تشارك الأرجنتين في مونديال قطر 2022 بآمال كبيرة، لتعويض الإقصاء أمام فرنسا في ثمن النهائي بروسيا 2018، ووضع حد لـ 36 عامًا من الغياب عن منصات التتويج بالكأس الذهبية العالمية.
يتواجد المنتخب الأرجنتيني بالعاصمة القطرية الدوحة بتشكيلة من النجوم الكبار في العالم الساحرة المستديرة يأتي في مقدمتهم ليونيل ميسي لاعب باريس سان جيرمان، وصاحب الـ 7 كرات ذهبية، الباحث عن مجد عالمي لم يتحقق بعد.
تأهّل العادة
دخلت الأرجنتين التصفيات بمنتخب ضخ به المدرب ليونيل سكالوني دماءً جديدة، استطاعت لاحقًا إلى جانب بعض عناصر الخبرة أن تنال لقب كوبا أمريكا صيف عام 2021 في ملعب "ماراكانا" الشهير، على حساب الغريمة وصاحبة الأرض البرازيل. العودة إلى منصات التتويج القاري بعد غياب 28 عامًا أعطى المنتخب الأرجنتيني دافعًا كبيرًا للظفر بكأس العالم وخوض التصفيات بعزيمة كبيرة كخطوة أولى نحو تحقيق هذا الحلم.
في طريقها إلى قطر لم تجد الأرجنتين صعوبات كبيرة في إنجاز المهمة، حيث خاضت في التصفيات 17 مباراة، فازت في 11 وتعادلت في 6 دون أن تتلقى أي هزيمة، وسجلت 27 هدفا وتلقت شباكها 8 فقط، وفي نهاية التصفيات جمعت الأرجنتين 39 نقطة وضعتها في المركز الثاني خلف البرازيل المتصدرة بـ 45، لتكون حاضرة بجدارة في نهائيات كأس العالم للمرة 18 في تاريخها.
تاريخٌ كبير
شارك المنتخب الأرجنتيني في بطولة كأس العالم 17 مرة بينما غاب في 4 مناسبات فقط أعوام، 1938، 1950، 1954، و1970. وباستثناء نسخ 1934، 1958، 1962، و2002 التي خرج بها منتخب الأرجنتين من الدور الأول، فإن باقي المشاركات عرفت تسجيل نتائج كبيرة وحضور كبير تكلل بالفوز بكأس العالم مرتين. كما احتل منتخب "التانغو" المركز الثاني ثلاث مرات، الأمر الذي جعل الكرة الأرجنتينية واحدة من الأنجح في العالم.
الأرجنتين كانت حاضرة في أول نسخة مونديالية عام 1930 وخسرت النهائي الأول لها أمام المستضيفة الأوروغواي بأربعة أهداف لاثنين، ثم ودعت مونديال 1934 في إيطاليا من الدور الأوّل بعد الخسارة أمام السويد بثلاثة أهداف لاثنين. وفي مونديال 1966 وصلت الأرجنتين إلى الدور ربع نهائي لكن مشوارها توقف أمام إنجلترا صاحبة الضيافة، والتي انتصرت بهدفٍ دون رد، وواصلت طريقها لتتمكن المضيفة في النهاية من التتويج باللقب.
وظهرت الأرجنتين في مونديال ألمانيا الغربية 1974 بأداء غير مقنع، وودعت البطولة من الدور الثاني بعد هزيمة قاسية من هولندا (0-4) ومن البرازيل (1-2) وتعادل أمام ألمانيا الشرقية (1-1).
اللقب الأول للأرجنتين تحقق عندما استضافت النهائيات على أراضيها عام 1978، في بطولة أثارت بعض الجدل حينها، إذ واجه منتخبها خطر الخروج من الدور الثاني في حال لم يتمكن المنتخب من الفوز على نظيره البيروفي بنتيجة لا تقل عن 4 أهداف نظيفة، وبالفعل تمكنت من تسجيل 6 أهداف في شباك البيرو وواصلت مشوارها إلى النهائي الذي التقت فيه مع منتخب هولندا وانتصرت على بثلاثة أهداف لواحد.
وتأهلت الأرجنتين إلى مونديال 1982 بإسبانيا كحاملة للقب لكنها أخفقت في تكرار انجازها وخرجت من الدور الثاني بعد أن جمعت 3 نقاط فقط من فوز حققته على السلفادور بهدفين نظيفين، في حين انهزمت من إيطاليا البطلة في تلك النسخة (1-2) ومن البرازيل (1-3).
وعقب ثمان سنوات عادت الأرجنتين لترفع كأس العالم 1986 مرة ثانية بقيادة الأسطورة الراحل دييغو أرماندو مارادونا، الذي قدم رفقة خورخي فالدانو، وهيكتور إنريكي، وريكاردو جوستي، وغيرهم.. بطولة مميزة للغاية، حيث نجح في تحقيق الفوز على منتخبات الأوروغواي، وبلجيكا، وإنجلترا، قبل أن يفوز باللقب للمرة الثانية في تاريخه بعد التغلب على ألمانيا في المباراة النهائية بثلاثة أهداف لاثنين.
عام 1990 في مونديال إيطاليا، حلت الأرجنتين وصيفة بعد نهائي مُكرر جمعها مع ألمانيا التي ردت الدين وحصدت اللقب بفوزها بهدفٍ دون مقابل، وفي مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية، خيبت الأرجنتين الآمال وودعت البطولة من دور الـ 16 بعد الهزيمة أمام رومانيا بثلاثة أهداف لاثنين، ووصلت إلى الدور ربع النهائي في نسخ 1998، 2006، 2010.
وكان منتخب الأرجنتين في كأس العالم 2014 قريبًا جدًا من اللقب، لو لا أن ألمانيا كان لها رأي آخر في النهائي الذي جمع الطرفين على أرض "المركانا" في البرازيل، حين انتصر "المانشافت" بهدف ماريو غوتزه وتوّج بالكأس للمرة الرابعة في تاريخ، فيما حلت الأرجنتين وصيفة للبطل للمرة الثالثة ووصيفة لألمانيا بالتحديد في مناسبة ثانية.
واصطدمت الأرجنتين في نهائيات كأس العالم الأخيرة روسيا 2018 مع فرنسا في الدور ثمن النهائي، وكانت الغلبة لمنتخب "الديوك" بأربعة أهداف لثلاثة بعد مباراة مثيرة شهدت تقلبات عديدة قبل أن يحسمها الفرنسيون بهدفين مُتتاليين حملا توقيع كيليان مبابي، ليتوّج الفريق الفرنسي باللقب لاحقًا.
الفرصة الأخيرة
ينظر الكثيرون من عشاق كرة القدم حول العالم إلى أن مونديال قطر 2022، على أنّه الفرصة الأخيرة للنجم ليونيل ميسي لكي ينال اللقب العالمي، وهو الأمر الذي ستتكاثف عليه جهود جميع عناصر المنتخب الأرجنتيني من لاعبين وفنيين وإداريين.
تبدأ الأرجنتين مشوارها في النهائيات القادمة أمام السعودية ثم تلتقي المكسيك، وأخيرا تواجه بولندا في مباراة ستكون الأضواء فيها مسلطة على الثنائي ليونيل ميسي وروبرت ليفاندوفيسكي، في المجموعة الثالثة.
الأرجنتين تعيش حاليًا واحدة من أفضل فتراتها كرويًا، حيث خاضت سلسلة من 35 مباراة بدون هزيمة، منها 24 فوزًا و11 تعادلًا، وهو أمر لم يحدث سابقا في تاريخ "الألبيسيليستي". تحت قادة سكالوني نجحت الأرجنتين في كسر عقدة كوبا أمريكا ومنحت ميسي للقب الأول على مستوى المنتخب بعد 5 مشاركات متتالية خرج منها خالي الوفاض، أعوام 2007 و2011 و2015 و2016 و2019، وحققت أمام إيطاليا فوزا مُبهرا توجت بعده بكأس الأبطال.
كل ذلك يجعل من الأرجنتين مرشحة فوق العادة لدور البطولة، لم لا ومنتخبها يضم إلى جانب ميسي أسماء بقيمة دي ماريا جناح يوفنتوس، وايمليانو مارتينيز حارس مرمى أستون فيلا، ورودريغو دي باول متوسط ميدان أتلتيكو مدريد، وأليساندرو مارتينيز مدافع مانشستر يونايتد، وكريستيان روميرو المتألق مع توتنهام هوتسبير، مع شكوك حول مشاركة نجم نادي روما باولو دي بالا بسبب الإصابة.
طريقة لعب وإدارة سكالوني لمباريات المنتخب الأرجنتيني، إلى جانب تصريحات اللاعبين وتعبيرهم الحقيقي عن حبهم غير المحدود لقائدهم، تؤكد تمامًا أن هذا المونديال ستخوضه الأرجنتين لأجل ميسي، لأجل كأس ثالثة ربما سيُطلق عليها كأس ميسي بعد أن يرفعها ليونيل نفسه في الـ 18 من كانون الأول/ديسمبر المقبل، على منصة التتويج في ستاد "لوسيل".
