1
الحديقةُ
التي صحَّرَها الفقرُ طويلًا
أهدَتْ شجرةً عاريةً
لعُصفورٍ لا يبحَثُ عن عُش فوقَ غصنٍ.
هذِهِ ليسَت مُفاجأةً
السِّرُّ هُناكَ؛
فيما يموجُ من انحباساتٍ واحتقاناتٍ في التُّربةِ المُنتفِضَةِ
أو في ما يبدو ساكِنًا، ويتحرَّكُ على حينِ لعنةٍ جميلةٍ.
لذا أنا مَأخوذٌ بألوانِ الفُصولِ
مثل طفلٍ يجولُ لأوَّلِ مرَّةٍ في دهشَتِهِ الخام.
2
هُوِيَّتي لم تكُنْ يومًا غرفةً مُحكَمَةَ الإغلاقِ
لا يتعلَّقُ الأمرُ بمَنْ يفتَحُ النَّوافذَ، أو يُحطِّمُ زُجاجَها
تدميرُ الجُدرانِ أو فتْحُ ثغرةٍ في السَّقفِ عمَلٌ بنّاءٌ أيضًا.
للهُوِيَّةِ سَلالِمُ ومَثالِبُ وأحلامٌ
للهُوِيَّةِ رعشةُ اللِّيبدو المُسْتقبَليِّ
إذا أحسَنَ المِعماريّونَ الهدْمَ!!
هُوِيَّتي: سوريَّتي/ عُروبَتي/ إنسانيَّتي الكونيَّةِ... انقلابُ فراشاتِ الذّاتِ المُتشظِّيةِ على وحشِ الجوهرانيَّةِ المُفترِسِ.
اقرأ/ي أيضًا: زينة هاشم بيك.. الإرهاب الجميل للشعر
3
هلِ الرَّبيعُ فصْلٌ واحِدٌ أيُّها اللهُ؟
يا ربَّ التَّحوُّلاتِ العجائبيَّةِ..
هلِ الخريفُ هُناكَ على الضِّفَّةِ الأُخرى،
وفي لحظةٍ عاجِلةٍ
تُنادي السَّماءُ كُلَّ شعائِرِ الاختلافِ بمُناخاتٍ مُتعدِّدةٍ؟
4
في الطَّريقِ إلى المحطَّةِ
يُمكِنُ خَلْقُ محطّاتٍ كثيرةٍ
لا أعني تناوُبَ التَّضادّاتِ في المَساراتِ
رُبَّما طيَرانُ الفراشةِ بينَ وريقاتِ الطَّيونِ مثلًا
افتتاحُ الكينونةِ على كُلِّيّاتِ الرَّغبةِ وإراداتِ الاختراقِ
الطّفلُ على درّاجتِهِ الصَّغيرةِ، ولَوْ سقَطَ أحيانًا
شقيقتُهُ التي تُهروِلُ خلفَهُ وبيدِها لوحُ شوكولا
محطّاتٌ مُجاوِزةٌ لقبضةِ الثُّنائيّاتِ
تبدأُ بهذا العالَمِ المَفتوحِ ها هُنا ذا
الجَمالُ والقُبْحُ في فرارِهِما الفذِّ من قبضةِ هُنيهةٍ مُتحكِّمَةٍ
التَّمايِلُ الخطيرُ الرَّحبُ لاشتعالِ الهُوِيَّةِ فضاءاتٍ فضاءاتٍ
وبما يكفي لنسيانِ الهدَفِ من الرِّحلةِ
أو تفتيتِ الغوصِ في دهاليزِ المَغازي الحاسِمَةِ
فارتَموا في الرِّيحِ المُتوالِدَةِ
سُكارى سُكارى كالمُتصوفينَ
وقُصُّوا لأحفادِكُم يومًا ما
عن مُغامراتٍ تلقفتُموها في قُمْرةِ الحَتْفِ الكونيِّ
ووزَّعَتْ نُدوبَها كالحلويّاتِ السّامّةِ/الشافيةِ على مُريدي التّاريخ.
5
خُصوصيتُنا:
الرَّقصةُ التي لا شبيهَ لها
لِمَنْ يرتمي –في- أحضانِ العالَمِ!!
6
الرَّبيعُ ليسَ قصيرًا:
أعني إنِ ارتمَى في انقطاعاتِ دوراتِ السِّنينِ
وتوَّجَ مَخاضاتِ التَّأويلِ تباعُداتٍ تباعُداتٍ
وهوَ يقلبُ فكرةَ الكراسي والطّاولاتِ الأبَديَّةِ بذؤاباتِ الأعشابِ المُنتصِبَةِ.
7
الرَّبيعُ لا يثورُ بلا ائتلافِهِ مع الخريفِ.
الائتلافُ هُنا
مِدماكُ الاختلافِ المُفتِّتِ، أو حكمَةُ التَّخارُجِ بلا تقابُلاتٍ ثنائيَّةٍ.
الخريفُ بطانةُ الرَّبيعِ المُبطَّنِ بالخريفِ؛
ففي حضْرَةِ الصَّيرورةِ
تكفي إشارَةُ السَّبّابةِ إلى جهَةِ التَّحوُّلِ الافتراضيَّةِ
كي يكونَ تحوُّلٌ.
التَّغييرُ انبساطُ الحُضورِ تعرُّقًا ودمًا
قفزةُ النُّورِ والعدَمِ ذهابًا وإيّابًا فوقَ حُفرَةِ المَغيبِ
حيثُ يتكوَّرُ الوجودُ غِيابًا –في- الانثناءِ، ويُضِيءُ...
8
هُوِيَّتي: سوريَّتي/ عُروبَتي/ إنسانيَّتي الكونيَّةِ... انقلابُ فراشاتِ الذّاتِ المُتشظِّيةِ على وحشِ الجوهرانيَّةِ المُفترِسِ.
9
أنْ تكونَ سوريًّا لا يتناقَضُ مع أنْ تكونَ عربيًّا، وأنْ تكونَ عربيًا لا يتناقضُ مع أنْ تكونَ إنسانًا كونيًّا: لا تكونُ الهُوِيَّةُ هُوِيَّةً إلّا إذا تعدَّدَتْ وتبعثرَتْ من داخلِها مُتراكِبَةً ومُختلِفَةً عَنْ نفسِها في كُلِّ لحظةٍ.
10
أنْ تكونَ عربيّاً ليسَ نفياً للكُرديّةِ أو التِّركمانيّةِ أو الآشوريَّةِ أو الشَّركسيَّةِ أو الأرمنيَّةِ أو أو... التي في أعماقِكَ: هُوِيَّتي: سوريَّتي/عُروبَتي/إنسانيَّتي... هيَ -فقط ودائِمًا وبلا هوادة- ثورتي التَّفاعُليَّةِ الدّائِمَةِ على... هُوِيَّتي حيثُ يُمكِنُ أنْ تُغلَقَ...
11
هُوِيَّتي الصِّراعُ المَسعورُ دائِماً على حافَّةِ هاويةِ المُسَبَّقاتِ: الهُوِيَّةُ سَلْبٌ لإيديولوجيا "الأصْلِ"، ولسُلطَةِ "المُنجَزِ" القطعيِّ، وارتماءٌ –نحوَ- المَجهولِ والمُغايِرِ، ورهانٌ عدوانيٌّ يُحرِّضُ على كُلِّ مُستقبَلٍ لا يخونُ ماضيهِ، ورقصٌ ثُمَّ رقصٌ ثُمَّ رقصٌ، حتَّى ينبسِطَ شيطانُ التَّشتُّتِ في أجمَلِ حُلَّةٍ عبرَ كينونةِ الوجودِ الحُرِّ –في- العالَمِ.
12
لنْ تكُفَّ الهُوِيَّةُ عن مُلاحَقَةِ الذّاتِ كشُرطيٍّ مُسلَّحٍ بلُغةِ القانونِ وتحكُّمِ السُّلطَةِ، ولنْ تكُفَّ الذّاتُ -وهيَ تعي ولا تعي تغيُّراتِها الفالتةَ منها- عَنِ استدراجِ الهُوِيَّةِ إلى مَفاتِنِها الجدَليَّةِ حينَما تنخُرُ كُلَّ تمركُزٍ فيها حيثُ يصرُخَ التَّجديدُ كالمَمسوسِ بلا توقُّفٍ: تعبْتُ، فائتوني بتجديدٍ آخَرَ يحمِلُ عنِّي الشُّعلةَ.
13
يتبختَرُ خطابُ الهُوِيَّةِ في تبعثُرِهِ في دلالاتِ الانفجارِ والأخطاءِ العذبَةِ البيِّنَةِ لكُلِّ تشظٍّ، حيثُ يُقيمُ الفرْقُ مُناظَراتِهِ العمَلانيَّةِ المُريبةِ في (شكلٍ/طريقةِ تشكُّلٍ) مُلتبِسَةٍ ومُثيرَةٍ لغيرةِ العِباراتِ المُتبلِّدَةِ.
14
سذاجَةُ ثنائيَّةِ (الذّاتِ - الآخَرِ) لنْ تمنَعَ حتَّى الكسيحَ مِنَ الارتماءِ في نهرِ التَّبدُّلاتِ، وعلى التَّيّارِ العارِمِ كقُبَلٍ مُتراكِبَةٍ على جِلْدِ السّابِحِ، أنْ يُكمِلَ واجباتِهِ: حُقوقُنا مُتمترِسَةٌ في الحركةِ نفسِها؛ حيثُ لا ماهيَّةَ نهائيَّةً لأساليبِ التَّمزُّقِ المَهيبِ والعطرِ المَنثورِ في مَفازاتِ الحواسِّ الانغماسيَّةِ.
15
تبْييئُ الحدَثِ الثَّوريِّ
لا يعني حبسَهُ في هُوِيَّةِ "الكشفِ" المحلِّيَّةِ!
لابُدَّ للنِّسْيَاقاتِ أنْ "تخلُقَ" خُصوصياتِها
وأنْ ترتميَ في الوقتِ نفسِهِ
في عيْنِ العولمةِ الحيويّةِ للكونِ...
16
على النَّدّابينَ أنْ يتوقَّفوا عن تزييف الهُوِيَّةِ في مُستنقَعِ الهَزائِمِ الاجتراريَّةِ، بينما تُبحِرُ سفُنُ المُمكِنِ غيرِ المُنتهي دلاليًّا في مُحيطاتٍ نائيةٍ كهِجرَةِ الخرابِ "المرئيِّ" إلى حيثُ يَمْنَحُ إلهُ الظُّلُماتِ المُهمَلُ "في غيرِ المرئيِّ" علامةً ماكِرَةً على الانبعاثِ الجديدِ.
على النَّدّابينَ أنْ يتوقَّفوا عن تزييف الهُوِيَّةِ في مُستنقَعِ الهَزائِمِ الاجتراريَّةِ
اقرأ/ي أيضًا: لا تتحدّث عن كتابكَ قبلَ نَشرِه
17
جميعُ المَخاضاتِ الكُبرى مُموَّهةٌ وزائِغةٌ، وتُمانِعُ أنْ يَحوزَها المُؤوِّلُ مرَّةً واحِدةً وإلى الأبَدِ: اللَّعِبُ الحُرُّ للمُبادِرينَ هوَ تحالُفٌ ضِمنيٌّ معَ نِسْيَاقاتٍ غير مُتوقَّعةٍ من قَبْلُ..
هكذا، يحدُثُ دوماً ما يحدُثُ، ويصِلُ مُعظَمُ البشَرِ مُتأخِّرينَ إلى التَّغيُّراتِ الهائِلَةِ، وقد سلَبَتْهُم أساطيرُ الهُوِيَّةِ الباليةِ إمكانيّاتِ تحريرِ الذّواتِ في المُستجدِّ المُباغِتِ السَّريعِ.
18
التّاريخُ مِسْخٌ داكِنٌ عندَ إخضاعِهِ لسُلطَةِ الوعي المُتعاليةِ: ارفعوا أيديكُم الحجريَّةُ عَنِ المَوجوداتِ تحتَها، وستُبصِرونَ نقاءَ التّاريخِ في كُلِّيَّتِهِ المَنزوعَةِ من تقديسِ الأنماطِ القَبْلِيَّةِ للهُوِيّاتِ.
19
ثمَّةَ ربيعٌ طويلٌ بخريفٍ طويلٍ.
ثمَّةَ أيضًا صيفٌ وشتاءٌ بلا تفاصُلٍ حدِّيٍّ؛
ذلكَ أنَّهُ بضربةٍ قاسِمَةٍ حادَّةٍ
كضربَةِ ريشةِ فنّانٍ مَأخوذٍ بالهَوى والتَّكوينِ
غيَّرَ النَّورَسُ قواعِدَ الكينونةِ على الشّاطئِ.
20
- ظنَّتِ الكائِناتُ البشَريَّةُ الوقائعيَّةُ أنَّ تيهَ المَعاني مِعيارٌ لحُكْمِ قيمَةٍ راسِخٍ عَنِ انتصارِ الأنقاضِ على المِسَلّاتِ الافتراضيَّةِ؟!!
-مَنْ أقنَعَهُم بهذِهِ الخُرافَةِ العزلاءِ المُستسلِمَةِ سلَفاً للمُهترِئِ منذُ انزياحاتٍ سابِقَةٍ؟!!
-لا أدري..؟!!
/ أعظمُ الأغاني التي تسكُنُ بيتَ القلبِ، وتُعمِّرُ طويلًا في فَجوةِ المُمكِنِ والمُستحيلِ: هيَ الأغاني التّائِهَةِ...
أعظَمُ الهُوِيّاتِ التي تَجترِحُ مَخارِجَها بمَخْضِ المُطابَقاتِ حتّى تتمزَّقَ براعِمَ براعِمَ هيَ الهُوِيّاتُ العابِرةُ لميتافيزيقا التَّعايُشِ معَ التَّسوياتِ.../.
اقرأ/ي أيضًا: