تاريخ واحد قد يغير رؤية العالم للأشياء الصغيرة العابرة، ويحول الضحايا من شريط أخبار نزق يمر عبر الشاشة التليفزيونية، إلى حدث كبير يدق في الذاكرة أجراس حكاية لم تعد بعدها الأشياء كما كانت من قبل.
بعد كارثة انهيار مبنى رانا بلازا في بنغلاديش، أطلق نشطاء أسبوع ثورة الموضة للكشف عن سوء استغلال صناعة الموضة لفقراء الدول الفقيرة
يحاول أسبوع ثورة الموضة إطلاق المزيد من الحملات الإعلامية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي على وسم "#whomademycloths"، للمطالبة بمزيد من الشفافية من قبل القائمين على سلاسل توريد الأزياء.
اقرأ/ي أيضًا: جرائم شركات الملابس في بنغلاديش.. هدر حقوق العمال والأرض لأجل السلع الرخيصة!
يبدأ تاريخ الحملة في 24 نيسان/أبريل، وهو يوم وقوع كارثة انهيار مبنى رانا بلازا في بنغلاديش، على رؤوس العاملين فيه، إذ تركز الحملة على كشف استغلال صناعة الموضة والأزياء، لفقراء الدول الفقيرة.
حكاية الكارثة
استيقظ العمال البنغاليون في الفجر كالعادة، ومعظمهم عاملات نساء، وأسرعوا لمقر العمل الشاق في بناية رانا بلازا، الآيلة للسقوط، رغم ادعاء صاحب المبنى، سهيل رانا، أن المبنى آمن.
وفي صبيحة 24 نيسان/أبريل 2013، بدا أن المبنى لم يعد قادرًا على تحمل ما هو فوق طاقته بثلاث طوابق جديدة، واهتزازات كبيرة تسببها المولدات الكهربائية وماكينات المصانع الثقيلة، وآلاف العمال؛ فوقعت الكارثة، وانهار المبنى على رؤوس من فيه.
ولأكثر من 20 يومًا، حاولت فرق البحث والإنقاذ انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، فاستخرجت 1134 جثة، و2500 جريحًا تقريبًا. واعتبرت الحادثة أكثر حوادث الانهيارات دموية في التاريخ الحديث.
ضم المبنى مصانع وورش عمل لإنتاج ملابس لصالح دور أزياء وعلامات تجارية كبرى في مجال الموضة والأزياء، والتي تفضل عادة أن تبيع منتجاتها بأضعاف قيمة إنتاجها، التي يحصل العمال على فتاتها.
التسوق الأخلاقي!
على الرغم من أن تشارلز ديكنز تحدث عن الأوضاع السيئة للمستعبدين في المصانع منذ ما يربو على 170 عامًا في روايته "أوقات عصيبة"، إلا أن العالم الحديث لا يزال يعرف إعادة إنتاج العبودية بأشكال جديدة.
من الانتقادات الكبيرة التي واجهتها شركات الموضة الكبيرة بعد تلك الحادثة، ما قالته منظمة هيومن رايتس ووتش، عن أن الشركات العالمية التي تشتري الملابس وغيرها من المنتجات من المصانع البنغالية ، "تتحمل مسؤولية ضمان الحفاظ على سلامة العمال طوال عملية التوريد الخاصة بهم".
وأصدرت هيومن رايتس ووتش بعدها تقريرًا مفصلًا عن الظروف شديدة السوء التي عمل فيها العمال، والمنعكسة على صحتهم بالدرجة الأولى، ما يجعل الكثير منهم يصاب بأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي، بل ويتعرضون لبتر أعضائهم بسبب حوادث الآلات الخطرة. هذا فضلًا عن الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في العمالة، والأجور الضعيفة جدًا.
وعلى الرغم من أن حالة رانا بلازا لم تكن الأولى من نوعها، إلا أنها كانت الأكثر مأساوية، فدوت في وسائل الإعلام العالمية، وفتحت باب الاتهامات على شركات الملابس الكبرى، التي تترك العمال تحت رحمة طرف ثالث محلي. هذه الحالة، وغيرها، خلقت تيارًا جديدًا، يضيف إلى عملية الشراء والتسوق بعدًا حقوقيًا، عبر ما يعرف بـ"التسوق الأخلاقي".
والتسوق الأخلاقي مفهوم يشير إلى محاولة عدم الاستسلام لتجاوزات أصحاب رأس المال مع العمال، من خلال خلال ما يعرف بالشراء الإيجابي، المتمثل في مقاطعة منتجات هذه الشركات، واستبدالها بمنتجات الشركات التي توفي حقوق عمالها من جهة، وتلتزم بالشروط البيئية من جهة أخرى.
ويعرج مفهوم التسوق الأخلاقي كذلك على المستهلك، بحثه على اتباع فلسفة الشراء للضرورة وليس للرفاهية، من خلال فهم عملية الإنتاج ومتطلباتها وآثارها الجانبية الشاملة على العمال والبيئة والموارد الطبيعية، ولتحجيم تيار جديد في عالم الموضة والأزياء، هو "الموضة السريعة" أو "Fast Fashion".
ما هي الموضة السريعة؟
الموضة السريعة مصطلح معاصر يستخدمه تجار التجزئة الذين يتعاملون مع المستهلكين بشكل مباشر، للتعبير عن الانتقال السريع للمنتج من منصة العرض إلى السوق فالمستهلك.
وهناك تعريف أدق للموضة السريعة، يرى أنها لا تتعلق فقط بالانتقال السريع من منصة العرض إلى المستهلك، بل إلى سلة القمامة بسرعة أيضًا، نظرًا لأنها تعتمد على موجات من العلو والهبوط، وعلى السرعة في إنتاج تصاميم جديدة، أو موضة جديدة، تجعل من القديمة فاقدة لـ"رونقها".
هذه العملية يلزمها تكلفة إنتاج رخيصة، بما يسمح للمستهلك بالانخراط فيها. والإنتاج الرخيص يعني أيدي عاملة بأقل قدر من الأجور والحقوق، وفي المجمل بيئة عمل لها أثرها السلبي على العامل والبيئة.
كانت إليزابيث إل كلاين واحدة ممن لفتوا الانتباه إلى هذا النمط من الموضة، في كتابها "المبالغة في التأنق.. الأسعار المبالغ فيها للموضة الرخيصة". والكتاب عبارة عن مجموعة من التحقيقات الأولى من نوعها في الخسائر البشرية والبيئية للموضة السريعة السريعة.
ومع حملات التوعية بمقاطعة شركات الموضة السريعة المتورطة في تضييع حقوق العمال، لا يزال الوقت مبكرًا جدًا كما يتضح للقول إن هذه الحملات تأتي أكلها بشكل فعال، فلا يزال العمال في الدول الفقيرة ضحية قسرية لعالم الموضة والأزياء.
تعتمد الموضة السريعة على سرعة إنتاج تصاميم جديدة في عملية يلزمها تكلفة إنتاج رخيصة، تنعكس على أجور وحقوق العمال
وربما يجدر الإشارة إلى أنه بعد ست سنوات من كارثة رنا بلازا، لم يستطع نوشاد حسن هيمو، أحد النشطاء الحقوقيين في بنغلادش، والذي عمل لمدة 17 يومًا على انتشال الأحياء والجثث مع الشرطة من تحت الأنقاض، أن يعيش مع الألم روائح الموت، فانتحر في ذكرى الكارثة، قبل أن يكمل عامه الـ28.
اقرأ/ي أيضًا:
سوبريم وكارليل.. أزياء برائحة دم وبارود حروب الإمبراطورية الأمريكية