19-يونيو-2024
يسعى نتنياهو لحسم الصراع مع الفلسطينيين ليس في غزة فقط بل بالضفة الغربية كذلك (AFP)

في خطوة متوقّعة بعد انسحاب بني غانتس وغادي آيزنكوت منه، حلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مجلس الحرب، الذي أوكلت إليه مهمة اتخاذ القرارات المتعلقة بالعدوان على غزة.

شُكل مجلس الحرب في أعقاب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكان الغرض منه في الأساس تدعيم الحكومة بشخصيات سياسية من خارجها لتوسيع الجبهة المشاركة في العدوان، كذلك لتقديم صورة للعالم أنّ الحرب يقودها غالبية الطيف السياسي في إسرائيل وليس اليمين المتطرف، بالإضافة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية المتعلقة بالحرب وإدارة العمليات اليومية لجيش الاحتلال في غزة.

واجه المجلس منذ بدايته خلافات في وجهات النظر، ولم يكن خافيًا أنّ الانقسام داخله وصل مؤخرًا لدرجات غير مسبوقة خاصة، وصل إلى حد التراشق بالكلام، والتي كانت عناوينها الرئيسة قضية المحتجزين بغزة، وقضايا تفصيلية متعلقة باتخاذ القرارات وعقد الاجتماعات والتعينات العسكرية.

منذ بداية الحرب على غزة، وضع نتنياهو خطوطًا وأهدافًا لها هو ماضيّ فيها، تتمثل في إعادة المحتجزين في غزة، وهو العنوان العريض لها، و"القضاء" على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، من دون تحديد إطار زمني لذلك

في المقابل، فإن حل مجلس الحرب لم يكن يعني بأي شكل من الأشكال نهاية الحرب أو التمهيد لإنهائها، بل على العكس عنى  الانقسام والخلافات التي تتعلق بطريقة إدارة الحرب، وهذا مربط الفرس.

لذا بعد حل المجلس سارع نتنياهو إلى تشكيل مجلس جديد أطلق عليه "المطبخ الصغير"، الذي ضم وزير الأمن يوآف غالانت، الذي هو على خلاف مع نتنياهو، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية، المقرب من نتنياهو، رون ديمر، وزعيم حزب شاس الوزير إيلي أدرعي الذي يثق فيه نتنياهو، بالإضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية، ويتضح أنّ نتنياهو يريد أن يعزز نفوذه، حيث تتخذ القرارات في اجتماعات مغلقة من قبل الدائرة الضيقة من حلفائه المقربين ما يعطيه غطاء لاستمرار الحرب.

وضع نتنياهو، منذ بداية الحرب على غزة، خطوطًا وأهدافًا لها هو ماضٍ فيها، تتمثل في إعادة المحتجزين في غزة، وهو العنوان العريض لها، و"القضاء" على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، من دون تحديد إطار زمني لذلك.

والمتابع لمسار وتطورات الحرب على غزة يستشف أنّ العمل على تحقيق هذه الأهداف، إنّ قُدر لها ذلك لا سمح الله، فستكون على المدى الطويل، وهذا الأمر بالنسبة لنتنياهو لا يعتبر عائقًا، فالدفع لأجل إطالة أمد الحرب باعتقاده سيخلق واقعًا سياسيًا وأمنيًا جديدًا مشابهًا للوضع القائم في الضفة الغربية المحتلة، مما يمكّنه مع مرور الوقت من السيطرة الأمنية على القطاع، ويضع المقاومة الفلسطينية في حالة دفاع تمنعها من إعادة بناء نفسها من جديد.

ويتضح ذلك من تصريح نتنياهو الأخير إذ قال: "ثمن الحرب باهظ ولا خيار لنا، فإما نحن أو ممثلو محور الشر الذين يريدون تدميرنا"، ووجّه رسالة للولايات المتحدة، مضمونها قدموا لنا "الأدوات ننهي المهمة أسرع بكثير".

وبالنظر إلى المشهد كاملًا نستشف أنّ من مصلحة نتنياهو أنّ يطيل أمد الحرب، ليس فقط للهرب من الاستحقاقات المترتبة على الفشل الأمني والعسكري في 7 تشرين الثاني/ أكتوبر، أو تعطيل أي فرصة للدعوة لانتخابات مسبقة، خاصة في مرحلة تواجه شعبيته تراجعًا كبيرًا، بل الأهم في اعتقادي هو تحقيق رغبته ورغبة اليمين المتطرف (على الرغم من أنّ محللين يرون في تشكيل "المطبخ الصغير" هو محاولة لقطع الطريق أمام وزيري اليمين المتطرف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش اللذين أرادا المشاركة في مجلس الحرب منذ البداية)، في حسم الصراع مع الفلسطينيين، ليس في غزة وحدها، بل في الضفة الغربية المحتلة كذلك.

مخطئ من يتجاهل تصريحات قادة اليمين المتطرف  التي تذهب في هذا الاتجاه، أو لا يأخذها على محمل الجد، ومن بينها تصريحات الوزيرين بن غفير وسموتريتش، ، خاصة في ما يتعلق بتهجير الفلسطينيين والاستيطان في الضفة الغربية، وحتى في قطاع غزة.

وقد جدد بن غفير، أمس، دعوته المتكررة لتشجيع الاستيطان في قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، مطالبًا الفلسطينيين بـ"الهجرة الطوعية"، قائلًا: "ملتزمون بالعودة إلى غزة، وبالعودة إلى شمال السامرة (الضفة الغربية)، ملتزمون بالاستقرار هناك.. ملتزمون بالاستيطان هناك".

وأضاف عبر منشور في حسابه على منصة "إكس": "لا يقتصر الأمر على غوش قطيف (مستوطنة أخلتها إسرائيل من غزة عام 2005) فحسب، بل يشمل كل أنحاء غزة".

ويتقاطع هذا التصريح مع تقدير موقف لرئيس قسم إسرائيل في الشرق الأوسط في معهد "فان لير" بالقدس، إساف ديفيد، الذي يقول فيه: "حكومة نتنياهو وظفت الحرب بمختلف مراحلها القتالية تحت مسميات مختلفة من أجل متانة الائتلاف وخدمة مشروع اليمين المتطرف".

ونبه ديفيد إلى أنّ "اليمين المتطرف الذي يهيمن على المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، لا يفهم إلا القوة، ولا يعرف كيف يتحدث مع خصومه وأعدائه، سواء اليهود أو الفلسطينيين إلا بالقوة، وقد حوّل إسرائيل تدريجيًا إلى دولة مجنونة، دون أدنى تفكير باليوم التالي للحرب، وكل أمله بقاء 200 ألف فلسطيني في غزة عوضًا عن 2.2 مليون".

بالمقابل فإن الطرف الفلسطيني، بفصائله وقواه السياسية، وبمقاومته التي تمتلك ورقة المحتجزين في غزة وتًحدد سقفًا لا يمكنها التنازل عنه في المفاوضات، والمتمثل في وقف الحرب بالدرجة الأولى والانسحاب من القطاع وعودة المهجرين إلى الشمال، يستند في إدارة هذه المعركة بهذا الشكل اللافت بسبب الصمود الأسطوري والإثخان في العدو واستنزافه، رغم التضحيات الكبيرة والثمن الباهظ الذي دفع.

يستلزم الضغط لأجل إنهاء الحرب، وهي نقطة التناقض الرئيسية مع هدف نتنياهو واليمين المتطرف، موقفًا فلسطينيًا جامعًا. الحرب لا تتعلق بغزة، وإن كانت هي ساحتها، بل إن كل فلسطين معنية بها، لذلك لنا أن نتساءل: هل من تحرك فلسطيني واسع لتشكيل رؤية مشتركة لمواجهة هذا التحدي؟ لأننا لا نشهد نقاشًا سياسيًا فلسطينيًا جادًا يراكم كل هذه التطورات التي تجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصةً أنّ لا أفق قريب يدل على نهاية الحرب.