ألترا صوت – فريق التحرير
لا تتأخّر "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" عن تزويد المكتبة العربية بعناوين فكرية ضرورية لم يعد خافيًا أنّ القارئ العربيّ في أيامنا هذه بحاجة ماسّة إليها، لا سيما لجهة ما تقدّمه من إجابات على أكثر الأسئلة الإشكالية في وقتنا هذا، كالديمقراطية والطائفية والحرّية والحداثة والدين والتدّين وغيرها من القضايا التي تناولتها إصدارات الشبكة، مُلبّيةً احتياجات المشهد العربيّ. وفي سياق مواصلتها إمداد المكتبة العربية بالعناوين القيّمة، خرجت من المطبعة أربعة كتب دسمة لربّما تختتم بها المؤسّسة إصدارات سنة 2019.
النزاع على السنّة: الإرث النبويّ وتحديات التأويل واختياراته
تحت عنوان "النزاع على السنّة: الإرث النبويّ وتحديات التأويل واختياراته" صدرت حديثًا الترجمة العربية لكتاب الباحث الأمريكي جوناثان براون. الكتاب الذي ترجمه عمر بسيوني وهبة حداد، يذهب باتّجاه دراسة محورية النّص النبوي عمومًا، والسنّة خصوصًا، في العقل الإسلامي، أخذًا بعين الاعتبار مسألة الاختلاف بين السنّة والمذاهب الأخرى، ومُحاولًا الإجابة على جُملة من الأسئلة المتعلّقة بتأثير السياقات والأحداث التاريخية في فهم النص، قديمًا وحديثًا.
يُحاول الأكاديمي الأمريكي في كتابه هذا الإحاطة بتطوّرات النص ضمن سياقاته المختلفة، تمهيدًا لعملية تحليله ونقده، تلك التي تستدعي العودة إلى الحديث النبوي، وآراء الصحابة والتابعين، والتوقّف عند أبي حنيفة، والشافعي، والبيهقي، وابن تيمية ومن قبله الطحاوي وابن الجوزي، ومن بعده السيوطي والدهلوي ومحمد عبده والألباني وعليّ الطنطاوي والقرضاوي وصولًا إلى نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون ومحمد شحرور أيضًا.
ينشغل جوناثان براون إذًا بتحليل تطوّرات النّص النبويّ وتحوّلاته، دون إهمال مسألة البحث في الشرائح المتعدّدة للتقليد الإسلامي، وسماتها وظروف تشكّلها، وكذا طبيعة خطابها وطريقة حلّها للأسئلة الشائكة في حقبة قديمة يتصدّرها أصوليين أمثال الجويني والغزالي، ومحدثين كالبيهقي والدار قطني، ومكلّمين كالأشعري، يرافقه المعتزلة والفلاسفة كابن رشد ومعه المذهبيين التقليديين والخارجين عنه، وهكذا وصولًا إلى الإصلاحيين كابن تيمية والدهلوي، وانتهاءً بمرحلة ما بعد الحداثة. وإذ بالمؤلّف يجمع شتاتًا ثريًا ومختلفًا إلى حدّ التناقض في إطار كتابٍ واحد، قدّم عبره نموذجًا تفسيريًا ونقديًا لأغلب الأطروحات السائدة، ذلك أنّ هذا الشتات والاختلاف يعكس مرآة التجارب الأعمّ منه، أي تلك التي تشترك معه في الكثير من الإشكاليات والحلول أيضًا.
إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبر الرحمن
بعد كتابيه "قصور الإستشراق: منهج في نقد العلم الحداثي"، و"القرآن والشريعة: نحو دستورية إسلامية جديدة"؛ يصدر كتاب جديد للأكاديمي الفلسطيني الكندي وائل حلّاق تحت عنوان "إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبر الرحمن". الكتاب الذي نقله عمرو عثمان إلى اللغة العربية، يتناول تجربة الفيلسوف المغربي صاحب "فقه الفلسفة" من زاوية معيّنة هي "الأخلاق" التي تضمّنتها فلسفته ومنجزاته مجتمعة.
مؤلّف "الدولة المستحيلة" ينطلق في كتابه الجديد من فكرة مفادها أنّ طه عبد الرحمن، في مؤلّفاته ومنجزاته، وباعتباره واحدًا من أبرز فلاسفة العالم الإسلامي كذلك؛ كان حريصًا على فكرة أن يكون ما يقدّمه قادرًا على تغطية مجالات فكرية واسعة، وقريبًا من تناول موضوعات مرتبطة بالمنطق والوجود والعقل والعنف، بالإضافة إلى المادّية والعقيدة أيضًا. ويرى حلّاق أنّ هذه الاهتمامات التي شغلت صاحب "شرود ما بعد الدهرانية" إنّما كانت مرتبطة بخيط واحد أخلاقي أمسك وأحاط بجميع أطراف فلسفته.
هكذا تكون مسألة الأخلاق التي تدخل في صلب اشتباكه الخطابي مع المشكلات التي تعانيها الحداثة بشقّيها الغربي والشرقي وتلك القائمة في البلاد الإسلامية؛ هي ما يعني وائل حلّاق الذي لا يسعى في كتابه هذا إلى الإحاطة بأبعاد مشروع طه عبد الرحمن بصورة شاملة وكاملة، وإنّما يسعى إلى مناقشة أطراف وأبعاد مُحدّدة في تجربة المفكّر المغربي تمهيدًا لكشف ما يسمّيه بـ"الأعصاب المركزية" التي قدّمت مشروعه بالصورة التي هو عليها حاليًا.
المرجع في سوسيولوجيا الدين
النظرية الكلاسيكية والحديثة للدين. المنهجية في علم اجتماع الدين. النماذج المفاهيمية في دراسة الدين وتعريفه انطلاقًا من مقاربته من جهة علم الاجتماع. الدين والعلاقة بينه وبين الأخلاق والعلم والفنّ. الدين والدولة والأمّة والقومية والقانون؛ جميعها عناوين عريضة لكتاب أكسفورد "المرجع في سوسيولوجيا الدين"، من تحرير بيتر كلارك، وترجمة ربيع وهبة.
الكتاب الممتد على عشرة أبواب موزّعة بدورها على مجلدين ضمّا في متنهما خمسين فصلًا وزّعت عليها مجموعة ضخمة ومتنوّعة من الأبحاث والدراسات؛ يتناول مسألة علم اجتماع الدين من أبعاد وزوايا متعدّدة ومتنوّعة، مُعتمدًا في ذلك على خبرة فريق دولي من العلماء الذين وفّرت دراساتهم وأبحاثهم مدخلًا لدراسته اجتماعيًا، وتبسيطًا للأفكار المتعلّقة بمحاولة فهمه استنادًا إلى العلوم الاجتماعية المختلفة. بالإضافة إلى تصوّرات قائمة على محاولات تستقصي شكله، أي الدين، ومحتواه الذي تُقدّمه الدراسات والأبحاث باعتباره محتوىً مًتغيّر في عالمنا المعاصر، وذلك تبعًا للسياقات الزمنية والمكانية والحوادث المسؤولة عن تغييره.
ويناقش المشاركون في إعداد الكتاب، وعددهم سبعة وخمسين باحثًا وكاتبًا وعالمًا وأكاديميًا، دور الدين والروحانية وتأثيرهما على السياسة والثقافة والتعليم والصحّة. بالإضافة إلى محاولة تكوين روابط متعدّدة الاختصاصات لاستكشاف جوانب الاستمرارية والتغيير والتفاعل بينه وبين مجتمعاته. وتنهض هذه المحاولات وكذا النقاشات على مجموعة من المقاربات النظرية القائمة بدورها على العلاقة المعقّدة بين الدين وجوانب الحياة المختلفة، وبينه وبين التدين، وكذلك الإلحاد.
الحركات الاجتماعية 1768-2012
صدرت الترجمة العربية لكتاب عالمي الاجتماع تشارلي تيلي وليزني وود "الحركات الاجتماعية 1768-2012" ترجمة ربيع وهبه. وفيه، يضعنا المؤلّفان أمام محاولة جادّة للإعادة كتابة تاريخ الحركات الاجتماعية، كمصطلح ومفهوم وممارسة فعلية أيضًا، باعتبارها، وفقًا لما يرد في الكتاب على لسانيهما، وسيلة للسياسة الشعبية على مستوى العالم منذ القرن الثامن عشر. هكذا، وانطلاقًا من الفكرة السابقة، يقدّم تشارلي تيلي بحثًا يتناول أصول هذه الحركات، لا سيما المعاصرة منها. مُحاولًا في الوقت نفسه تبسيط العلاقة بينها وبين مسألة التحوّل الديمقراطي، ورسم خريطة محتملة لمستقبلها.
يُخبرنا تشارلز تيلي أنّ الحركات الاجتماعية وباعتبارها منظومة متكاملة تدخل في إطار العمل الجماعي والسياسي بأشكاله المختلفة، قد نشأت أصولها في الغرب، وتحديدًا بريطانيا العظمى، حيث تبلورت وحملت شكلها الذي هي عليه في وقتنا هذا. وهو ما ينفي المقولات التي تفيد بأن هذه الحركات نشأت في أمريكيا اللاتينية تارةً، وتارةً أخرى في الولايات العثمانية المناهضة للحكومة المركزية في عاصمة السلطنة.
اقرأ/ي أيضًا: