عندما غنى الفنان عابد فهد في مسلسل "بناء 22" الأغنية الشهيرة إذا صح التعبير "زيق ميق"، علقت كلماتها مع خفة دم كل من فهد والراحل الكبير عصام سليمان في أذهان وألسنة السوريين والعرب، ولربما من منطلق كهذا ظن البعض أن الكلام المصفوف بفكاهة ومفردات شعبية هو الذي يعلق في ذهن الناس ويحبونه، متناسين أن السياق الدرامي هو من يدعم مواقف كهذه في المسلسلات والسينما، ومن هؤلاء البعض باعتقادي يسر دولي.
في الظروف التي تمر فيها سوريا الدولة التي تميزت على مر التاريخ باحتضان أو إنجاب شعراء كبار ليس أولهم أبو الطيب المتنبي، ولن يكون آخرهم الراحل الكبير نزار قباني، من الطبيعي أن تنتج المرحلة مستوى متدنيًا من الثقافة والفنون بأنواعها كدراما يامن الحجلي، وسينما جود سعيد، وأغاني آل الديك وفراس حمزاوي وشعر يسر دولي، لكن ماهو موقف هذه الأسماء أمام المستقبل، والتاريخ، والأجيال السورية القادمة؟
من الطبيعي أن تنتج المرحلة السورية دراما يامن الحجلي، وسينما جود سعيد، وأغاني آل الديك وفراس حمزاوي، وشعر يسر دولي
الحدث الأقرب إلينا من حيث الموضوع هو الحرب اللبنانية، الجيران في لبنان عاشوا ذات حالة الانهيار الثقافي، وفي المقابل كان هناك منتج ذات جودة عالية ساهم بإفرازه وجود عمالقة لبنانيين على قيد الحياة آنذاك كـ الأخوين رحباني وآخرين. وهنا نرى أن النتاج الرديء شبه ممحو والجيد هو ما تبقى لليوم. كما أن انتاجات اعتبرت رديئة في ذلك الوقت أصبحت مقبول ضمن المستوى اليوم. أما الحدث الأقرب إلينا من حيث التجربة فهو العراق، وهناك نراقب بلدًا عاش لمدة 40 سنة تحت حكم نظام مشابه للنظام السوري، وبالتالي مرحلة الحرب التي أفرزت مغنين كـ محمد السالم وغيره جعلت نمط الأغنية الشهيرة "قلب قلب" هو السائد على حساب عراق الغزالي غناءً، أو النواب على سبيل المثال شعرًا.
اقرأ/ي أيضًا: الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول
النظام في سوريا لا يريد لسوريا قباني أن تبقى في أذهان الأجيال القادمة وليس فقط بالشعر، هو يرفض أيضًا دراما هيثم حقي وحاتم علي، وغناء لينا شماميان ورشا رزق، وحتى جورج وسوف الشهير بـ"سلطان الطرب" رغم أنه يصطف إلى جانب الأسد، لكن ذلك لم يفتح له أبواب دار الأوبرا في دمشق كما فتحت لعلي الديك.
في الحقيقة لم نكن نحتاج إلى تكريم يسر دولي الذي حدث منذ أيام بحضور وزير السياحة في حكومة النظام "بشر يازجي"، ضمن ملتقى كلمات الثقافي في فندق "داما روز" في العاصمة السورية، لكي نعرف درجة الانحطاط الثقافي الذي نعيشه، يسر دولي انطلق إلى آذان السوريين وأعينهم عبر قناة سما في "قصيدة" فحواها يقول أنه "لا موالي ولا معارض كلنا سوريين" حيث لاقت إعجابا في صفوف الموالاة والمعارضة لمن يذكر ذلك.
تكريم دولي ووصفه من الوزير يازجي بـ "الشاعر الكبير" استفز حتى الإعلام الموالي للأسد
الشاب يتمتع بقدرة على الحديث وشكل جيد نسبيًا لكنه لا يملك أي قدرة على الكتابة، لقد وظف النظام دولي للأسف في غير مكانه وكان من الممكن الاستفادة منه كمغني راب، أو مقدم برنامج " توك شو " بشكل أكبر من الشعر، لكن الهالة التي منحت له، وحجم "اللايكات" التي يمكن شرائُها من الفيسبوك كما يعرف الجميع كان كفيلة بأن يصل "الولد" إلى قصيدته الشهيرة بـ"الأسيتون".
تكريم دولي ووصفه من الوزير يازجي بـ "الشاعر الكبير" استفز حتى الإعلام الموالي، فكتبت "الأخبار اللبنانية" بغضب عن المستوى الثقافي الذي وصلت له سوريا، وبات الشاعر القائل "وين صافن؟ بمين عم تفكر ولاه؟" هو سؤال مطروح بشدة للإجابة عليه من قبل من وقفوا سنين طويلة في سوريا وكل البلاد العربية وراء حامي العلمانية والأقليات "بشار الأسد" ونظامه، الذي تجاهل كل تاريخهم النضالي وكتاباتهم وثقافتهم وأحزابهم اليسارية والديمقراطية، وتركهم مركونين على الرفوف مع تشيخوف وغوركي.
ليقدم عليهم يسر دولي، تفضلوا يا سادة وخبرونا ماهي سوريا المستقبل في قصائد "الشاعر الكبير"؟ ، الذي لربما تلقبُونه فيما بعد بـ"مكسيم غوركي الشرق" كونه يكتب "الواقعية السورية" مع اختلاف اللون الأدبي عن الكاتب الروسي الراحل.
اقرأ/ي أيضًا:
حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني