عرفت الأيام القليلة الماضية حشدًا عسكريًا كبيرًا في منطقة الشمال الغربي في سوريا، كادت معه الأمور تنزلق إلى مواجهات عسكرية جديدة بين "سلطة الأمر الواقع في إدلب والمناطق المجاورة لها ممثلة في هيئة تحرير الشام"، وقوات النظام والمليشيات الداعمة له. لن هناك تدخلات، أخذ طابعًا عسكريا من طرف روسيا التي كثفت من عمليات القصف، حالت دون المواجهة التي تريد من خلالها "المعارضة" تغيير خرائط السيطرة في المنطقة، مستفيدةً من انشغال "حزب الله" في لبنان، وانشغال إيران بالرد على إسرائيل.
يمثل هذا السياق الإطار الذي استؤنفت فيه محادثات "أستانة 22" في العاصمة الكازاخستانية يوم أمس الإثنين، بمشاركة وفديْ النظام والمعارضة والدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، بالإضافة إلى مندوبين من الأمم المتحدة ومراقبين من الأردن ولبنان والعراق.
وتستمر المحادثات ليومين، على أمل أن تُختتم اليوم الثلاثاء بإحراز تقدم في الملفات المطروحة على الطاولة، أبرزها حسب بيان للخارجية الكزخية "الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل في سوريا، وتدابير الثقة بين الأطراف وملف المفقودين، إضافةً إلى الوضع الإنساني وملف إعادة الإعمار وعودة اللاجئين السوريين".
كما ستكون على طاولة اللقاءات والاجتماعات الثنائية وتلك الثلاثية للتفاوض، ملفات حساسة بالنسبة لأطراف الصراع، من قبيل "ملف المعابر الداخلية والطرق"، ويحظى هذا الملف بأهمية اقتصادية بعد إغلاق أكثر الطرق التي تسيطر عليها المعارضة والنظام، مثل طريق "إم 4" و"طريق حلب ـ عينتاب".
لا يتوقع المراقبون حدوث أي اختراق، لا سيما في ملف المعتقلين لدى النظام وبقية عناصر الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة والمتوقف منذ سنتين
كما تحدثت مصادر من العاصمة الكزخية عن أن "التطبيع التركي السوري" سيكون على طاولة المفاوضات، وتضع موسكو نُصب عينيها تحقيق إنجاز في هذا الصدد.
وفي حين يرى معظم المتابعين للملف السوري أن الاجتماع الجديد مجرد "استمرار متكرر لمسار أثبت فشله"، يرى آخرون أن مستوى المشاركة في الاجتماع الحالي والمتغيرات السياسية الدولية الجديدة، وعلى رأسها وصول إدارة أميركية جمهورية برئاسة ترامب إلى البيت الأبيض، من شأنها أن تضغط على النظام لتقديم تنازلات.
كما أن التوقعات بأن يتخذ ترامب قرارًا بسحب القوات الأميركية من سوريا (شمال شرقي البلاد) على غرار ما فعله في ولايته الرئاسية الأولى، من شأنه أن يزيد من أعباء الدول الضامنة التي سيكون عليها في هذه الحالة ملء الفراغ الأميركي، وهو أمر ليس سهلًا في ظل سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تعد عدو تركيا اللدود في سوريا، على المنطقة.
يشار إلى أن وفد النظام المشارك في مباحثات أستانة المستمرة ليومين (الإثنين والثلاثاء) يترأسه أيمن رعد. وفي المقابل يقود وفد المعارضة السورية أحمد طعمة، ويقود الوفد الأممي المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسون.
أما بالنسبة لوفود الدول الضامنة، فيترأس الوفد التركي السفير إحسان مصطفى يورداكول مدير عام العلاقات الثنائية السورية في وزارة الخارجية التركية، ويترأس الوفد الروسي الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، في حين يترأس الوفد الإيراني علي أصغر حاجي، مستشار وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية.
يذكر أن مباحثات أستانة 21 في جولتها قبل الحالية مطلع العام الجاري، لم تحقق تقدمًا ملموسًا، حيث اقتصر البيان الختامي الصادر 15 كانون الثاني/يناير على تأكيد "العودة الآمنة للاجئين السوريين تحت إشراف الأمم المتحدة، والتشديد على أهمية خفض التصعيد في إدلب، والوقوف في وجه المخططات الانفصالية في سوريا، وزيادة المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا".
ومن المتوقع أن يبقى سقف أستانة 22 عند ذات المستوى، فالتصعيد الذي كان محتملًا تم احتواؤه، حيث نقلت مصادر أن "هيئة تحرير الشام" وعدت الضامن التركي "بسحب بعض تعزيزاتها العسكرية على خطوط الجبهات". وبالتالي، سيقدم الضامنون المحافظة على خفض التصعيد "كإنجاز" صالح للبناء عليه.
وبخلاف هذه النقطة، لا يتوقع المراقبون حدوث أي اختراق، لا سيما في ملف المعتقلين لدى النظام وبقية عناصر الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة والمتوقف منذ سنتين. وعليه لن تكون "أستانة 22" مختلفةً عن سابقاتها.
ويعد النظام السوري، حسب محللين سياسيين، الرابح الأكبر من مسار أستانة. وفي هذا الصدد، يرى الباحث التركي هشام جوناي، في حديث لصحيفة "العربي الجديد"، أن "تشكيل مناطق خفض التصعيد في عموم سوريا كان لخنق فصائل المعارضة، ومن ثم تسليم هذه المناطق الواحدة تلو الأخرى للنظام، حيث لم يبق إلا منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا".
وأضاف جوناي أنه لا يعتقد أن الجولة الحالية من مسار أستانة "ستتمخض عن نتائج لصالح المعارضة السورية، خصوصًا أن الحكومة التركية تريد التقارب مع نظام بشار الأسد". ويذهب الباحث التركي إلى أبعد من ذلك بقوله: "هذه الجولة ستكون فرصةً لمناقشة هذا التقارب وتقييم ما جرى، والضغط على الأسد، لإعادة النظر في شروطه للجلوس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، معتبرًا أن "هذا الأمر سيكون محل نقاش في أستانة 22 أكثر من أي شيء آخر".