هذه محاولة للتفتيش في الأسرار النفسية لـ"العسكري". هو عبد المأمور، يقف بين يدي قائده في الكتيبة كالميت بين يدي مغسّله، علاقة لا تخلو من نزعة صوفية، سألت أحدهم: لماذا تنفذ الأوامر بقسوة زائدة.. فقال: ولماذا لا تقول إنني رجل عندي ضمير أراعي ضميري في تنفيذ أوامر القائد؟
لا تتعجب من غياب الجانب الإنساني عند هؤلاء البسطاء، هم ثمار فاسدة شربت من ماء الجهل والتعصب
لا تتعجب من غياب الجانب الإنساني عند هؤلاء البسطاء، هم ثمار فاسدة شربت من ماء الجهل والتعصب حتى أدمنته.. كما صوّر فيلم "البريء"، بطولة أحمد زكي، الذي قام بدور الجندي مجند أحمد سبع الليل، الذي رفض -لأول مرة- تنفيذ الأوامر العسكرية بتعذيب ابن بلده، كان يراه أكثر وطنية من القادة.. قال لهم: "أنا تعلّمت منه حب الوطن.." ولذلك دخل السجن، ودفع الثمن بدلًا منه.
اقرأ/ي أيضًا: عادل معوض.. اعتبره ريجيني يا أخي
يقف عسكري الأمن المركزي، الجندي مجند، بين نارين، نار تنفيذ الأوامر التي بطبيعة الحال ستكون ظالمة، وجاهلة، وقاسية، ونار لحظة الوعي التي يدرك فيها أنه مجرد عصا غليظة في يد الدولة.. لا ينفذ كلمة الحق، إنما ينفذ الأوامر!
يطرح الفيلم سؤالًا على ألسنة أحد أبطاله: "في حد منهم بيعرف يفكّ الخط.. في حد منهم بيتفرج على التليفزيون؟".
لا يمكن تقييم عمليات الاعتداء والضرب والسحق والسحل، التي تحسب على عساكر الأمن المركزي، دون النظر إلى الجانب الآخر من القصة، إنهم جهلة، لا يفكون الخط، لا يعرفون الصح من الخطأ، ليس من أولويات الحكومة، أي حكومة، الدفاع عنهم، أو تعليمهم، أو إصلاحهم.. بالعكس، يريدون إفسادهم بخطة ممنهجة.. بدءًا من الضابط الذي يعذّب أمين الشرطة، والعسكري، الذي يعمل تحت يديه، أو بتعبير أدق "تحت أمره"، فيخرج من المكتب حاملًا غل وغضب على استعداد لممارسته ضد الجميع.. على استعداد لقهر أول مواطن يقابله، فالرجل يمارس لعبة نفسية مورست ضده حتى أدمنها!
تتفنن الحكومات في وضع خطط إفساد عساكر الأمن المركزي، وأمناء الشرطة، تضعهم في خانة "المفسدين في الأرض" دون رغبة منهم، تستعملهم كعصا غليظة، وكلاب حراسة، وتماثيل بشرية تمّ نحت تفاصيلها، وصفاتها، وأحجام كفوفها الغليظة، ومقاسات بيادقها الكاسرة، لتخريج هؤلاء.. ثم إنه يدخل التجنيد الإجباري، ولكي يفلت منه يكون على استعداد لارتكاب أي جريمة.. أو إثم.
لعلّ السادة أصحاب المقامات يتعظون من صناعة العبيد قبل أن يأتي يوم.. وتستدير المدافع للوراء!
هو -في النهاية- عسكري أمن مركزي مدرَّب على القسوة، والقسوة ضد كل الناس، الذين يتعامل معهم بعقليته الأمنية باعتبارهم "متهمون ومجرمون حتى لو ثبت العكس" وسيلته الوحيدة للنجاة.. يعتبرها "سفينة نوح".
اقرأ/ي أيضًا: "دربكة" مات.. انتظروا "جمعة الغضب"!
لا أبرئ ساحة عبد المأمور من أي جرم فقد قال الله تعالى إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين. التابع عن جهل أو خوف ليس له عذر من الله فقد خلق الله البشر سواسية في العقل والقدرات، ولكن لعل لعبد المأمور عذرًا، فعين نشـأت في الظلام كيف عساها تميز الألوان البشرية، استمرار وجود هؤلاء عبر الأزمنة العديدة هو أكبر دليل على مؤامرة الدولة في إبقاء الحال كما هو عليه أو زيادته سوءًا في بعض المناطق التي أسميها "ورش إنتاج الأمن المركزي" للحرص على استمرارية وجود هذا النوع من البشر، الذي به يتمّ التخليص على كل المعارضين، وأنصار الحرية، ويتصدر المظاهرات حاملًا المدافع والمسدسات في وجه أي مواطن لكي يقدَّم للمحاكمة ككبش فداء بدلًا من السادة أصحاب الدبابير والرتب، الذين أصدروا الأوامر.
لعلّ السادة أصحاب المقامات يتعظون من صناعة العبيد قبل أن يأتي يوم.. وتستدير المدافع للوراء!
يعيش الجندي مجند أحمد سبع الليل، الذي قال في فيلم "البريء": "أنا عبد المأمور" ثم أدرك أنه على خطأ، ورفض أن ينفذ أوامر المأمور، لعلّ كل رجال الأمن المركزي، والمجندين يتعلّمون منه الآن، ولا يكونوا عبيد المأمور واللواء والمشير في تنفيذ سياساته.. فالرجل يملك سياسة خاصة.. يبطش لأنه يريد أن يبطش.
اقرأ/ي أيضًا: