يعتبر الصمغ العربي أحد الصادرات الزراعية في السودان، ففي عام 2022، صُدّر ما قيمته 183 مليون دولار، مما يجعله أحد أهم صادرات البلاد الرئيسية.
وبحسب الوكالة الفرنسية للتنمية، فإن السودان يستحوذ على 70 % من تجارته العالمية، ما يضعه في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، لكن مع اندلاع الحرب أصبح الصمغ العربي أحد مصادر تمويل طرفي الصراع.
يشير تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى التجار السودانيون في مدنية الأبيض، التي يسيطر عليها الجيش السوداني وتفرض عليها قوات الدعم السريع حصارًا منذ حزيران/يونيو 2023، يضطرون إلى دفع مبالغ مالية لمقاتلي قوات الدعم السريع من أجل السماح له بالمرور، حيث تعد المدينة واحدة من المراكز الزراعية الرئيسية في السودان، والممر الرئيسي لتصدير الصمغ العربي الذي يذهب إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر أو إلى تشاد ومصر. وتسيطر قوات الدعم السريع على ثلاثة من أصل أربعة طرق رئيسية تؤدي إلى المدينة.
أصبح الصمغ العربي، الذي يتبوأ السودان صدارة البلدان المنتجة له، أحد مصادر تمويل طرفي الصراع الدائر حاليًا في البلاد
تنقل الصحيفة الأميركية عن تاجر الصمغ في مدينة الأبيض محمد جابر قوله: إنه "في إحدى المرات دفع حوالي 330 دولارًا لمقاتلي قوات الدعم السريع من أجل السماح له بالمرور"، مضيفًا "على الجميع أن يدفعوا."
ويشير جابر إلى أنه بالإضافة إلى المدفوعات عند نقاط التفتيش الرئيسية لقوات الدعم السريع، فإن تجار الصمغ العربي يدفعون أيضًا ما بين 60 إلى 100 دولار لمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يرافقون قوافل التجار في شاحنات صغيرة.
أما التجار الذين يرفضون الدفع فهم يخاطرون بخسارة بضائعهم ومركباتهم لصالح الميليشيات.
لا يقتصر الأمر على قوات الدعم السريع التي تجني أموالًا طائلة عبر سيطرتها على معظم طرق الصادرات الزراعية الرئيسية في البلاد، يفرض الجيش السوداني الضرائب والرسوم الجمركية الأخرى على تجارة الصمغ العربي.
وفي هذا الإطار، يقول الأكاديمي السوداني، ربيع عبد العاطي، الذي أجرى أبحاثًا في صناعة الصمغ العربي، للصحيفة الأمريكية: إن "عائدات صادرات الصمغ العربي تمول هذا القتال بشكل مباشر".
من جهة أخرى، وعلى الرغم من المخاطر التي تواجهها عملية تصدير الصمغ، إلا أن عدد قليل من الشركات العالمية التي اتخذت خطوات لتجنب استيراد الصمغ من السودان. وفقًا لمقابلات أجرتها "وول ستريت جورنال" مع مصنعين وموردين ومستخدمين نهائيين.
ومن بين هؤلاء المدير العام لشركة "مروج"، وهي شركة مستوردة ومصنعة للعلكة الخام ومقرها المملكة المتحدة، أسامة إدريس، الذي يعترف بأن شركته "لا تريد أن ترى العلكة تشح في الأسواق".
ويضيف بأنه بم يعرب " أي من عملائه، بما في ذلك شركات الحلويات والمشروبات والنكهات، عن مخاوفه بشأن الحصول على الصمغ العربي من السودان".
بدورها قالت شركة "نستله"، التي تضيف الصمغ العربي إلى الشوكولاتة والحلوى الصمغية، وفقًا لمورديها، فإن "الكميات الصغيرة التي تستخدمها تأتي في المقام الأول من تشاد والنيجر ومالي".
من جهته، ذكر متحدث باسم شركة "هيرشي" لصناعة الشوكلاتة: إن "الشركة تتوقع من جميع مورديها الالتزام بجميع القوانين في البلدان التي يعملون فيها".
وقالت متحدثة باسم شركة "فيريرو": إن "شركة صناعة الشوكولاتة لديها إجراءات صارمة للتدقيق يجب على جميع مورديها الالتزام بها، بما في ذلك التقييمات وعمليات التحقق الميدانية".
فيما ذكرت بعض الشركات أن وقف شراء الصمغ العربي السوداني سيضر بمئات الآلاف من السودانيين الذين يعتمدون على الصمغ العربي في معيشتهم، وكثير منهم مزارعون أو أفراد المجتمعات البدوية.
في المقابل، أوقفت شركة "Nexira" الفرنسية، التي تقول إنها تمتلك حصة 40 % من سوق الصمغ العربي العالمي، عملياتها في السودان لمدة ثلاثة أشهر العام الماضي، لكنها بعد ذلك استأنفت بتلقي شحنات من الصمغ من البلاد.
وقالت متحدثة باسم الشركة: "على الرغم من عدم اليقين بشأن النقل والحوادث المحتملة التي تؤثر على المحصول، فقد قررنا مواصلة الشراء". وتابعت: "هذا جزء من التزامنا تجاه المجتمعات المحلية التي عملنا معها لعدة عقود".
كذلك أشارت المتحدثة باسم الشركة إلى أن" بعض جهات الاتصال بشركة Nexira أبلغت مؤخرًا عن نشاط ابتزاز محتمل على الطرق السودانية"، وأضافت: "الشركة طلبت من شركائها في البلاد تجنب الطرق التي لا يمكن ضمان حرية الحركة فيها".
بدورها، أوقفت شركة "FOGA Gum"، ومقرها هولندا، والتي كانت تستورد وتعالج الصمغ العربي السوداني بشكل أساسي لتزويد شركات النكهات في الولايات المتحدة وأوروبا، جميع أنشطتها التجارية في السودان في نيسان/أبريل 2023، بعد وقت قصير من اندلاع المعارك في السودان.
وتعتبر مادة الصمغ العربي، مكون يدخل في صناعة الشوكولاتة والصودا والعلكة والحلويات والعديد من السلع الاستهلاكية الأخرى، وهو عبارة عن عصارة مجففة عديمة الطعم والرائحة تستخدم كمثبت أو عامل سماكة أو مستحلب للعديد من الأطعمة والمشروبات ومستحضرات التجميل والأدوية أيضًا.
فيما يتم حصاد حوالي 80 % منه في العالم من أشجار السنط السودانية، التي تنمو في الحزام الصحراوي الذي يمتد من حدود السودان الغربية مع تشاد إلى حدودها الشرقية مع إثيوبيا، ويغطي مساحة تبلغ حوالي 200 ألف ميل مربع.
ومع اندلاع القتال في السودان ارتفعت أسعار الصمغ العربي بنحو الثلثين ليصل إلى 5 آلاف دولار للطن المتري، بحسب ما يقول التجار.