كان ظهور أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى الساحة العالمية بمثابة الفرصة الذهبية للاحتفاء بالتي تربّت على التقاليد الغربية، ودرست في أعرق الجامعات البريطانية. أراد العالم الغربي منذ ظهورها الأول على شاشات التلفاز العالمية أن يسوّق لمرحلة جديدة في بلاد حُكمت من الأسد الأب لأكثر من 30 عامًا، بالحديد والنار.
استغل بشار الأسد الوجه العصري لزوجته للترويج لنظامه طيلة سنوات ولحصد دعم غربي
مضى الغرب بتقديمه ما أمكنه من الدعم لأسماء الأسد التي أطلق عليها ألقابًا عديدة منها "السيدة العصرية"، و"وردة الصحراء"، وقدم لها التمويل اللازم لإنشاء منظمات غير حكومية NGO المعروف عنها تنفيذ مشاريع لتحفيز المجتمعات النامية، بيد أن الغرب صُدم بفتاته العصرية عندما التزمت الصمت تجاه أساليب القمع المفرط، التي استخدمها الأسد ضد المعارضين لحكمه منذ عام 2011، وانكسرت بذلك صورة أسماء الأسد، التي كانت "تتغنى بها" زوجات المسؤولين الغربيين.
اقرأ/ي أيضًا: كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟
أسماء الأسد.. رحلة الصعود إلى القمة
كانت زوجة الأسد الأب (أنيسة مخلوف)، رغم أنها السيدة الأولى، مقلة في خروجها مع زوجها أو لوحدها عبر وسائل الإعلام، عكس أسماء الأسد (ولدت في 1975)، التي سعت منذ توريث الأسد الابن للحكم عام 2000 أن يكون لها حضور خاص على الصعيدين الداخلي والخارجي. كما أن زواجها من الأسد جرى استثماره كنموذجٍ للتنوع داخل المجتمع السوري في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا المعاصر، كونهما ينتميان لطائفتين مختلفتين، فالأسد معروف عنه أنه من الطائفة العلوية، وأسماء ولدت لعائلة سنّية ثرية من مدينة حمص، وهو ما دفع الغرب للظن أن البلاد مقبلة على انفتاح ديمقراطي.
مع تمتين نظام الحكم للأسد الابن عام 2001، ويمكن فهم تلك الفترة أكثر من خلال كتاب فاروق الشرع "الرواية المفقودة"، والأخير كان نائبًا للأسد الابن ويُقال إنه موضوع تحت الإقامة الجبرية منذ عام 2013، بدأت أسماء تستثمر علاقاتها مع الغرب كونها كانت من الوجوه البارزة في أروقة المجتمع المخملي بسبب دراستها، وطبيعة عملها مع أهم شركات المال اللندنية، وتَمَثل استثمارها جيدًا لهذه العلاقة بإنشائها أول منظمة غير حكومية في سوريا تحت اسم "الصندوق السوري للتنمية الريفية المتكاملة" بهدف "تعزيز إمكانات المجتمعات"، كما يُروج له.
وفي عام 2002، استضافت مؤتمر "سيدات الأعمال"، الذي اعتبر أكبر تجمع لسيدات الأعمال في الشرق الأوسط آنذاك، وأطلقت في العام ذاته مركز معلومات متنقل في الشرق الأوسط، وكان لهذه الفعاليات دورًا كبيرًا في منحها دفعة قوية لتعزيز علاقاتها مع الغرب، وساعدها لاحقًا على تأسيس الأمانة السورية للتنمية عام 2007، التي استهدفت شرائح شابة مختلفة من المجتمع لكنها كانت تُدار من قبل فريقها الشخصي وفق سياسة محددة، حيثُ غابت عنها المشاريع المرتبطة بمجالات حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، وما شابهها من البرامج السياسية التي كان محظورًا على المنظمات تنفيذها في سوريا.
هذه الصورة للسيدة العصرية انحفرت جيدًا لدى المسؤولين الغربيين الذين رأوا فيها بعدما قدمته من برامج تنمية سيدة تقدمية بامتياز، إلى جانب تداول الإعلام مقاطع مصورة لزيارات مفاجئة تجريها مع زوجها أو حضورهما فعاليات ثقافية يجري تصويرها على أنها دون الحرس الشخصي ما جعلهما مطرح ثقة لدى الغرب، رغم أن الأسد الابن عام 2005، أجهض أولى محاولات التحول الديمقراطي بعدما اعتقل معظم المعارضين الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي.
كيف غير الغرب رأيه من أسماء الأسد؟
قبل عام واحد من اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا، نشرت مجلة "فوغ" الأمريكية حوارًا مع أسماء الأسد وصفتها الكاتبة بأنها "أكثر السيدات الأوائل نقاءً وحيوية وجاذبية"، بحسب صحيفة الغارديان التي تضيف أن الصورة الخيالية لها منذ ذلك الحين بدأت بالتبدد، وصار لدى الغرب يقين حول معرفتها بأفعال زوجها عندما تجاهلت مناشدة زوجتي سفيري بريطانيا وألمانيا لدى الأمم المتحدة عام 2012 بعد أن وجها لها رسالة عبر مقطع فيديو يطلبان منها "المخاطرة والتحدث بصوت عال للمطالبة بوقف حمامات الدم".
بالفعل فقدت أسماء أيًا من الميزات التي منحها لها الغرب سابقًا، ولم تنفع صورها مع الأسد التي حاولا فيها الظهور بـ"عفوية غير رسمية" كما يقول عمار عبد ربه، أحد مصوري الأسد لموقع "نيوز ديبلي"، واكتشف بعدها أن الصور التي ألتقطها كانت محظورة داخل سوريا لأنها موجهة للغرب.
ويضيف عبد ربه أن "الأسد كان يحمل رسالتين في الصور التي ينشرها، الأولى موجهة للغرب يقول لهم "نحن طيبون ونحب أولادكم"، أما الثانية فكانت للسوريين مضمونها "نحن قساة يجب علينا أن نكرهكم ونعتقلكم.. وربما نقتلكم إذا تمردتم علينا".
اقرأ/ي أيضًا: سجن تدمر حيث "الأسد منع الله من الدخول"
انكشفت مع بداية الاحتجاجات السلمية في 2011 الصورة الحقيقية لأسماء الأسد وفقدت الدعم الغربي الذي حظيت به لسنوات
أسماء الأسد.. الحاكمة العربية الأمثل للغرب
شكلت أسماء الأسد صدمة للعالم الغربي، الذي كان مبهورًا بأنشطتها في مجال التنمية المستدامة، لكنه اعترف نهاية بانخداعه بها كسيدة عصرية، تقول الغارديان في تقريرها إنه في إحدى الرسائل المسربة من بريدها الإلكتروني تكتب أسماء لزوجها: "إذا بقينا متماسكين معًا، فسنتجاوز هذه المحنة معًا. أحبك".
والفيلم الوثائقي "أسماء الأسد: وجه الديكتاتورية الجميل"، الذي أعدته القناة الألمانية الأولى قبل بضعة أشهر، وبدأ تداوله بين وسائل الإعلام العربية بشكل واسع، يقدم موجزًا مختصرًا عن الصورة التي انطبعت لدى الغرب عن أسماء الأسد، وكان ينظر إليها كـ"مثال لحاكمة عربية، جميلة، مثقفة، وعصرية"، فهي ولدت في بريطانيا، ووالدها فواز الأخرس طبيب ثري وناجح تحفظ له مكانته في الغرب، بهذه الكلمات يقدم الفيلم في بدايته لمحة سريعة عن انخداع الغرب بها، وكيف لعبت دورًا إيجابيًا في تبديل الصورة السلبية لزوجها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير 2005 في بيروت، حتى وصل الأمر بالغرب لاعتبارها "الحاكمة العربية الأمثل" في فترة ما.
هكذا فشلت أسماء الأسد بعد أن استطاعت سابقًا أن تساهم في إعادة العلاقات بين الأسد الابن والغرب الذي كان ينظر إليه على أنه حليف شرق أوسطي مهم في مكافحة الإرهاب، لكن النظرة للسيدة العصرية تبدلت كثيرًا، ما دفع برلمانيين بريطانيين في نيسان/ أبريل الفائت للمطالبة بسحب الجنسية البريطانية منها لتكون بمثابة رسالة قوية موجهة لنظام الأسد، بعد ما يناهز خمسة أعوام على حظر سفرها لدول الاتحاد الأوروبي.
وربما كان حذف الكاتبة أنا وينتور لمقالها في مجلة "فوغ" من موقعها الإلكتروني، وسحبها للقب "السيدة الأولى" من أوائل المواقف الشخصية الغربية المتحولة إزاء زوجة الأسد، كما غير الكثيرين لاحقًا رأيهم، وأطلقوا عليها لقب "سيدة الجحيم الأولى" بدلًا من "وردة الصحراء"، كما تقول صحيفة الغارديان.
اقرأ/ي أيضًا:
حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة