02-أغسطس-2024
حسن سامي يوسف

حسن سامي يوسف (الصورة لـ سالِم عمر حجّو)

رحل اليوم حسن سامي يوسف. سوف يجد القارئ الكثير عن حياته، كتاباته، وسيرته الذاتية، رواياته ومسلسلاته؛ فعندما يرحل الكاتب تمتلئ الصفحات بسيرة حياته: أين ولد؟ وكيف نشأ؟ وكيف تلقّى تعليمه؟ ثمّ كيف بدأ عمله الإبداعيّ؟ لا أجد أنّني بحاجة إلى ذكر كل ذلك، سوف يكون متوفّرًا بغزارة خلال بضعة الأيّام اللاحقة لرحيله. أرى أنّني يجب أن أكتب عن علاقتي به.

لقد جمعتني الظروف بالأستاذ حسن مرّتين، المرّة الأولى افتراضية، حيث تشابه دخولنا إلى كتابة المسلسلات التلفزيونية بشكل كبير، وقد راجعنا ذلك أنا وإيّاه وضحكنا كثيرًا، إنّه الفنان سليم صبري، لقد أقنع حسن بأن يكتب مسلسلًا للتلفزيون في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقد كانت حجّة سليم أنّ المستقبل للتلفزيون، وأنّ الرواية التلفزيونية يُمكن أن تكون عملًا "محترمًا" إذا كُتبت باحترام، وهكذا كان مسلسله الأول "شجرة النارنج" الذي أخرجه سليم صبري ونال متابعة عالية. كذلك أنا أقنعني سليم صبري في بداية التسعينيات بالكتابة للتلفزيون لأكتب فيلمًا تلفزيونيًا ذهب إخراجه إلى الأستاذ مأمون البنّي، وقد تمّ منعه رقابيًا.

يكتب حسن سامي يوسف من الداخل، من أعمق نقطة داخل النفس الإنسانية

في المرّة الثانية كنت قد تقدّمت بمشروع مسلسل طويل لشركة الصديق الفنان عبد الهادي الصبّاغ، فالتقيت بالأستاذ حسن في مكتبه وطلب منه قراءة العمل، حينها اعتذر حسن قائلاً: لا أنا لا أقرأ لعبد المجيد. قالها هكذا حاسمة وواثقة، قلت له: "يا عمّي اقرأ واشتمني وارفض العمل". فقال، مستخدمًا القاف المفعمة التي تُميّز لهجة أهل لوبية: "مش هيك الموضوع، أنا بتعاون وبساعد بس ما بقيّم". كان رجلًا دمثًا ولطيفًا ومحبًّا ومتعاونًا، وفي الوقت نفسه يابس الرأس لا يُجامل ولا يُهادن، هل يبدو متناقضًا؟ لا. أنا أرى أنّه واضح تمامًا، لا يرضخ للمواضعات الاجتماعية، كذلك لا يدخل في مهاترات زائفة تُميّز الوسط الفنّي.

يُمكن تمييز حساسيته المفرطة بسهولة بمجرّد الدخول إلى عالمه، فهو يأسرك من الصفحات الأولى، حيث إنّه يكتب من الداخل، من أعمق نقطة داخل النفس الإنسانية. هو هكذا في رواياته الستّ التي قرأتها، وأنا نادم على عدم قراءتي لروايته الأخيرة "على رصيف العمر". كذلك هو في مسلسلاته حيث ينشغل كثيرًا بالدخول إلى أساس الصراع الدرامي، وغالبًا ما يكون الصراع بين الشخصية وذاتها، وهذا من أصعب أنواع الكتابة في السيناريو، لكنّه كان بارعًا وسلسًا في إيصال تعقيدات دراماه وعبرها إيصال فكرته.

في الحياة كان منعزلًا، لم يكن مكتئبًا، ولا متعاليًا، وليس مريضًا نفسيًا يُعاني من رهاب اجتماعيّ، لكنّه كان انتقائيًا، يتفاعل مع أصدقائه ومعارفه الذين ينتقيهم ويثق بهم، ولا يدخل أبدًا في سطحية اليوميّ والقال والقيل التي تُميّز الوسط الفنّي وربّما الأدبيّ.

كان يُعبّر عن موقفه السياسيّ بطريقة هادئة ولا يستحسن الدخول في جدالات، كان يعرف. هذا هو الشعور الذي كان يتملّكني كلّما تبادلت معه حديثًا، إنّه يعرف ويُعبّر عن معرفته بطريقته، فقط عليك أن تفهمه كي تستفيد من معرفته. كان معلّمًا حقيقيًا، وأستاذًا للكثيرين دون أن يقف في مكان الأستذة والتعليم. 

يرحل اليوم اللوباني الدمشقي اللطيف تاركًا لنا آلامه وآماله في رواياته وأفلامه ومسلسلاته، وسوف يبقى ألمه ينزف في دواخلنا لأنّه ألمنا جميعًا، كذلك أمله في عالم نظيف وعادل.