قبيل انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية -التي راح ضحيتها ما يقارب 620 ألفًا من الجنود، وغيرهم الكثير مما لا يعرف من المدنيين- بعام واحد فقط، ولدت الأمريكية آنا جارفيس التي سعت طيلة حياتها لتحقيق أمنية والدتها التي لطالما حلمت بها، فقد كانت الوالدة تكرر دومًا على مسامع ابنتها: "إذا قامت كل أسرة من هذه الأسر المتحاربة بتكريم الأم والاحتفال بها سينتهى الكره الذي يملأ القلوب".
في 1914، أقر الرئيس نيلسون الأحد الثاني من آيار/مايو عيدًا قوميًا للأم في الولايات المتحدة الأمريكية
وهكذا فقد أخذت الابنة على نفسها العهد بأن تحقق أمنية أمها بعد وفاتها، فبدأت بكتابة الخطاب تلو الخطاب للمسؤولين، حتى أعلنت ولاية فيرجينيا في عام 1912عن إقامة أول احتفال بعيد الأم في الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا: غزة.. 4 أمهات ينتظرن أبناءهن المختطفين
ولكن الفتاة لم تكتف بذلك بل ثابرت بالكتابة مطالبة بإعلان الأحد الثاني من آيار/مايو من كل عام كعيد قومي للأم في كل الولايات المتحدة الأمريكية، وفعلًا تم ذلك بحلول العام 1909، وتبعه توقيع الرئيس الأمريكي ويلسون في العام 1914 ليقر ذلك التاريخ رسميًا كيوم للأم، لاحقًا اعترفت أغلب دول العالم بذلك الاحتفال ليصبح عيدًا عالميًا، وبذلك تحقق حلم آنا جارفيس في العام 1948 الذي واكب إعلان الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
يغدو واضحًا مما سبق بأن العيد العالمي الشهير لا يمتلك أصولًا دينية أو مثيولوجية، غير أن عوامل الربط جاءت بعد أن اختلفت بعض الدول على الموعد لاحقًا، فيوم الأم أو يوم الأمهات كما أقره الكونغرس الأمريكي، بعد أن أنشئت "الجمعية الدولية ليوم الأم" على يد جارفيس، يحتفل به في النروج على سبيل المثال في 2 شباط/فبراير، ويحتفل به 21 من آذار/مارس عند العرب، وفي 3 من تشرين الأول/أكتوبر في الأرجنتين، وفي أفريقيا في الأول من آيار/مايو.
اقرأ/ي أيضًا: كيتي كولفز.. سواد الحرب والتاريخ
ولكن بدون شك فإن للأسطورة أثرها الشديد في ربط عيد الأم بطقوس دينية معينة، فالجميع يعرف بأن عيد الأم لدى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية يرتبط مباشرة مع الصلاة للسيدة مريم العذراء، ولا يخفى على باحث الشبه الكبير لأيقونات العذراء التي تحتضن يسوع بأيقونات إيزيس، ربة القمر والأمومة المصرية، وهي تحتضن ابنها حورس وترضعه. والتي امتدت لاحقًا عبادتها وصار لها معابدها وأعيادها في كافة أنحاء العالم الروماني حيث صارت تمثل ربة الكون "أنا أم الطبيعة كلها، وسيدة جميع العناصر، ومنشأ الزمن وأصله، والربة العليا".
رغم أن فكرة عيد الأم أصلًا فكرة علمانية فقد غابت الفكرة الأصلية عن أذهان الكثير من الناس
أما في بلاد الرافدين التي كانت عشتار فيها تمثيلًا للأمومة والخصوبة، فقد كانت أيضًا الأم المتهتكة والربة الماجنة والعاشقة المتنكرة لعشاقها الكثر، التي تغوي الرجال، وتملأ الدنيا بقصصها، كقصتها مع الراعي الذي فتن بها فذبح كل أغنامه كي تبقى معه، ثم سرق شاة ليقدمها لها، ومن يومها تحول لذئب يسرق من الرعاة.
ورغم أن فكرة عيد الأم أصلًا فكرة علمانية، تطورت لاحقًا على يد جوليا وورد هاو الأمريكية أيضًا في العام 1872، لتطالب بنبذ العنف ودعوة نساء العالم لدعم نزع السلاح تحت شعار "عيد الأم من أجل السلام"، أو "نداء إلى الأنوثة في كل أنحاء العالم"، ولتنظيم الأمهات المسالمات، إلا أن العيد اتخذ طابعه الاحتفالي التقليدي كما نشهده الآن، وغابت الفكرة الأصلية عن أذهان الكثير من الناس.
لو أن الصحفي المصري علي أمين شاهد مثلي ذلك اللقاء التلفزيوني منذ يومين على محطة عربية بين أم سورية فقدت ابنها على يد قاتل انتسب لداعش، وبين والدة القاتل التونسية الذي قتل بدوره، لطالب ربما بأن تكون كل أيام السنة أيامًا تمجد قلب الأم، على اعتبار أنه أول من طرح في مقال يومي فكرة اتخاذ يوم لعيد الأم في عالمنا العربي ليكون عيدًا قوميًا. لا يسعنا والحال كهذه الحال إلا أن نقول: كل عيد أم وقلوب الأمهات بخير.
اقرأ/ي أيضًا: