قبل أيام، طلبت من سائق التكسي تغيير محطة الراديو، لم يعترض، لكنه نفخ، ورفع حاجبه، وتأفف عدة مرات قبل أن يضغط بإصبعه على المسجلة، ويطفئها نهائيًا. لم أهتم لغضبه، طالما أن الأغنية التي كادت أن تثقب طبلة أذني بكلماتها توقفت، الأغنية لتامر حسني، وأنا لا أحبه على الإطلاق، لا كمغن، ولا كممثل، خاصة بعدما شاهدت مؤخرًا فيلمه الشهير، والذي لطالما منعنا والدي من مشاهدته حين عرضته القنوات التلفزيونية، قبل ما يقارب خمسة عشر عامًا.
"يا سلام أنا قولتلك مش هتنزلي، والله ما انت نازلة، بعدين ايه اللي انت كنت لابساه مبارح ده؟". بهذه الجملة المترافقة مع أغنية حزينة يغنيها شاب مكسور الفؤاد هجرته حبيبته بحثًا عن المال، والشهرة، وباستعراض ذكريات ولحظات الحب المتقد بينهما. يبدأ فيلم عمر وسلمى الجزء الأول الذي تم عرضه عام 2007، ولاقى شهرة، ورواجًا بسبب قصته "الرومنسية الكوميدية" التي ضمنت له الاستمرار في جزئين آخرين، والحفاظ على مكان في ذاكرة مراهقي ومراهقات تلك الفترة، الفيلم بطولة عمر، الشاب الثري متعدد العلاقات الذي يلتقي بـ سلمى التي تقلب حياته رأسًا على عقب، حسب وصف المنصات التي لا زالت تعرضه حتى اليوم.
روج فيلم عمر وسلمى بأجزائه لكل أنواع العنف ضد المرأة دون رقيب أو حسيب، ومهد طريق بطله الذكوري، بأفكاره المشوهة، والخيالية عن المرأة، ليطلق بعده عشرات الأغنيات المهينة
المشهد الثاني في الفيلم ليس أفضل من سابقه بما فيه من تحكم، وتسلط، ووصاية على جسد المرأة، وحريتها، وتصوير خروجها عن إرادة الرجل المسيطر خيانة وخذلانًا، يظهر والد عمر، رجل الأعمال الذي يناقش تطورات عمله مع أحد الموظفين سيرًا في ممرات الشركة التي يديرها، تمر إحدى الموظفات فيلف رأسه ملقيًا نظرة فاضحة، ووقحة على مؤخرتها، ثم يدخل مكتبه ويطلب من سكرتيرته تنفيذ بعض الأعمال، وحين تهم بالمغادرة يلقي ذات النظرة السابقة على مؤخرتها، لتكون هذه النظرات المهينة دلالة سينمائية على طبعه "النسونجي" الذي يصير أوضح فيما بعد بمشاهد تسامحه مع علاقات ابنه الجنسية المتعددة، تشجيعه عليها، والمجاهرة بعلاقات مماثلة كدليل على الفحولة، المشاهد أقل ما يمكن وصفها بالمذلة، والتي تسلع النساء، وتصورهن كأدوات جنسية ينتهي دورها بنهاية العلاقة، والخروج من غرفة النوم.
بعد عشرين دقيقة تقريبًا تُطوى صفحة الحبيبة السابقة الخائنة، وتدخل البطلة المشهد بخطى ثابتة وواثقة تلفت نظر البطل. تتولى صديقته المقربة مهمة تعريفهما ببعض، وأثناء وقوف الثلاثة معًا داخل الحرم الجامعي تمر طالبة بجانبهم، يمد يده إلى جسدها "ممازحًا" وضاربًا بعرض الحائط احترام النساء، وأجسادهن، ومساحتهن الخاصة وكون الفعل الذي قام به تحرشًا جسديًا. يتكرر الفعل طيلة الفيلم بأجزائه الثلاثة، كما في أفلام تامر حسني المختلفة، وفيديوهات أغانيه، كأن هذا التحرش الذي تلحقه صرخة من الفتاة سمة من سمات شخصية "الفنان"، وميزة من ميزاته.
ليست المشاهد المذكورة أعلاه بما فيها من ذكورية، وانتهاك، وتحرش، وتقليل شأن المرأة، وكرامتها، مشكلة الفيلم الوحيدة أو غيره من الأفلام التي نظرت للنساء بدونية، وأساءت لهن بحجة الكوميديا، بل يزيد الطين بلة قصة الفيلم التي بنيت على ثيمة واحدة لم تتغير: معالجة المرأة للرجل الطائش، متعدد العلاقات، وقلب حياته ليصير رجلًا مستقرًا يبحث عن الزواج، والالتزام، وتكوين أسرة معها كجائزة على ما بذلته من جهد، وقدمته من صبر، كأن مهمة المرأة تكريس حياتها لتصويب حياة الرجل.
وهذه المرأة ليست امرأة على التعيين، بل هي امرأة تخضع لقائمة من الشروط، عليها أن تحققها كلها لتنال هذه الحظوة، نراها في بطلة الفيلم المحبوبة، والتي تكون عادة مختلفة عن كل النساء اللاتي عرفهن في حياته، بل حتى عكسهن تمامًا: طيبة القلب، مهذبة، ترتدي ثيابًا محتشمة، تسرح شعرها ببساطة، لا تضع المكياج، قليلة الكلام، لا تملك تجارب عاطفية سابقة إلا ما ندر، وبالطبع لا تملك تجارب جنسية على الإطلاق، أي توافق كل المعايير التي تضعها السلطة الأبوية للمرأة الصالحة، والزوجة الناجحة، بهدوئها وبغير قصد منها تحصل على اهتمام البطل الذي يحاول الاقتراب منها لكنها تصده بقسوة، وحزم، فهي غير مهتمة بالعلاقات العاطفية خارج إطار الزواج، فتصير صعبة المنال، وهدفه الذي يسعى لتحقيقه بأدوات مختلفة عن أدواته السابقة، عليه أن يغير تصرفاته، طريقة تعامله، كلامه، يحسنها، ويهذبها، لأنها تستحق الاحترام، وحدها، دون غيرها من النساء.
هذا الاحترام لن يدوم طويلًا، فبعد أن تتكلل قصة الحب "العنيفة" بين عمر وسلمى في نهاية الجزء الأول بالزواج، يأتي الجزء الثاني ليناقش حياتهما بعد الزواج، وبعد مرور عدة سنوات، التي تبدأ بصراخ سلمى "طلقني" لأسباب يظهرها الفيلم كأنها أسباب سخيفة، لامرأة مهسترة، نكدة، تعكر صفو زوجها الذي يتناول عشاءه بسلام، الأسباب: خيانة "تلت أربع مرات"!
لا تنتهي الخيانة عند هذا الحد، بل تستمر طيلة ساعة وأربعين دقيقة في الجزء الثاني، وساعة وثلاثين في الثالث، مع بهارات من لوم المرأة على خيانة زوجها لأنها لا تهتم بنفسها كفاية، ولم تعد هي ذاتها المرأة التي تزوجها. غريب جدًا بالنسبة لتامر حسني، وصناع أفلامه أن تكون المرأة الأم، التي تقوم بالأعمال المنزلية طيلة الوقت، ليست ذاتها الشابة المتفرغة، التي تملك الوقت لتصفيف شعرها كل يوم، وطلاء أظافرها، وارتداء فساتين الحفلات 23 ساعة في اليوم!
لم يتغير تامر حسني طيلة السنوات الماضية، ولم يتعلم أي شيء حقيقيًا عن النساء ونضالهن، ومعاركهن اليومية، لم يجد جوابًا عن أسئلته "انتو ليه عاملين كده ليه؟ ودماغكو دي معمولة من إيه؟ كل حاجة واخدينها تحدي؟"
روج الفيلم بأجزائه لكل أنواع العنف ضد المرأة دون رقيب أو حسيب، ومهد طريق بطله الذكوري، بأفكاره المشوهة والخيالية عن المرأة، ليطلق بعده عشرات الأغنيات المهينة، على شاكلة الفيلم. لا أقول هنا إن السينما العربية هي كلها سينما تحترم المرأة، وتنادي بالمساواة، وإن أفلام تامر حسني وحدها المهينة، ووحدها التي تنغصنا، لكن تامر حسني شكل حالة في زمنه، وارتبط اسمه، ولا يزال يرتبط بالرومنسية، والورود الحمراء، والفلنتاين، وعلاقات الحب، والكوميديا أحيانًا، فمرر من خلال هذا الارتباط أشكالًا مشوهة عن الحب، قائمة على الأذى، والاستخفاف، والخيانة، كما زرع في رؤوس محبيه صورة واحدة عن المرأة، صورة يعرفها هو، وكاتبو أغنياته وأفلامه فقط، امرأة ساذجة، سطحية، لا تفهم، وغير قابلة للفهم، أدنى مرتبة من الرجل، ولا تقارن به، تتلقى تعليماته، وأوامره. كيف لا وهو صاحب المقطع الشهير "أنا اللي قول تعملي أيه، أنا اللي قول تلبسي أيه..".
لم يتغير تامر حسني طيلة السنوات الماضية، ولم يتعلم أي شيء حقيقيًا عن النساء ونضالهن، ومعاركهن اليومية، لم يجد جوابًا عن أسئلته "انتو ليه عاملين كده ليه؟ ودماغكو دي معمولة من إيه؟ كل حاجة واخدينها تحدي؟"، لم يحسّن سلوكه، ولن يفعل، فهو غير مضطر لذلك، طالما أنه "سي السيد" الذي يحقق إيرادات ضخمة، وامتيازات، وشهرة، وتصفيقًا، والحق يقال إني أشكر والدي على منع عرض أفلامه في صالون بيتنا، أما عن الأغنية التي طلبت تغييرها فتقول: "مشكلتها بطلة العالم في النكد، ونمرة واحدة في العقد"، نفس التعليق الذي أتوقع أن يكتبه محبي الفنان، وحاملي فكره، لوصفي على هذه القراءة المتأخرة جدًا لذكوريته، فالأسلوب صار مكشوفًا، ومملًا.