كأي فتاة يدركها سن البلوغ بدأت أعاني من مشاكل البشرة. يبدو اﻷمر غريبًا، أغضب لأي سبب ولا أنتبه إلى غضبي إلا بعد أيام، في كل مرة أفاجأ ببثرة ضخمة تنبت على وجهي، لا لتقول شيئًا أكثر من: أيام دورتك الشهرية سيرن جرسها بعد أيام، فاحذري. تلك الأيام التي تسميها جدتي طريق الشهر، وهي الحريصة على معرفة أيام دورات حفيداتها؛ لا لشيء، فقط لتطمئن أن لا واحدة منا "حبلى"، وأن شرف العائلة مصان، من قبلنا نحن الفتيات اللواتي لا يفهمن ولا يفقهن شيئًا من الحياة، علينا أن نفرح ما أن نخطو في طريق الشهر، وأن ننسى آلامنا وأوجاعنا ونبتسم لبثورنا الضخمة التي تشير إلى شرف العائلة.
جلدي حساس جدًا يقول الطبيب، لكنني لا أوفقه الرأي، أنا أعرف جلدي جيدًا خبرته طوال هذه السنين، قد يبدو حساسًا للغاية لكن قدرته على التجدد تبقى معجزة رائعة، بالنسبة لي على الأقل، نجا جلدي من حروق درجة ثالثة واستعاد نفسه بخشونة خفيفة أحب ملمسها.
وبدا أن بعض البثور ستبتلعه تمامًا، تعفنت وتقيأت مادة صفراء ثم اختفت كأنها لم تكن.
كل مرة أذهب فيها إلى صالون الحلاقة أنبّه المرأة التي تقوم بإزالة الشعر الزائد: من فضلك جلدي حساس.
معظم المرات أعود إلى البيت بجلد محترق، وأتقبل ذلك بصدر رحب وبشيء من الحزن.
ذات مرة أجهشت باكية بكاء هستيريًا، كنت أكرر على مسمعها: أنت تؤلمينني، وهي تنفي ذلك بمزاح ثقيل وبمزيج من المظلومية والخوف، أحسست بالذنب واﻷسف والسخط، نحن نمدح أنفسنا لو ثارت على متسلط معتد، إنما كيف نصد أذى اﻷضعف، وبيننا وبينه يقف التعاطف والإشفاق؟
ذهني يجمع بشكل عجيب بين اللواتي يزلن الشعر الزائد والرجال الذين أحبهم، كل مرة أنبّه: من فضلك قلبي حساس جدًا، وقابل للاحتراق.
وفي كل مرة أعود بحريق.
لماذا لا يسمعنا الناس حين نقول: هذا مؤذ؟
أرجوك توقف.
حين أذهب إلى صالون الحلاقة وتبدأ المرأة بغسل شعري، يحرّقني الماء الغالي. أنبّه أن الماء حار، ويتم تجاهل تنبيهي، أو تأتيني الإجابة: الماء ليس حارًا وأنت تبالغين.
لا أعرف كيف أجيب: "هذا الماء ساخن جدًا، هل يمكن أن تجعليه أبرد قليلًا؟ قد تكون حرارته مناسبة لك لكن رأسي الآن هو الذي يحترق".
يتوجب عليّ دائمًا أن اكون حازمة لتأكيد معلومة بسيطة، أقصد الكثير من الحزم، الكثير من الضغط، من المسافات من التكتيكات، من الحسابات، لأجل توضيح تفاصيل كان من الأجدر ألا يتوقف عندها أحد.
أكره أن أكون حازمة، أن أكون ساخطة، أكره الماء الساخن الحارق في صالونات الحلاقة، أكره أن أجلس بجانب شخص ويعتدي بطريقة جلوسه المريحة على مساحتي، دائمًا أشعر أنه يتوجب عليّ أن أتجهز لأكون وحشًا يدافع عن مشاعره وأحاسيسه، ليس خوفًا من جرحها فحسب، بل تجنبًا للألم أيضًا. أكره أن يضع أحد يده على جسدي دون إذن، حتى لو أنني أسير عارية.
أكره أن أشارك حديثًا حول فنجان قهوة، وأفاجأ أن كثيرين يشاركون الحديث دون أن يتشاركوا القهوة معنا. أكره أن يقول لي أحدهم أو إحداهن لماذا لا تنجبين طفلًا بدلًا من التسكع العاطفي الذي تدمنيه؟
توقفي عن البكاء
توقفي عن الحزن
كوني قوية. كم أكره هذه العبارات.
أكره آلام بطني وحرقة البول، مشاعري التي يوصيني الجميع بإلغائها، ويريد الطبيب أن يفجرها.
أكره أن يتحدث شخص عن شريكه أو حبيبه أو حتى عدوه بالسوء أمامي. يشعرني ذلك بالحريق، الألم، الوجع.
أكره أن يشعر الناس بالحزن حين ينفطر قلب لموت أو فقد أو هجر أو غربة أو سجن، ثم لا يبكون ولا يعانقون بعضهم بعضًا.
يعتصرني اﻷلم إن رأيت حبيبين يفترقان دون عناق وبكاء وشكر.
أكره أن تتحول المشاعر إلى نكتة بالغة السهولة.
أكره أن أقول هذا محرق.
محرق جدًا.
ويتواصل فعل الحرق بلا اعتذار أو تراجع عنه.
أكره كل ذلك
وأكثر،
وأكثر،
مع ذلك أسكت كثيرًا، بالرغم من ضوضائي الصاخبة.
أسكت في سبيل تحرير التعاطف والشفقة والكسل من الصراعات غير المجدية. وسكوتي يتحول بثورًا يمتصها قلبي وتطفو على جلدي، لكنها في لحظة ما تختفي، كأنها لم تكن.