يردد البعض دومًا أنه "إذا كان المشرق أرض الأنبياء فإن المغرب أرض الأولياء"، حيث لا تكاد تخلو مدينة ولا قرية في المغرب من ضريح أو مزار لأحد "الصلاح"، بل امتد حضور "الأولياء المغاربة" إلى خارج البلاد في الشرق وجنوب الصحراء.
فضل بعض الأولياء الصالحون المغاربة الاستقرار بمصر فأصبحوا بعد مماتهم مشهورين، يأتون لزيارة مقاماتهم من مختلف أرجاء المحروسة
وكما تقول الباحثة عائشة عبد الرحمن في دراسة لها، فإن "التواصل الشعبي بين مصر والمغرب ليس وليد الفنون والغناء وحبهم لأم كلثوم وعبد الحليم فحسب"، بل كان قبل ذلك مرتبطًا بـ"عشق المصريين شعبياً لعدد من الأولياء المغاربة"، الذين فضلوا الاستقرار بمصر، فأصبحوا بعد مماتهم "صلاحًا" مشهورين، يأتي البسطاء من مختلف أرجاء المحروسة لزيارة مقاماتهم المزينة، طلبًا للبركة في الصحة والرزق والنسل. في هذا التقرير، نورد أشهرهم:
1. سيدي أحمد البدوي
يقع مقامه في طنطا عاصمة وسط الدلتا، ولد في مدينة فاس سنة 596هـ، ونشأ بها وحفظ القرآن وتعلم بعض الفقه المالكي هناك، ذهب مع أبيه إلى الحج وهو في ريعان شبابه، وفي عودته استقر مع والده بمصر بعد أن زارا العراق، وبقي أحمد البدوي في طنطا من سنة 637هـ إلى مماته في 675هـ.
ويعد مقام "سيدي أحمد البدوي" أحد أشهر أضرحة مصر قاطبة، يرتاده الناس في الأعياد والمواسم، ويعتقدون بكراماته وبركاته، وباسمه أسس "المعهد الأحمدي" بطنطا، وهو من أعرق المعاهد الدينية للأزهر الشريف.
اقرأ/ي أيضًا: رحلة في عالم طنطا.. مدينة الأسياد والأولياء الصالحين
2. سيدي أبي الحسن الشاذلي
على بعد قرابة 150 كيلومتر من مدينة مرسى علم، وفى أقصى جنوب مصر، يوجد هناك "وادي حميثرة"، حيث تقع بداخله قرية صغيرة تسمى "أبو الحسن الشاذلي"، نسبة إلى مقام أحد "الصلاح" الصوفيين الواقع بها، وهو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، الذي تنسب إليه الطريقة الشاذلية.
تتلمذ أبو الحسن الشاذلي في صغره على يد الإمام عبد السلام بن مشيش بالمغرب، ثم رحل إلى تونس وارتقى هناك منازل عالية في العبادة والتصوف، قبل أن يشد الرحال ثانية إلى مصر، حيث تزوج وأقام بالإسكندرية، وافته المنية في "وادي حميثرة" وهو في طريقه إلى الحج، ليتحول مكان موته بعد ذلك إلى مزار شهير من قبل المريدين وعموم الفئات الشعبية في مصر.
اقرأ/ي أيضًا: الرقص الاعتقادي في مصر.. دروب الخلاص
3. الشيخة الصالحة فاطمة
من المثير أن ظاهرة الأولياء في المغرب لم تقتصر على الرجال، بل شملت أيضًا العنصر النسوي، والشيخة الصالحة فاطمة مثال عن ذلك
من المثير أن ظاهرة "الأولياء" في المغرب لم تقتصر على الرجال فحسب، بل شملت أيضًا العنصر النسوي، و"الشيخة الصالحة فاطمة" واحدة فقط من النساء "الصالحات" المُزارات، وهي أم عبد الكريم فاطمة بنت الشيخ أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي، اصطحبها أبوها في رحلته إلى المشرق، وعرّج بها إلى العراق، قبل أن يستقرا بمصر، ويقع ضريحها بـ"قرية زكريا" بمصر.
4. الإمام البوصيري
وهو الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، الذي أطلق عليه اسم البوصيري نسبة لمولده في بوصير بصعيد مصر وهي من قرى بني سويف، لكن جذور أسرته تمتد إلى قبيلة صنهاجة الأمازيغية بالمغرب، حيث انتقل والده إلى مصر لتلقي العلوم العربية والآداب.
ولد البوصيري سنة 608هـ، وتلقى تربية دينية صوفية، كما تعلم الآداب والعلوم العربية في القاهرة، وصاحب كثيرًا الإمام أبي العباس المرسي إمام الصوفية بالإسكندرية، يشتهر البوصيري بقصيدته الشهيرة "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، والمعروفة باسم (البردة)، وهي تعد من أروع قصائد المدائح النبوية بلاغة.
5. الشيخ أبي العباس المرسي
ولد الإمام شهاب الدين أبو العباس المرسي بمدينة مرسيه سنة 616هـ الوافق لـ(1219م)، وهي إحدى مدن الأندلس، ترعرع هناك وحفظ القرآن بها وتعلم الكتابة والقراءة وتدرب على شؤون التجارة في شبابه، ولما كان ذات مرة ذاهبًا مع أسرته إلى الحج، غرقت سفينتهم وتوفيا والداه، فيما نجا هو وأخوه، واستقر أبو العباس في تونس وصاحب هناك الشيخ أبو الحسن الشاذلي، حيث تزوج ابنته، وسافرا معًا إلى الإسكندرية.
وعندما مات شيخه الشاذلي خلفه أبو العباس في تقديم دروسه الدينية إلى أن توفي، وسمي على اسمه مسجد المرسي أبو العباس، وهو أحد أقدم وأشهر المساجد التي بنيت في الإسكندرية، المشهور بقبابه المميزة الشكل، والذي يعد مقصدًا للسياحة الدينية الإسلامية، ويحتضن المسجد في ساحته احتفالات وقت إقامة مولد "المرسي أبو العباس".
6. الشيخ الأكبر محي الدين العربي
وهو المتصوف الكبير الإمام محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي، أحد جهابدة التصوف في العالم الإسلامي، ولد بمرسية في الأندلس في عام 558هـ الموافق 1164، من أم أمازيغية وأب أندلسي، درس في إشبيلية العلوم الدينية وأخذ الفلسفات الإغريقية والمعارف الهندية، التي كانت رائجة آنذاك في الأندلس.
ثم انتقل إلى المشرق، حيث جال في العراق ودمشق ومصر، يعرف بأفكاره الدينية الموغلة في التصوف والرمزية، متأثرًا في ذلك بالفلسفة الأفلاطونية، ويعد من رجال الدين القلائل في العالم الإسلامي الذين حجزوا لهم مكانًا في الفكر الغربي، حيث ترجمت أعماله المتبقية إلى العديد من اللغات الأجنبية.
ورغم أن المتصوف محيي الدين بن عربي توفي بدمشق، إلا أنه بقي يحظى بمكانة خاصة في بلاد المحروسة، حيث يقبل على فكره وطريقته الكثير من الصوفيين والمريدين هناك في مصر.
اقرأ/ي أيضًا: