بعد أكثر من 40 عامًا على الحروب التي شهدتها أفغانستان، لا تزال الألغام والقنابل غير المتفجرة تشكل خطرًا على حياة الأفغان في الحقول والمدارس والطرق في كل أنحاء البلاد.
في ولاية غزني شرق أفغانستان تجمّع أطفال حول حفرة ناتجة عن تفجير لغم أرضي. كان اللغم مضاد للدبابات مزروعًا على بعد 100 متر من قرية قاش قلعة في الولاية، ويعود إلى فترة الغزو السوفييتي (1979-1989)، وتشكل هذه الانفجارات إحدى أدوات الموت في أفغانستان والأطفال ضحاياها بشكل رئيسي، وفقًا لتقرير لوكالة "فرانس برس".
فقد قام خبراء في مجال إزالة الألغام تابعون لمنظمة "هالو تراست" Halo Trust البريطانية، المتخصصة في إزالة الألغام الأرضية والمتفجرات، بحفر الأرض من حول اللغم بحذر وفجروه.
لكن قبل عملية التفجير، التي سمع دويها على بعد ثلاث كيلومترات، أتى أحد أفراد حركة طالبان على متن دراجة نارية، وخاطب الخبراء غاضبًا: "أعطوني هذا اللغم! سأبقيه بأمان في منزلي. يمكننا استخدامه لاحقًا عندما يتم احتلال أفغانستان مرة أخرى".
وأصرّ العنصر الطالباني على مطلبه، قائلًا: إن "اللغم ليس بهذه الخطورة، لأنه لم ينفجر طوال هذه السنوات". لكن الخبراء قاموا بطرده من الموقع.
وقد بدأت عمليات إزالة الألغام في أفغانستان عام 1988، لكن مع تواصل النزاعات المسلحة والحروب استمر زرعها في كل أنحاء البلاد.
يؤكد رئيس قسم الألغام في بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، نيك بوند: أن "حكومة طالبان تدعم بشكل كامل عملية إزالة الألغام، وتريدها أن تمضي قدمًا".
لا تزال الألغام والقنابل غير المتفجرة تشكل خطرًا على حياة الأفغان في الحقول والمدارس والطرق في كل أنحاء البلاد
يشير بوند إلى أنه يكاد يكون من المستحيل حاليًا معرفة" نسبة انتشار الألغام التي يشكل الأطفال 82 % من ضحاياها إذ تتسبّب بمقتلهم أو بإصابتهم بجروح".
وبحسب تقديرات يُقتل طفل كل يومين في أفغانستان بسبب الألغام أو القنابل غير المتفجرة.
ففي نيسان/أبريل الماضي، لقي طفلان حتفهما بقرية نوكورداك الهادئة الواقعة في وادٍ ريفي.
وروت شاوو، والدة الفتى الراحل جاويد لوكالة "فرانس برس" ما حدث، بينما كان أطفالها الآخرون ملتصقين بها، قائلةً: إن ابنها البالغ من العمر 14 عامًا "قتل في حقل قرب المنزل بعدما رمى حجرًا على لغم غير منفجر، ثم رمى حجرًا ثانيًا وثالثًا. فانفجر".
قتل جاويد على الفور مع صديقه ساخي داد البالغ من العمر 14 عامًا أيضًا.
يقول محمد ذاكر، شقيق داد، وهو شاب يبلغ 18 عامًا: "لطالما أكد الناس أن هناك ذخائر في المنطقة، لكننا لم نتعرض لحادث كهذا في القرية من قبل"، وأضاف: "لم يأت أحد ليحذرنا من الخطر الذي يهدد الأطفال".
وفي قرية باتاناي، على بعد 50 كلم، نجا سيّد البالغ من العمر 13 عامًا من حادث أودى بحياة شقيقه طه البالغ من العمر 11 عامًا، نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي بينما كانا يرعيان الماشية.
وروى سيّد الذي لُفّت إحدى يديه وإحدى رجليه بضمادات "انتزعتُ الذخيرة من يديه ثلاث أو أربع مرات. كنت أصرخ، لكنه ركلني ورماها على صخرة". توفي طه أثناء نقله إلى كابول.
قال والدهما سراج أحمد، ذو اللحية الرمادية الطويلة: "شهدنا حوادث كثيرة مماثلة"، وأضاف "غدًا قد يقتل ابن شخص آخر أو يصاب بإعاقة. نحن نطلب من الحكومة إزالة الألغام".
يكشف بوند أن عدد العاملين في مجال إزالة الألغام كان يبلغ في عام 2011 أكثر من 15 آلف عامل، لكن حاليًا لا يتجاوز الرقم 3 آلاف.
وأرجع زابتو ميار من منظمة "هالو تراست" تقلص العدد بسبب "نقص التمويل"، لذلك يقوم العمال حاليًا بإزالة الألغام من قطعة أرض تلو الأخرى، بحسب نسبة التبرعات الآتية من الخارج.
وفي قرية ده قاضي، ينتظر مدير المدرسة محمد حسن، خبراء إزالة الألغام بفارغ الصبر، مؤكدًا أنه "حتى في ساحة المدرسة توجد ذخائر غير منفجرة وألغام مضادة للدبابات وللأفراد"، وأضاف: "لا يمكننا حتى زراعة شجرة، فإحضار جرار أو آلات أخرى أمر خطير جدًّا".
خلال الفصل الدراسي، يتلقى الأطفال الذين يجلسون متربعين دروسًّا وقائية. وعُلّقت على حائط صور ألغام وذخائر بكافة الأشكال والألوان.
يقول جميل حسن البالغ من العمر 12 عامًا، متباهيًا: "قبل ستة أشهر، شاهدت صاروخًا بينما كنت أتنزه مع أصدقائي، وأبلغنا أشخاصًا من كبار السن، على الفور فاتصلوا بخبراء في إزالة الألغام".
يشير بوند إلى أن "غالبية الحوادث تحدث بسبب لعب الأطفال بالألغام". لافتًا إلى أن "لغم الفراشة السوفياتي (بي اف ام-1)"، على سبيل المثال، يضم جناحين ما يجعله "جذابًا جدًا للأطفال فيلتقطونه".
وهو ما يؤكده سيّد حسن ميار من منظمة "هالو تراست"، قائلًا: إن "معظم الألغام ألوانها جميلة تجذب الأطفال".
كما يُقتل أطفال أيضًا أثناء جمعهم للمعادن. وقال ميار "بعد الحروب، ازدادت نسبة الفقر إلى حد كبير وبدأ الناس في حفر مواقع للعثور على ذخائر، وإعادة بيع معدنها"، موضحًا أن "الأخطر هي قذائف حلف شمال الأطلسي بعيار 40 ملم، التي تم نشرها في أفغانستان بين عامي 2001 و2021"، مؤكدًا أن "لها رؤوسًا صفراء يظن الأطفال أنها ذهب ويحاولون سحبها".
كما يهدد الخطر أيضًا العاملين في مجال إزالة الألغام، فقد قُتل رجلان من المنظمة المختصة في إزالتها، مطلع شهر أيار/مايو. يعترف ميار أنه "في كثير من الأحيان، قبل أن أذهب لإزالة الألغام، أجمع عائلتي وأقول لأفرادها إنني أحبهم، فربما يقع حادث ما".