لا أحد يمكنه أن يقنع طفلة في عمر الزهور أن الزواج مسؤولية. كما لا يمكن أن تعيد لها طفولتها "المسروقة"، بهذه الكلمات عبرت نوال، (21 سنة)، في حديثها لموقع "ألترا صوت" عن معاناتها اليوم. فهي أم لثلاثة أطفال، لكنها إلى هذه اللحظة لا تفقه شيئًا في الأمومة. بل لا تعرف من أين وكيف تبدأ يومها. صراع مرير تعيشه الطفلة الشابة، فهي ضحية أب متعنت لأعراف المجتمع في منطقة سيدي لعجال، بولاية الجلفة (جنوب العاصمة)، تزوجت وعمرها 13 سنة، مرغمة ومكرهة، من رجل يكبرها بعشرين سنة، لأنه ثري فقط، ومن ولاية مجاورة لولايتها. فوالدها رأى ابنته "سلعة"، يواجه ببيعها شظف العيش والفقر.
يعد زواج القاصرات إحدى الظواهر الاجتماعية المسكوت عنها في الجزائر
"لا طفولة ولا أحلام ولا طموح"، تقول نوال متحسرة، على زمن فاتها ومراحل عمرية لم تعشها ولم تذق طعمها. مضيفة أنها "تكره زوجها إلى اليوم"، بالرغم من أنه يوفر لها كل المتطلبات المادية. إلا أنها لم تتمكن من كسر ذلك الحاجز النفسي، الذي بات جدار صد بينهما، لافتة إلى أنها حاولت مرات عدة الهروب من البيت، بسبب أنه يعاملها معاملة سيئة، ولكن في كل مرة يكتشف أمرها بسبب أفراد عائلته، فتعود أدراجها خائفة.
تأزمت حالة نوال مع مرور الوقت. لم تستطع التأقلم مع رجل بات "عدوها"، لأنه لا يتحمل مسؤولياته كاملة. ويعاملها معاملة قاسية، على حد تعبيرها. وتحملت معه السنوات الماضية "الحلو والمر". بل يهددها بالزواج مرة أخرى. مشيرة إلى أنه يمسكها "من اليد التي تؤلمها، أي والدها، الذي أصبح في يده خاتمًا بالنظر إلى أنه يقترض منه المال دومًا".
اقرأ/ي ايضًا: جدل وثيقة "إثبات العذرية" من جديد في الجزائر
للأسف تحولت حياة نوال إلى جحيم، مع ثلاثة أولاد أنجبتهم كثمرة لزواج غير متكافئ. والأسوأ أن أختها الأصغر منها هي ضحية أخرى لزواج القاصرات، فـ"زهرة"، تزوجت وعمرها 14 سنة، وكانت هي الأخرى صفقة رابحة بين الوالد والزوج، أو بالأحرى "تخلص منهما"، كما تصف حياة، ليصبحا اليوم "ضحايا لعرف التقاليد"، التي لا تزال تنخر حياة الأسر في مختلف المناطق الجزائرية.
الكثيرات يتحدثن عن الفقر، كأحد أهم أسباب تزويج البنات القاصرات. فيما ذهبت السيدة زبيدة (54 سنة)، إلى القول إن الكثيرات تزوجن عقب تعرضهن للاغتصاب. فالعائلات تلجأ إلى تزويجهن بعد "الفضيحة"، ومحاولة سترها أو بالأحرى ستر البنت، سواء من الفاعل الرئيسي في الاغتصاب أو اقتناص فرصة لإخفاء ما أسماه الكثيرون "الفضيحة".
الفقر والاغتصاب من أهم أسباب زواج القاصرات في الجزائر
تقول خديجة كلكالي، الخبيرة في علم النفس الأسري، في مقابلة مع "ألترا صوت"، إن "حالات زواج القاصرات في الجزائر من الملفات التي لا يتم تداولها إلا في الغرف المغلقة. بل لا يسلط عليها الضوء. لكنها تشهد خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا محسوسًا، قدرها اتحاد النساء الجزائريات بأكثر من 600 حالة سنويًا"، لافتة إلى أن "الأسباب متعددة للجوء الأسرة لتزويج البنت القاصر، وخاصة في المناطق الداخلية في الأرياف وفي الجنوب الجزائري أيضًا". وذكرت كلكالي أن من الأسباب التي ترسخت في عقول بعض الآباء، "الخوف من شبح العنوسة لبناتهن. حيث ذكرت حالات لفتيات تزوجن في سنة الـ 15 سنة لأنهن لديهن أخوات فاتهن قطار الزواج وهن في سن الأربعين".
"في الكثير من الحالات يعتبر الخوف من الاغتصاب وخاصة في المدن الداخلية من الأسباب التي تدفع بالوالدين إلى قبول تزويج بناتهن، خصوصًا إن لم يفلحن في الدراسة"، تقول إحدى السيدات، التي زوجت ابنتها البالغة من العمر 15 سنة، لأنها تخاف عليها من الاعتداءات الجنسية خارج البيت، لا سيما في المناطق النائية بولاية البيض.
اقرأ/ي أيضًا: العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات
من جانبه، ذهب الاتحاد العام الوطني للنساء الجزائريات إلى دق ناقوس الخطر، حول زواج القاصرات، من منطلق إحدى الدراسات، التي أطلقها الاتحاد في إطار مناهضة العنف ضد النساء. وتطرقت إلى تزويج البنات القاصرات، معتبرة الظاهرة عبارة عن زواج "متعة" حيث لا يستمر أكثر من مدة شهر في كثير من الأحيان، وهو ما وصفه الاتحاد بأنه عبارة عن استغلال جنسي وبمقابل، وتبقى الفتيات الصغيرات الضحايا رقم واحد في كل هذا.
بالنسبة للقانون الجزائري فإنه واضح بالنسبة لزواج القاصرات، إذ إن السن القانونية المحددة للزواج في الجزائر، بحسب المادة السابعة من قانون الأسرة، بالنسبة للبنت هي 18 سنة، وبالتالي تزويج قاصر دون رخصة قانونية يعتبر انتهاكًا للقانون. يقول الناشط الحقوقي المحامي نور الدين فلفول إن "القانون الجزائري قد يسمح بزواج القاصرات لكن برخصة من القاضي ويكون سبب الزواج مبررًا"، مضيفًا لـ "ألترا صوت" أن "الرخصة تعني الظروف الاستثنائية التي تدفع بإمكانية زواج القاصر وخاصة في حالات الاغتصاب، فضلًا عن ظروف أخرى يمكن إدراجها في خانة المقنعة، بالنسبة للقانون الجزائري وينظر فيها القاضي".
يسمح القانون الجزائري بزواج القاصرات في حالة الاغتصاب
ميدانيًا، يتجاوز الكثيرون القانون. يقدمون على تزويج بناتهن رغم عدم بلوغ السن القانونية، حيث طرح المحامي فلفول "إشكالية" موجودة في القانون في حد ذاته، لأنه "لم يحدد صفة القاضي الذي يمكنه أن يقدم الرخصة لتزويج القاصر. علاوة أن المادة لم تحدد الظروف القاهرة التي يمكن بفضلها منح الرخصة بعيدًا عن جريمة الاغتصاب التي تتعرض لها الفتاة"، وفق ما يقول.
صحيًا، ترى المختصة في طب النساء نظيرة أوعمران أن "زواج القاصرات خطر كبير على صحة البنت"، خصوصًا في ليلة الزواج، حيث تتعرض البنات لمشكلة "عويصة"، علاوة على مخاطر الولادة على الفتاة صغيرة السن مثل وقوع مشاكل في الرحم، بسبب عدم نضوج جسدها الصغير. وتشير الاختصاصية إلى أنه غالبًا ما يتعرض المولود للموت أو التأخر العقلي، بينما تكابد الفتاة مشاكل نفسية أخرى تصاحب الولادة حيث تعيش فترة غير سهلة من القلق والاكتئاب أيضًا.
في الجزائر، استهجن الكثيرون زواج القاصرات، لأنه في نظرهم عبارة عن "انتحار من جانب الفتاة واغتيال من جانب الأهل"، وفق المختصة في الإعلام الاجتماعي فريال علال. وتؤكد لـ"ألترا صوت" أن زواج القاصرات "ظاهرة سلبية من الدرجة الأولى لأنها في غالب الأحيان تؤدي إلى فك الرابطة الزوجية بسبب عدم النضج وانعدام التوافق". موضحة أن "الفتاة تنتقل مباشرة من مرحلة الطفولة إلى تحمل المسؤولية وهو ما ينتج عنه، إما عودتها لبيت أهلها أو تحمل ما لا يمكن تحمله في تلك السن". ويبقى هذا الملف من الملفات المسكوت عنها في المجتمع الجزائري، أمام اعتباره غير متفش بالحجم المخيف لكن تزايد الحالات صار تدريجيًا مقلقًا.
اقرأ/ي أيضًا:
لو تحدثت النساء مثل الرجال.. يفضح العقد الذكورية