعات والفترات الزمنية، وأنه يقع على عاتق الدولة مهمة تأطير السلوكيات المجتمعية، لتجنب الصدامات داخل المجتمع مع تعدد القضايا المطلبية.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف أصبحت المسلسلات الأمريكية أكثر جرأة في عرض المشاهد الجنسية؟