للمرة الثالثة على التوالي تنجح إيران في بلوغ نهائيات كأس العالم، بمنتخب قوي اعتاد فرض كلمته على نظرائه في القارة الآسيوية، بتطورٍ مستمر جعله الأفضل بعدد مرات التأهل للعرس المونديالي (6 مرات) بعد منتخب كوريا الجنوبية (7 مرات).
الكرة الإيرانية ورغم الظروف السياسية المحيطة بطهران خلال العقدين الأخيرين، استطاعت عزل نفسها عن أي تأثيرات خارجية وصنعت منتخبًا دوليًا يُعد حاليا الأقوى آسيويا، حسب تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، إذ جاء في المركز 20 عالميًا والـ 18 من بين المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم (تصنيف تشرين الأوّل/أكتوبر 2022).
وكانت إيران أول المتأهلين إلى مونديال قطر 2022 عن القارة الصفراء، حيث ضمنت مقعدها في النهائيات قبل ثلاث جولات من نهاية التصفيات الآسيوية ثم تبعتها كوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية، واليابان.
الطريق إلى السادسة
يعتمد نظام التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم على مرحلتين، يتم في الأولى (التصفيات الأولية) تقسيم المنتخبات الـ 40 إلى ثمان مجموعات تضم كل واحدة منها خمس منتخبات، يتأهل الأول من كل مجموعة رفقة أفضل أربعة منتخبات احتلت المركز الثاني إلى التصفيات النهائية، حيث يوزع المتأهلين الـ 12 إلى مجموعتين.
ويمنح صاحبا المركزين الأول والثاني من كل مجموعة في التصفيات النهائية بطاقة العبور المباشر إلى النهائيات العالمية، ويخوض ثالث المجموعة الأولى مع ثالث المجموعة الثانية الملحق الآسيوي المؤهل للملحق العالمي مع خامس قارة أمريكا الجنوبية.
بعد تجاوزها التصفيات الأولية باحتلالها صدارة المجموعة الثالثة بـ 18، خاضت إيران التصفيات النهائية في المجموعة الأولى إلى جانب، كوريا الجنوبية، الإمارات، العراق، سوريا، ولبنان.
وخلال 10 مباريات لعبتها في التصفيات النهائية حققت إيران الفوز في 8 منها وتعادلت في واحدة وخسرت أخرى، وسجلت 15 هدفا واستقبلت 4 في شباكها، لتحصد في النهاية 25 نقطة احتلت بها صدارة المجموعة بفارق نقطتين عن كوريا الجنوبية التي رافقتها إلى قطر.
عقدة دور المجموعات
أول مشاركة لمنتخب إيران في نهائيات كأس العالم كانت عام 1978 في مونديال الأرجنتين، الخيبة كانت العنوان العريض لتلك المشاركة التي تلقت بها إيران خسارتين أمام هولندا (0-3)، والبيرو (1-4)، وتعادلت مع إسكتلندا (1-1)، لتودع البطولة من الدور الأول بنقطة واحدة.
وبعد 20 عامًا عادت إيران للتواجد في مونديال فرنسا 1998، بمنتخب ضم مجموعة مميزة من اللاعبين أمثال: علي دائي، وكريم باقري، ومهدي مهدافيكيا، والحارس أحمد رضا عبد زاده. فأوقعت القرعة المنتخب الإيراني في المجموعة السادسة إلى جانب منتخبات ألمانيا، ويوغسلافيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
في أول مباراة لها خسرت إيران أمام ألمانيا بهدفين دون مقابل، لتواجه بعدها الولايات المتحدة الأمريكية في مباراة وصفها ألان روتنبرج رئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم في تلك الفترة بـ "أم المباريات". منتخب إيران انتصر على الولايات المتحدة بهدفين لواحد وسجل أول فوز له في كأس العالم، وحقق انتصارًا سياسيًا يعتبره الإيرانيون حتى اليوم أعظم إنجاز كروي لبلادهم في التاريخ.
مسيرة إيران في مونديال فرنسا توقفت عند دور المجموعات، إذ خسر المنتخب المباراة الثالثة أمام يوغسلافيا بهدفٍ نظيف وودعت البطولة بعد أن احتلت المركز الثالث بـ 3 نقاط، وفي بطولتي 2006 بألمانيا و2014 بالبرازيل لقي المنتخب الإيراني المصير نفسه، عندما خرج في كل مرة بنقطة وحيدة من دور المجموعات.
أما في نسخة 2018 على الأراضي الروسية، حظيت إيران بسمعة كروية طيبة بعد أداء مشرف قدمه منتخبها، في مجموعة كانت تضم إسبانيا حاملة اللقب في 2010 والبرتغال القوية بقيادة كريستيانو رونالدو، إضافة إلى المغرب التي كانت تمتلك جيلا متميزا.
حينها أنجز المنتخب الإيراني المهمة في المباراة الأولى وتغلب على نظيره المغربي بهدفٍ نظيف، لكنه خسر في الثانية أمام إسبانيا بهدف مقابل لا شيء، ثم تعادل في الثالثة والأخيرة مع البرتغال بهدف لمثله. وفي نهاية المطاف، اكتفت إيران بالمركز الثالث بفارق نقطة واحدة عن كل من إسبانيا والبرتغال وخرجت من المنافسات العالمية وسط إشادة كبيرة بالمستوى الفني الذي قدمه المنتخب بقيادة المدرب كارلوس كيروش.
حلم الوصول لدور الـ 16 في 2022
منتخب إيران يبحث في مشاركته القادمة عن العبور إلى دور الـ 16، وتحقيق إنجاز فشل في تحقيقه في النسخ الخمس السابقة، وذلك في مجموعة ليست بالسهلة على الإطلاق تضم، إنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، وويلز التي بلغت المونديال من بوابة الملحق.
يخوض منتخب إيران النهائيات بتشكيلة مميزة من اللاعبين المحليين والمحترفين، على رأسهم مهدي طارمي مهاجم بورتو البرتغالي، وسيردار أزمون المنتقل حديثا إلى نادي باير ليفركوزن الألماني بعد مواسم رائعة أمضاها مع زينت سان بطرسبورغ الروسي.
يتميز المنتخب الإيراني بالانسجام والقدرة على اللعب بضغط هجومي عالٍ لوقت طويل نظرا للقوة البدنية التي يتمتع بها اللاعبين، الأمر الذي يجعله يُجبر الخصم على التراجع واستقبال اللعب الذي قد يخلف أخطاء قريبة من المرمى، وهنا تكمن أبرز نقاط قوة الإيرانيون البارعون في استغلال الكرات الثابتة، علمًا أن المنتخب الإيراني استغنى عن خدمات مدرّبه الكرواتي، واستعان مجدّدًا بالبرتغالي كارلوس كيروش ليقوده في مونديال 2022، بعد تجربة مميزة في 2018.
وتواجه إيران في مباراتها الأولى في مونديال قطر 2022 خصمتها إنجلترا والأمل كله بالخروج ولو بنقطة واحدة، قبل ملاقاة ويلز في الجولة الثانية، واللعب مرة أخرى أمام الولايات المتحدة في تكرار لصدام مثير مرت عليه 24 سنة.
ومن المنتظر أن تكون المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية حاسمة، حيث سيعمل الإيرانيون التغلب على منافسهم للمرة الثانية في نهائيات كأس العالم وربما الاحتفال بأول تأهل لهم في التاريخ إلى دور الـ 16.