هل يعرف أحد من أبناء جيلنا اليوم من هو ألكسندر جاكوب صاروخان؟ هل يدري أي منا أي أثر تركه الرجل في المدرسة الكاريكاتيرية في مصر قديمًا و حديثًا؟ الإجابة هي للأسف، لا كبيرة غالبًا. وكأن الرجل من الذين غضبت عليهم الآلة الإعلامية في مصر فقررت أن تبقيهم في الظل، رغم أثرهم العظيم. فما هو أثر ألكسندر صاروخان في تاريخنا المصري وهو الرسام الكاريكاتيري من الأصول الأرمينية؟
بدأ ألكسندر صاروخان حياته بالعمل في الترجمة لينتقل إلى فن الكاريكاتور لاحقًا على إثر هجراته المتكررة
ألكسندر صاروخان هو شاب أرمني من مدينة أردناوش بجبال القوقاز بأرمينيا. ولد ألكسندر صاروخان في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 1889، ثم انتقل مع أسرته إلى مدينة باتوم على سواحل البحر الأسود في جورجيا والتحق بالممدرسة عام 1909 ثم انتقل إلى تركيا بعد ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: حين غابت المواطنة في مصر وأصبحت ليلى مراد ضحية للفرز الديني
شعر ألكسندر صاروخان وهو طفل يافع بميله إلى الرسم، وكان ذلك وهو في الثانية عشرة من عمره، الأمر الذي دفعه إلى عمل مجلة للرسوم الكاريكاتيرية بمدرسته. وحين كبر قليلًا واجه ألكسندر صاروخان ظروفًا مادية صعبة اضطرته للعمل بالترجمة. أصدر صاروخان جريدة كاريكاتيرية متواضعة وعمل بالصحف الأرمنية باسطنبول عام 1920، لكن الاضطرابات الكبيرة التي حدثت قبيل الحرب العالمية الأولى جعلت اليأس يتمكن منه، فسافر إلى بلجيكا حيث يقيم عمه الذي آمن بموهبته و أدخله أكاديمية الفنون في فيينا.
سافر ألكسندر صاروخان إلى القاهرة و كانت بدايته الحقيقية حين عرض عليه محمد التابعي العمل معه في مجلة آخر ساعة، وفي نفس العام أقام صاروخان معرضًا صغيرًا يحوي رسومه الكاريكاتورية، ثم بدأت أبواب العالم تُفتح له وعمل في مجلة روز اليوسف حيث رسم أهم و أقدم شخصية تعبر عن المزاج الشعبي المصري وهي شخصية "المصري أفندي".
عرف ألكسندر صاروخان بتضامنه المعلن مع القضية الفلسطينية ومعاداته الجذرية للصهيونية
ذاعت شهرة ألكسندر صاروخان وشعر لأول مرة منذ سنوات طويلة في حياته بالاستقرار، و بدأت أبواب الصحف في مصر تتفتح له، حتى استدعي للعمل في دار أخبار اليوم، فذاع صيته خارج مصر. سافر لاحقًا إلى الولايات المتحدة وكندا ليعطي دروسًا في فن الكاريكاتير. أما المكانة الأثيرة في قلبه فكانت لسوريا، و خاصة "حلب"، التي أحبها وأقام فيها فترة قصيرة وأعطى فيها دروسًا و محاضرات في فن الكاريكاتور، وأقام فيها عدة معارض. كما يرجع له الفضل في تسمية معهد الفن هناك بمعهد "صاريان".
اقرأ/ي أيضًا: توم وايتس.. سريالي فوق العادة
لم يمنعه فنه الذي كان يمارسه في مصر وفي الصحف الأرمينية من كتابة كتب خاصة به، مثل "المتسولون الشرفاء"، و بالأرمينية "انظر إلى كلامك" وكتابه "هذه الحرب"، الذي حوى ألف رسم كاريكاتوري.
رسم ألكسندر صاروخان أهم و أقدم شخصية تعبر عن المزاج الشعبي المصري وهي شخصية "المصري أفندي"
شكل ألكسندر صاروخان البداية الحقيقية لتأسيس فن الكاريكاتور في الوطن العربي، تميزت خطوطه بالبساطة وقلة التشابك، خاصة في رسمه للوجوه، كما ابتعد عن التفاصيل الزائدة التي قد تقلل من قيمة العمل، جاعلًا خطوطه الرئيسية مميزة ودقيقة.
كان ألكسندر صاروخان مناصرًا للقضية الفلسطينية، حيث صور المسيح يعود إلى القدس على ظهر حماره ليجد العدو واقفًا بانتظاره، أما العجيب في الرسم الذي صوره هو هذا الجدار خلف العدو، الذي هو الجدار العازل الذي بنته إسرائيل في بدايات الألفية الثالثة. وقد حصل ألكسندر صاروخان على الجنسية المصرية عام 1955 وأظهر امتنانًا لما سمي بثورة يوليو وقتها.
وفي عهد السادات عبر ألكسندر صاروخان عن سياسات الانفتاح والتغييرات الدستورية التي تبعتها بأنها كانت مجرد كي للدستور لا أكثر. وانتقد سيطرة إسرائيل على المشهد السياسي العالمي.
ككثير من الفنانين الكبار في مصر لم ينل ألكسندر صاروخات حظه من التكريم الحقيقي، وإن أطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة في منطقة النزهة الجديدة، لكن تبقى تلك التركة الكبيرة لصاروخان المكونة من أكثر من أربعين ألف رسم كاريكاتيري مهددة إلى الآن. ولم ينل ألكسندر صاروخان تكريمًا حقيقيًا لا في حياته ولا عقب مماته، رغم أنه خدم الصحافة في مصر لأكثر من نصف قرن. ووافته المنية عام 1977 في الأول من كانون الثاني/ يناير.
اقرأ/ي أيضًا: