12-يونيو-2022
مظاهرات في الأردن

يتخوّف الأردنيون من تعمق الأزمة الاقتصادية (Getty)

شهدت أسعار المحروقات في الأردن للشهر الثالث على التوالي زيادات تراكمية في الأسعار وضعت البلاد على رأس قائمة الدول العربية الأعلى سعرا في ما يخص متوسط أسعار لتر البنزين.

عامر الشوبكي لألتراصوت: إعطاء قرار مسبق برفع الأسعار مهما بلغت أسعارها عالميا يعزز انعدام الثقة، خاصة وأن الشارع فاقد للثقة أصلا بآلية تسعير المشتقات النفطية

الزيادة التراكمية على أسعار المشتقات النفطية والتي بلغت 14% منذ مطلع هذا العام، جاءت بعد ارتفاع أسعار النفط عالميا وفي ظل الحرب الروسية على أوكرانيا وبعد قرار حكومي سابق صدر في شباط/فبراير الماضي يقضي بتثبيت قيمة الضريبة المفروضة على المحروقات لإنعاش السوق الأردنية المنهكة.

سعر تنكة البنزين (95) وصل مطلع حزيران/يونيو إلى ما يقارب 34 دولارا أمريكيا، في حين وصل سعر تنكة البنزين (90) إلى حوالي 26 دولارا، في الوقت الذي تفرض على أسعار جميع أصناف المحروقات ضريبة مقطوعة تصل قيمتها إلى ما يجاوز 53% من القيمة الأساسية لها.

يأتي ذلك في ظل تضخم أصاب الاقتصاد الأردني مؤخرا ويتوقع أن يتضاعف في السنوات الخمسة المقبلة، تاركا الأردنيين الذين بقيت دخولهم على ما هي من دون حول ولا قوة، إذ تشير التقارير إلى أن ربع دخول الأردنيين تذهب لدفع الضرائب.

الحكومة "تعد" بالمزيد

الأردنيون الذين لا زالوا تحت وقع الزيادة الأخيرة على أسعار المشتقات النفطية، والتي بدورها أثرت على أسعار معظم السلع الغذائية، فوجئوا بتصريحات لوزير الداخلية، مازن الفراية، الأسبوع الماضي، إذ كشف عن توجه لرفع أسعار المحروقات أربع مرات متتالية في الشهور القليلة المقبلة، إذ يتوقع أن يصل سعر تنكة البنزين (90) إلى حوالي 31 دولار، وسعر تنكة البنزين (95) إلى حوالي 38 دولارًا، في حين يتوقع أن تصل أسعار السولار والكاز إلى ما يزيد عن 28 دولارًا مطلع شهور الشتاء المقبلة.

الفراية علل الرفعات الموعودة بأن الحكومة خسرت 450 مليون دينار أردني، أي ما يزيد عن 630 مليون دولار أمريكي، جراء تثبيت أسعار المحروقات في الشهور الثلاثة الماضية، وأضاف أن "قدرة المواطن على تحمل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية حاليا أكثر من قدرته على تحمل عدم رفعها مستقبلا".

من جانبه، أكد وزير الطاقة والثروة المعدنية، صالح الخرابشة، على ما جاء به الفراية، وأضاف أنه "حتى وإن لم ترتفع أسعار المحروقات عالميا نحتاج إلى رفعها محليا لتتماشى مع المستويات العالمية".

في هذا السياق يقول خبير الطاقة، عامر الشوبكي، لألترا صوت إن مثل هذا التصريح يعزز انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، "فهذه سوق عالمية، وبين ليلة وضحاها قد تنقلب الأسعار انخفاضا لأي سبب كان... فإعطاء قرار مسبق برفع الأسعار مهما بلغت أسعارها عالميا يعزز انعدام الثقة، خاصة وأن الشارع فاقد للثقة أصلا بآلية تسعير المشتقات النفطية."

يذكر أن محصلة الخزينة من الضرائب على المحروقات أصبحت صفرية في الشهور الثلاثة الأخيرة بعد أن كانت تعود على الخزينة بحوالي 1.4 مليار دولار سنويا فيما يشكل ثلث الإيرادات الضريبية.

تضارب بين التصريحات الحكومية والرؤية العشرية للبلاد

الزيادات على الأسعار والتصريحات الحكومية التي تعد بالمزيد منها تأتي في الأسبوع ذاته التي أطلقت فيه رؤية التحديث الاقتصادي المنبثقة عن مخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية.

الرؤية التي انطلقت برعاية ملكية تضع على رأس أولوياتها زيادة الدخول بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على المشتقات النفطية وخفض تكاليفها، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في السنوات الثلاثة المقبلة.

التضارب بين تصريحات وزيري الداخلية والطاقة من جهة، وبنود رؤية التحديث الاقتصادي من جهة أخرى، عبر عنها وزير الإعلام السابق سميح المعايطة في منشور على موقع فيسبوك، إذ تساءل المعايطة: "ما نقرأه على لسان وزير الداخلية اننا مقبلون على اربع رفعات للمحروقات الاشهر القادمة، تحضير للناس أم هي سقطة سياسية كبيرة بعد يوم من اطلاق خطة التحديث الاقتصادي!!"

يقول الشوبكي لألترا صوت إنه في الوقت الذي تهدف الرؤية إلى تخفيض فاتورة الطاقة، يتم الاستمرار في رفع الضرائب إلى مستويات قياسية وتاريخية هي الأعلى في تاريخ الأردن بالنسبة لبعض أصناف المحروقات، ويضيف الشوبكي أن "هذا يعزز فجوة عدم الثقة بين الشارع والحكومات المتعاقبة."

احتجاجات في الشارع

فجوة انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة ظهرت جلية على شكل احتجاجات باتت تشهدها شوارع العاصمة عمان منذ الإعلان عن رفع الأسعار، وقد كان آخر هذه الاحتجاجات اليوم الجمعة في مسيرة في وسط البلد دعت إليها قوى وطنية ونقابية وحزبية ورددت شعارات طالبت الحكومة بوقف التغول على جيوب المواطنين والبحث عن بدائل للأزمات الاقتصادية.

الأسبوع الماضي شهد أيضا وقفات احتجاجية أخرى وبيانات لأحزاب وتجمعات وتحركات شعبية من أهمها حملة "صفها وطفيها" التي دعت الأردنيين إلى عدم استخدام سياراتهم أو تعبئة الوقود في أيام نهاية الأسبوع، وإلى التنقل بشكل جماعي أو باستخدام وسائل النقل العام خلال أيام الأسبوع للاحتجاج على ارتفاع أسعار المحروقات.

ورغم أن ذلك يأتي في سياق الاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود، إلا أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي ذهب في تقرير حالة البلاد الذي أصدره مؤخرا إلى أبعد من ذلك، فأوصى بضرورة  تشجيع أنماط التنقل مثل ركوب الدراجات والترويج للنقل العام والمشي لاعتمادها بوصفها أنماط حياة دائمة بهدف "تحسين الصحة البدنية والعقلية لجميع السكان".

من ناحيته يقول الشوبكي إنه لا توجد بدائل أمام المواطنين للتعامل مع الارتفاعات القياسية في أسعار المحروقات، فوسائل النقل العام ضعيفة وأسعار السيارات الكهربائية مرتفعة ولا توجد بنية تحتية مهيأة لاستخدامها، لذلك فليس أمام المواطن سوى تقليص استخدام المشتقات النفطية وتقليل تنقلاته.

الزيادة التراكمية على أسعار المشتقات النفطية في الأردن بلغت 14% منذ مطلع هذا العام

ويضيف الشوبكي: "أما ما على الحكومة، وهو الأهم، فعليها أن تعلن عن موازنة طوارئ وخطة تقشف تتضمن تقليص الهدر في نفقات الحكومة، ومنها ما ينفق على الهيئات المستقلة التي يفوق عددها 73 هيئة وتستنزف حوالي مليار و700 مليون دينار سنويا من خزينة الدولة."