في منتصف أبريل/ نيسان الماضي، دخل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في حرب تسببت بدمار وخراب كبيرين في العاصمة الخرطوم، وعدة ولايات قريبة منها، وشرّدت نحو ثلاثة ملايين شخص، وفاقمت من حدة العنف العرقي في البلاد، خاصةً في إقليم دارفور.
دمارٌ كبير خلّفته الحرب العبثية، التي دخلت يومها الـ 100، طال العديد من المؤسسات والفضاءات الثقافية والفنية، وضاعف من الأزمات التي يعيشها القطاع الثقافي في السودان منذ عقود طويلة. فبالإضافة إلى إغلاق المراكز الثقافية الأجنبية، وتعليق نشاط المؤسسات المحلية، وتشرُّد عدد كبير من المثقفين والفنانين السودانيين؛ تعرضت الكثير من المؤسسات والمراكز الثقافية للتدمير والنهب.
ضاعفت الحرب الدائرة في السودان من أزمات القطاع الثقافي السوداني وخلقت تهديدًا حقيقيًا للذاكرة السودانية والإرث الثقافي والأدبي والفني للبلاد
"مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية" في جامعة أم درمان الأهلية، من أهم المؤسسات الثقافية التي تعرضت للتدمير خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث تسبب حريق مُفتعل وقع في سياق عملية نهب واسعة طالت ممتلكات الجامعة، بإتلاف عدد هائل من الكتب والمخطوطات والوثائق النادرة التي استغرق جمعها حوالي أربعين عامًا.
تُعد المكتبة من أعرق المكتبات في العاصمة الخرطوم، وتضم عددًا كبيرًا من الكتب والمخطوطات والوثائق النادرة والمكتوبة بخط اليد لعدة شخصيات سياسية وثقافية وطنية بارزة، ما يعني أنها جزءًا أساسيًا من الذاكرة السودانية، سيما أن بعضها يؤرخ للحركة الوطنية في السودان. ولذلك، اعتبر مدير الجامعة والعديد من المثقفين السودانيين أن الهدف الرئيسي من إحراق المكتبة هو محو ذاكرة الشعب السوداني.
وانتشرت قبل أيام قليلة أنباء عن احتراق "الدار السودانية للكتب" في الخرطوم على يد قوات الدعم السريع، التي يحمّلها السودانيون مسؤولية تدمير وتخريب ونهب العديد من المؤسسات والفضاءات الثقافية الأخرى منذ اندلاع الحرب. ورغم نفي احتراق الدار التي تأسست عام 1969، وتُعتبر من أهم المعالم الثقافية في الخرطوم، إلا أن الباب لا يزال مفتوحًا على العديد من التساؤلات حول مصيرها.
ويُرجح البعض أن يكون "المتحف القومي"، الذي يضم قطعًا أثرية وأواني فخارية يعود بعضها إلى العصر الحجري، بالإضافة إلى مومياوات محنطة تعود إلى 2500 عام قبل الميلاد؛ قد تعرض للتخريب والنهب بعد انتشار مقاطع فيديو لجنود من قوات الدعم السريعة داخل المتحف الذي لم تُتح الفرصة للتأكد من سلامة محتوياته. وذلك في الوقت الذي تواجه فيه متاحف أخرى الخطر نفسه في ظل استمرار المعارك وما يترتب عليها من فلتان أمني.
وقد دمرت الحرب أيضًا "مقهى رتينة"، الذي يُعد أحد أبرز الفضاءات الثقافية في الخرطوم منذ تأسيسه عام 2018 ليكون ملتقى ثقافيًا وفنيًا لشبابها ومثقفيها. فيما حذر مثقفون وناشطون سودانيون من احتمال تعرض مؤسسات أخرى للتدمير والنهب في حال استمرار المعارك بين الجيش والدعم السريع التي يدور معظمها في محيط هذه المؤسسات، وهي: مكتبة الإذاعة السودانية التي توجد في مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وتضم عددًا ضخمًا من المواد المرئية والصوتية، ودار الوثائق السودانية، ومكتبة القصر الجمهوري، والمكتبة الوطنية، وغيرها.
في السياق نفسه، قُتلت الممثلة المسرحية آسيا عبد الماجد (1943 – 2023)، التي تُعد من رواد المسرح السوداني وأول ممثلة مسرحية محترفة في السودان، إثر تبادل لإطلاق النار بين الجيش والدعم السريع في منطقة بحري شمال الخرطوم. كما قُتلت المغنية شادن حسين إثر سقوط قذيفة داخل منزلها في مدينة أم درمان.
لم تضاعف الحرب الدائرة في السودان، منذ 100 يوم، من أزمات القطاع الثقافي السوداني فقط، بل خلفت تهديدًا حقيقيًا للذاكرة السودانية والإرث الثقافي والأدبي والفني للبلاد نتيجة عمليات تدمير ونهب المؤسسات الثقافية والفنية المعنية بالحفاظ عليهما.