ألترا صوت – فريق التحرير
صدرت حديثًا عن "دار الآداب" في العاصمة اللبنانية، رواية "شرطة الذاكرة" للكاتبة اليابانية يوكو أوغاوا (1962)، ترجمة المغربي محمد آيت حنا، وهي روايتها الخامسة التي تُنقل إلى اللغة العربية، بعد "حوض السباحة"، و"غرفة مثالية لرجل مريض"، و"مدبرة المنزل والأستاذ"، و"حذاء لك".
تحيل أحداث رواية "شرطة الذاكرة" إلى أجواء رواية جورج أورويل "1984"، ويعتبرها النقاد محاكاة متقدمة وعصرية لمضمونها
تدور أحداث الرواية الصادرة للمرة الأولى عام 1994، والتي وصلت بنسختها الإنجليزية إلى القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" سنة 2020، داخل جزيرة معزولة، تُقدّمها أوغاوا إلى قرائها دون اسم، تمامًا كما هو حال سكانها، في إشارة إلى التهميش أو التغييب الذي يشكل أحد ركائز العمل، ويُعتبر المسؤول عن تسيير أحداثه، وإعادة صياغة حيوات شخصياته على نحوٍ مستمر.
اقرأ/ي أيضًا: ثلاثية "السائرون نيامًا".. ترجمة عربية متأخرة لهرمان بروخ
تجد هذه الشخصيات نفسها مجبرة، وبشكلٍ دائم، على نسيان أشياء وتفاصيل كثيرة كانت قائمة في الجزيرة، قبل اختفائها فجأة، ودون سبب. والملفت للانتباه أن هذه الأشياء تبدو عادية جدًا، مثل العطور والقوارب والصور وغيرها من الأشياء التي تحرص "شرطة الذاكرة"، السلطة المركزية الخفية في الجزيرة، وكابوس سكانها، على ضمان زوالها من ذاكرتها للأبد، تمامًا كما لو أنها لم تكن موجودة ذات يوم.
يحيل وجود "شرطة الذاكرة"، بما هي سلطة عليا تتصف بالقمع والتسلط، وتسعى إلى السيطرة على ذاكرة مجموعة كبيرة من البشر، عبر تدميرها وإفراغها مما تحتفظ به من صور وأحداث ومعاني؛ إلى أجواء رواية "1984"، إذ يجد النقاد في العمل محاكاة متقدمة لمضمون رواية الكاتب البريطاني جورج أورويل لأسبابٍ عديدة، تتعلق بعمق الحكاية/ الفكرة التي تُقدّمها أوغاوا، وتقاطعها مع الأفكار التي بنى عليها أورويل روايته الشهيرة، وتقديم الذاكرة، في كلا العملين، باعتبارها خطرًا محتملًا بالنسبة إلى الأنظمة القمعية.
ترتبط محاولات ما يسمى "شرطة الذاكرة" للسيطرة على ذاكرة سكان الجزيرة، برغبة سلطة خفية غير ظاهرة بمحو تاريخٍ مُعيّن وبناء آخر تفقد الذاكرة عنده دورها، بحيث تتحول إلى مساحة عاجزة عن استعادة ما مضى، والاحتفاظ بصورة تذكارية للحظة معينة، أو حدث مهم، بل وملامح الوجوه وشكل المحيط وغيره، الأمر الذي يعكس رغبة هذه السلطة بالتغلغل في حيوات البشر بشكلٍ غير مسبوق، يمكّنها من التحكم لا بتصرفاتهم فقط، وإنما بردّة فعلهم أيضًا تجاه مختلف الأشياء المحيطة بهم، على اختلاف أهميتها.
يشكل التغييب والتهميش أحد ركائز "شرطة الذاكرة"، ويُعتبر المسؤول عن تسيير أحداثها، وإعادة صياغة حيوات شخصياتها بشكلٍ متواصل
تُقدّم أوغاوا هذه التفاصيل إلى قرّائها عبر بطلة الرواية، وهي كاتبة تحاول إنهاء روايتها، ولكنها تجد نفسها، بين وقتٍ وآخر، عاجزة تمامًا عن فعل ذلك، بسبب صعوبة الحصول على تفاصيل كافية في ظل التحولات المستمرة داخل الجزيرة التي تفقد، يومًا بعد آخر، شيئًا من ملامحها، بفعل عملية المحو المستمرة لذاكرة سكانها.
اقرأ/ي أيضًا: طبعة جديدة من رواية "شيطنات الطفلة الخبيثة"
وتحاصر بطلة "شرطة الذاكرة"، بينما تكتب جملة من الأسئلة المتعلقة بمعنى الكتابة طالما أن روايتها قد تكون ذات يوم هدفًا لشرطة الذاكرة، حيث تتساءل، بشكلٍ غير مباشر، وعبر الإشارة المستمرة إلى عملية تفريغ ذاكرة سكان الجزيرة، عن معنى الكتابة حول أشياء وتفاصيل معرضة للتغييب والحذف بصورةٍ تجعل منها ضربًا من ضروب الخيال، رغم واقعيتها وارتباطها الوثيق بحياة مجموعة من البشر الذين فقدوا، بفعل استباحة ذاكراتهم، القدرة على التفاعل معها.
اقرأ/ي أيضًا:
"حياة فتاة أو القديسة".. مارتن فالزر محاورًا عوالم كافكا
ترجمة عربية جديدة لرواية "الفراشة".. الحرية هاجس الإنسان الأول