يحاول وثائقي "The Spy Who Fell To Earth" الذي تعرضه شبكة نتفليكس، أن يكشف حقيقة أشرف مروان، العميل المصري الغامض الذي حيّر الاستخبارات الإسرائيلية، وانقسم حوله المصريون.
بعكس غيره من الأعمال التي تناولت قصة أشرف مروان، ترك وثائقي "The Spy Who Feel To Earth" كل الاحتمالات مفتوحة
هل هو عميل للمخابرات المصرية خدع الموساد الإسرائيلي وضلله في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، أم أن جاسوس مزدوج حركه جشعه للمال والسلطة؟
اقرأ/ي أيضًا: بالوثائق.. أشرف مروان دق جرس أكتوبر للموساد.. إسرائيل تجاهلت عميلها!
الطريقة الغامضة التي مات بها، ساقطًا من شرفة شقته في لندن، عام 2007، زادت من الحيرة حول كنه هذه الشخصية ودورها في منطقة تحكمها حسابات وتحركات الأجهزة المخابراتية. هل كان سقوطه مجرد حادث؟ هل حاول الانتحار فعلًا؟ أم أنه قُتل؟ وإن كان قد قتل، فمن الذي قتله؟
يفتح وثائقي "الجاسوس الذي هوى على الأرض" أو "The Spy Who Fell To Earth"، الباب أمام أسئلة ملحة. لكنه، وبعكس الوثائقيات التي تحمل إجابات يقينية للمشاهد، ترك هذا الوثائقي كل الاحتمالات مفتوحة، مكتفيًا بعرض المعلومات التي نجح القائمون عليه في الوصول إليها، علمًا بأن معظمها تنقل وجهة النظر الإسرائيلية، وإن معلوماتيًا، بعد أن رفضت عائلة مروان والجهات الرسمية المصرية، الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات.
صهر عبد الناصر
ولد أشرف مروان عام 1944 لأب خدم ضابطًا في الجيش المصري. درس في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وهناك تعرف إلى منى نجلة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتزوج منها في عام 1966.
بعيد زواجه من ابنة عبدالناصر، أُوكلت إليه وظيفة صغيرة في قصر الرئاسة، فشعر مروان بالإهانة، كما يورد الفيلم، ما دفعه للسفر مع زوجته للعاصمة البريطانية لندن، وأقام هناك.
يسرد الفيلم معلومات حول الحياة الباذخة التي عاشها مروان في لندن، ما أحرج حماه، رئيس الجمهورية، جمال عبدالناصر، فأعاده إلى مصر.
السنوات اللاحقة لبقائه في مصر شهدت أحداثًا متسارعة، من نكسة 1967 فاستقالة عبدالناصر قبل عودته للرئاسة مرة أخرى، وصولًا إلى وفاته وصعود محمد أنور السادات لسدة الحكم في 1970.
سلّم أشرف مروان للسادات معلومات هامة عن محاضر اجتماعات من المرحلة الناصرية، بغية التقرب منه، فعينه السادات سكرتير مكتب الرئاسة، ليكون أصغر مصري على الإطلاق يصل لهذا المنصب، إذ كان لا يزال في الـ26 من عمره.
في تلك الفترة، وبحسب الوثائقي، بدأ أشرف مروان اتصالاته بالموساد الإسرائيلي وعرَض عليه التعاون. حصل انقسام بين أعضاء الموساد أنفسهم، بين من شكّك بنوايا مروان، بالنظر إلى أنه موظف مصري كبير، وصهر لعبد الناصر، وليس ثمة دافع واضحه لتعاونه مع إسرائيل، فيما رأى البعض الآخر أن جشع أشرف وحبه للمال، ورغبته الدفينة للانتقام من عبد الناصر كانت بمثابة دوافع كافية للعمالة.
في اللقاء الأول قدم مروان للإسرائيليين محاضر اجتماع رئاسي روسي مصري، فكانت باكورة التعامل بين الطرفين. وقد تم اللقاء الأول في أحد فنادق لندن، وحصل أشرف حينها على مليون دولار، وكان ذلك المبلغ ثروة ضخمة آنذاك.
لاحقًا أبلغ أشرف مروان الإسرائيليين بأن السادات لن يشن حربًا ضد إسرائيل طالما أنه لا يمتلك قاذفات صاروخية روسية. لكن في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت القوات المسلحة المصرية هجومًا مفاجئًا على الإسرائيليين في سيناء، ألحق بهم خسائر فادحة، إذ لم يكن الإسرائيليون المنشغلون بإحياء عيدالغفران يتوقعون أي هجوم. السؤال الذي دار في أذهن الإسرائيليين: هل خدعنا أشرف مروان فعلًا؟
تبين لاحقًا أن أشرف مروان كان قد أخطرَ الموساد بالهجوم، لكنه أعطاهم موعدًا خاطئًا، إذ سرب لهم أن الهجوم سيتم مع غروب الشمس، بينما بدأت الضربة الأولى فعليًا عند الثانية ظهرًا.
انقسم أفراد الموساد مجددًا بين من اعتبر أن مروان كان يضللهم، وبين من رأى بأن موعد العملية قد تم تقريبه في اليوم الأخير، وأن أشرف مروان لم يعلم بذلك لأنه كان في لندن.
الغموض سيد الموقف حتى بعد موته
بعد حرب 1973، تشكلت لجنة تحقيق إسرائيلية، وحُمّلت المسؤولية لمدير الاستخبارات آنذاك إيلي زاعيرا، لأنه لم يتعامل بالجدية المناسبة مع المعلومات التي حصل عليها من مروان، فلقد كان زاعيرا مصرًا طوال الوقت على أن أشرف هو عميل مزدوج.
لاحقًا نشر زعيرا نشر كتاب يروي تجربته، ذكر فيه أن لقاءً تم في السعودية بين السادات والعاهل السعودي آنذاك الملك فيصل بن عبدالعزيز، وشخص ثالث لم يقم بتسميته، لكنه ذكر أن هذا الشخص تعاون مع الإسرائيلين في فترة حرب 1973.
المؤرخ الشهير هارون بريغمان تابع القضية، ليتوصل إلى أن الشخص الثالث في اللقاء كان نفسه أشرف مروان، وكانت هذه المرة الأولى التي يخرج فيها اسم مروان للعلن بهذا الشكل.
التقط أشرف مروان صورة مطلع الألفية مع الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ونشرت الصحف الإسرائيلية الصورة على صفحاتها، تحت عنوان "صديق إسرائيل الأول في مصر". اعتبر الإعلان المباشر بهذا الشكل عن اسم مروان، حرقًا لورقته إسرائيليًا. والسؤال: لماذا فعلت إسرائيل ذلك؟ وهل كان زاعيرا على حق فعلًا؟
في تموز/يوليو 2007، مات أشرف مروان في ظروف غامضة، بعد سقوطه من شرفة شقته بلندن في الدور الخامس. لم تتوصل تحقيقات الشرطة البريطانية إلى أية نتائج، وأغلق ملف القضية بعد أن خلص إلى أن أسباب السقوط غامضة.
حظي مروان بجنازة كبيرة في مصر، شارك فيها مسؤولون كبار. وقد رثاه حسني مبارك، بكلمات قليلة: "لقد قام أشرف بأعمالٍ بطولية، الوقت ليس مناسبًا للحديث عنها. لكنه بطل قومي وليس جاسوسًا".
يميل الرأي العام الإسرائيلي إلى أن أشرف مروان كان عميلًا ممتازًا خدم إسرائيل، بل يرون أنه من بين الأمهر على الإطلاق في هذا المجال. لكن بعض الآراء داخل إسرائيل كانت ولا تزال ترى أنه عميل مزدوج لصالح مصر، مثل إيلي زاعيرا.
يميل الرأي العام الإسرائيلي إلى أن أشرف مروان كان عميلًا ممتازًا خدم إسرائيل، في حين تنعدم تقريبًا المعلومات المتوفرة عنه من الطرف المصري
في المقابل، المعلومات المتوفرة عنه من الطرف المصري قليلة جدًا، في الوقت الذي يرى فيه البعض أنه من حق الشعب المصري أن يعرف حقيقة أشرف مروان، في ظل الاهتمام الإسرائيلي به، والمتمثل في تعاطي قصته في أكثر من فيلم ومسلسل.
اقرأ/ي أيضًا: