23-سبتمبر-2023
عقيدة بيغن

بحسب "وول ستريت جورنال"، فإن إسرائيل تعمل مع إدارة بايدن على اقتراح، ينتج عنه إنشاء عملية تخصيب يورانيوم تديرها الولايات المتحدة في السعودية كجزء من صفقة التطبيع (Getty)

يكثف رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حديثه عن التطبيع بين دولته والسعودية، ويتناول هذه القضية في كافة خرجاته الإعلامية، مع "حماسه" لإنجاز عملية التطبيع، التي تطلب السعودية حصولها على مفاعل نووي كمقابل لها، مما قد يعني كسر عقيدة بيغن النووية.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام الأمم المتحدة يوم الجمعة، إن إسرائيل على وشك التوصل إلى اتفاقية تطبيع مع السعودية يمكن أن "تغير الشرق الأوسط"، وفق مزاعمه.

بحسب صحيفة "هآرتس": "لم يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارًا بعد بشأن مسألة ما إذا كان سيسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم في أراضيها، كجزء من صفقة أمريكية سعودية إسرائيلية للتطبيع"

وأضاف نتنياهو، أمام قاعة شبه فارغة: "نحن على أعتاب اختراق دراماتيكي، سلام [تطبيع] تاريخي مع المملكة العربية السعودية. مثل هذا السلام [التطبيع] سوف يقطع شوطًا طويلًا نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وكانت نهاية الأسبوع الماضي، واحدة من أكثر أسابيع نشاط نتنياهو الدبلوماسية، الذي قابل الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأول مرة منذ عودته إلى المنصب، قبل ثمانية أشهر.

وفي وقت سابق، ذكرت وكالة بلومبرج أن الولايات المتحدة تدرس إبرام اتفاقية أمنية مع إسرائيل كجزء من الصفقة. وكان اتفاق التطبيع مع السعودية محورًا رئيسيًا في رحلة نتنياهو، بما في ذلك محادثته يوم الأربعاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.   

وفي السياق نفسه، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لـ"فوكس نيوز"، إن بلاده وإسرائيل أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل إلى اتفاق، وأن التعامل بشأن هذه المسألة جدي.

وزعم وزير الخارجية إيلي كوهين في مقابلة مع قناة "كان" بعد ظهر يوم الجمعة أن ست أو سبع دول إسلامية ستنضم إلى المملكة العربية السعودية في التطبيع مع إسرائيل بعد إبرام اتفاق التطبيع.

وقال كوهين: "ستنضم ست أو سبع دول من أفريقيا وآسيا إلى اتفاق السلام مع السعوديين. التقيت بعدد من المسؤولين من الدول الإسلامية التي لا تقيم معها إسرائيل علاقات رسمية"، ومن المعروف عن كوهين محاولته تسجيل أي "إنجاز" في سيرته الذاتية، على صعيد التطبيع، إذ كشف عن اللقاء مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، قبل عدة أسابيع، مما أدى إلى موجة من الاحتجاجات في ليبيا وانتقادات أمريكية لهذا الكشف، وذلك في محاولة منه لكسب النقاط سياسيًا. وتوقع كوهين في وقت سابق توصل إلى اتفاق مع السعودية مطلع العام القادم.

تكامل نتنياهو وبايدن

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست": "يمكن اعتبار اجتماع نتنياهو الذي استمر ساعة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في نيويورك، والذي ركز الجزء الأكبر منه على الصفقة السعودية، بمثابة خطوة في تلك المفاوضات".

وأضافت: "لا تشبه هذه الصفقة أي صفقة أخرى شاركت فيها إسرائيل. فقد ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل على تطبيع ست اتفاقيات إقليمية قائمة: مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان. ومن غير المرجح أن تلك الصفقات الست كانت لتؤتي ثمارها دون دعم الولايات المتحدة".

ووفق الصحيفة الإسرائيلية: "من بين العوامل التي تدفع بايدن نحو الرياض الحاجة إلى إبقاء أسعار النفط منخفضة وتقييد نفوذ الصين في الشرق الأوسط".

اقرأ/ي: عودة إلى مسألة التطبيع

ويسعى بايدن، للتوجه نحو الاتفاق، من أجل زيادة دعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، رغم حديث تقديرات عدة عن أن هذه الخطوة لن تكون مفيدةً بشكلٍ كبير.

ويسعى نتنياهو من خلال التطبيع مع السعودية إلى التخفيف من حدة الانتقادات الداخلية مع خطة التعديلات القضائية. كما تعول الإدارة الأمريكية على نتنياهو من أجل الحصول على موافقة الحزب الجمهوري لدعم ما يلزم اتفاقية التطبيع مع السعودية.

وترى الإدارة الأمريكية، الاتفاقية فرصة أمام نتنياهو من أجل ضم يائير لبيد أو بيني غانتس إلى الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، الذي قد يجمد خطة التعديلات القضائية.

getty

نتنياهو يتمسك في الائتلاف

وأجرى نتنياهو مقابلات مع وسائل إعلام أمريكية مساء الجمعة، تناول فيها موضوع أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه والموافقة على تنازلات للفلسطينيين لتطبيع العلاقات مع السعودية.

وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، قال نتنياهو إن شركائه في الائتلاف سيقبلون قراره بشأن هذه القضية، رغم رفض أعضاء اليمين المتطرف التنازل للفلسطينيين كجزء من صفقة التطبيع.

وقال نتنياهو: "إنهم يتحدثون ويتحدثون، هذا ما يفعله السياسيون"، مؤكدًا أنه في لحظة الحقيقة، فإن السؤال الحاسم هو ما إذا كان هو نفسه سيقبل الاتفاق. وأضاف نتنياهو "لا أعتقد أن الناس يفهمون كيف يعمل نظامنا. لقد انضم إلي شركائي في الائتلاف، وأنا لم أنضم إليهم".

وردت عليه مراسلة سي إن إن كايتلان كولينز، بالقول: "أنت تسمع ما قاله وزير ماليتك في الأيام الأخيرة، لقد قال في وقت سابق إن الفلسطينيين لا وجود لهم كشعب. أعتقد أن الناس يجدون صعوبة في تصديق أنه يمكنك ذلك".

وفي مقابلة أخرى مع شبكة فوكس نيوز، قال نتنياهو إن "الفرصة السانحة" للتوصل إلى اتفاق مع السعوديين، مضيفًا: "إذا لم نحقق ذلك في الأشهر القليلة المقبلة، فقد نؤخره لعدة سنوات".

وفي مقابلته مع شبكة فوكس نيوز، قال نتنياهو إنه "مسرور" لسماع التقييم المتفائل لمحمد بن سلمان للتطبيع مع إسرائيل، الذي وصفه بأنه "أقرب من أي وقت مضى".

وقال نتنياهو إنه لا يريد "التقليل من العقبات". لكنه شدد على أنه وبايدن وبن سلمان "يريدون بشدة التوصل إلى نتيجة"، مضيفًا: "أعتقد أن هذا يزيد حقًا من احتمال نجاحنا".

النووي كثمن

إلى جانب إشكاليات نتنياهو مع الائتلاف المتطرف، الذي يركز على القضية الفلسطينية، فإن النقاشات تدور في إسرائيل، بشكلٍ كبير حول مطلب السعودية الحصول على مفاعل نووي، مقابل التطبيع مع دولة الاحتلال.

وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن إسرائيل تعمل مع إدارة بايدن على اقتراح، ينتج عنه إنشاء عملية تخصيب يورانيوم تديرها الولايات المتحدة في السعودية كجزء من صفقة التطبيع.

وقال المسؤولون إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجه كبار المتخصصين الإسرائيليين في المجال النووي والأمني ​​بالتعاون مع المفاوضين الأمريكيين في محاولتهم التوصل إلى حل وسط قد يسمح للسعودية بأن تصبح ثاني دولة في الشرق الأوسط، بعد إيران، تقوم بتخصيب اليورانيوم علنًا.

getty

ويُنظر إلى هذا الموقف باعتباره تحولًا عن التوجه الإسرائيلي، الذي كان يعمل ضد انتشار السلاح النووي في المنطقة.

وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "إن الدعم الإسرائيلي للتخصيب السعودي سيمثل تحولًا جذريًا في السياسة بالنسبة لدولة عارضت الانتشار النووي في الشرق الأوسط منذ بدايتها، وبالنسبة لرئيس الوزراء الذي كرس حياته المهنية لمعارضة النووي الإيراني".

ويرفض قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الذين شغلوا مناصب سابقة، التوجه إلى خطوة منح السعودية مفاعلًا نوويًا، وكذا زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لبيد، الذي قال للقناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي: "لا تستطيع إسرائيل أن توافق على تخصيب اليورانيوم في السعودية، لأنه يعرض أمنها القومي للخطر. سيضر ذلك في الحملة ضد إيران. ومن شأنه أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي".

بايدن لم يتخذ القرار

وبحسب صحيفة "هآرتس": "لم يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارًا بعد بشأن مسألة ما إذا كان سيسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم في أراضيها، كجزء من صفقة أمريكية سعودية إسرائيلية للتطبيع".

ووفق مصدر أمريكي وإسرائيلي: "يستكشف بايدن وفريقه عددًا من البدائل بشأن القضية النووية، ومن المتوقع أن يدعموا برنامجًا نوويًا مدنيًا في المملكة العربية السعودية. لكن قضية التخصيب تتطلب حلاً منفصلاً لم يتم تحديده بعد".

أحد الاحتمالات التي تدرسها الإدارة، كما ذكرت صحيفة "هآرتس" الشهر الماضي، هو بناء منشأة للتخصيب في المملكة العربية السعودية والتي سيتم تصنيفها على أنها منشأة أمريكية بالكامل ويمكن السيطرة عليها عن بعد، فيما تشكك تقديرات الخبراء في إمكانية السيطرة تمامًا على المفاعل.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع أن الإدارة الأمريكية تحاول الترويج لاتفاقية دفاع مع المملكة العربية السعودية مماثلة لتلك التي أبرمتها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية. كما أن فكرة تزويد المملكة العربية السعودية باتفاقية دفاعية مماثلة لتلك التي أبرمتها مع كوريا الجنوبية قد أثيرت في الماضي من قبل الجانب الإسرائيلي. وفي الشهر الماضي، نشر وزير الخارجية إيلي كوهين مقال رأي في صحيفة وول ستريت جورنال دعا فيه إلى تبني "النموذج الكوري للسلام في الشرق الأوسط".

getty

وفي الشهر الماضي، قال وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وهو أحد الأشخاص الأقرب إلى نتنياهو، إنه إذا لم توافق الولايات المتحدة على المطالب النووية للمملكة العربية السعودية، فإن المملكة ستحصل على رغبتها من خلال دولة أخرى. وقد تم تفسير هذا التصريح في واشنطن على أنه محاولة من نتنياهو وديرمر لممارسة الضغط على البيت الأبيض للاستجابة للطلب السعودي.

كسر عقيدة بيغن

وفي سبيل إنقاذ سيرته السياسية، قد يكسر نتنياهو عقيدة بيغن، أول رئيس وزراء يميني لإسرائيل، والتي تقضي بعدم السماح لدول المنطقة بتطوير قدرات نووية عسكرية.

وانطلق بيغن، في هذا المبدأ مطلع ثمانينات القرن الماضي، ضد العراق، إذ تم تدمير بدايات المفاعل النووي، وهو ما تكرر في سوريا عام 2007، على يد حكومة إيهود أولمرت.

وصاغ بيغن العقيدة في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، وتحديدًا عام 1981 عندما تم ضرب المفاعل النووي العراقي، وعقيدة بيغن، هي مبدأ إسرائيلي غير رسمي أو مكتوب، ويعبر عن فحواه من خلال الخطابات والتصرفات الإسرائيلية.

صاغ بيغن العقيدة في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، وتحديدًا عام 1981 عندما تم ضرب المفاعل النووي العراقي

واعترف بيغن في حينه، بضرب المفاعل النووي العراقي، في خطاب درامي، مشيرًا إلى أن ما فعله "سيلهم" كل حكومة إسرائيلية في المستقبل.

وتشير تقديرات وتحليلات إسرائيلية، إلى أن عقيدة بيغن، فشلت أمام المشروع النووي الإيراني، ورغم تنفيذ إسرائيل عشرات العمليات العسكرية المحدودة ضد المشروع النووي، إلّا أنّها لم تتمكن من إيقاف المشروع بشكلٍ نهائي حتى الآن.