في شهر رمضان، تتسامر الجزائريات بلعبة "البوقالة"، وهي عبارة عن قراءة الحكم والأشعار الشعبية، التي تحمل الأمل والتفاؤل، وهي لعبة توارثتها الأجيال في الجزائر منذ عقود، وتزين سهراتهن في الشهر الفضيل، حيث تجتمع النساء والفتيات في حلقة ويقمن بنزع الخواتم المصنوعة من الذهب من أيديهن ووضعها في إناء مصنوع من الطين، ثم تقوم أكبرهن سنًا بسحب أحد الخواتم وتلقي "البوقالة" أو الحكمة أو الأحجية الشعبية التي تكون غالبًا فأل خير من نصيب صاحبة الخاتم المسحوب.
"البوقالة" هي لعبة تقوم على كلمات موزونة يتم قراءتها على مسامع الحاضرات في الجلسة النسائية وتتميز بسمة التفاؤل وتوقع الأفضل
اقرأ/ي أيضًا: رمضان الجزائر.."ضيف خفيف" بعادات وأطباق متميزة
عن "البوقالة"، تقول السيدة مليكة ايراتني لـ"الترا صوت": "هي لعبة ترفيهية، تضفي على السهرة الرمضانية نكهة خاصة لم تعتد عليها النساء في الأيام الأخرى". تطلق النساء والفتيات، على حد سواء، العنان للأحلام والأمنيات، في ليالي رمضان، بفضل "البوقالة" التي تمنحهن قسطًا من الراحة بعد يوم متعب ومضن.
تمنح السهرات الرمضانية، وخاصة "البوقالة"، فرصة للنساء الجزائريات للالتقاء، والتعبير عن أحلامهن. وتختلف مواضيع "البوقالة" ما بين الحب والعلاقات الإنسانية والصداقة والعمل والسفر، هذه تحلم بفارس الأحلام، فيما تتوق الكثيرات إلى مستقبل أفضل وتحقيق أمنية أو عودة غائب أو توسعة في الرزق، أو تحقيق نجاح أو الحصول على وظيفة. كل هذه الأماني تترجمها النسوة في ما يسمى "البوقالة"، وهي كلمات موزونة يتم قراءتها على مسامع الحاضرات في الجلسة وتتميز بسمة التفاؤل وتوقع الأفضل.
حول مائدة الشاي والقهوة وصنوف الحلويات التي تزين "صينية" سهرات شهر رمضان في الجزائر، تسافر النساء خلال جلستهن الرمضانية إلى عالم الأمنيات، تأخذهن الأماني الجميلة نحو واقع أفضل وتمنحهن قسطًا من الراحة بعد يوم متعب وتزيل عنهن إرهاق يوم حار في الجين الذي يترافق حلول الشهر الفضيل صيفًا.
تبدأ "البوقالة" بلازمة "باسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيّطت يا خالقي يا مغيث كل مغيث يا رب السماء العالي"، ومن "البوقالات" الشهيرة "لو أنت بحر أنا حوتة فيك، لو أنت جنان أنا وردة تبهيك، لو أنت ليل أنا نجمة تضويك، لو أنت تحبني أنا نموت عليك"، وهي تثير فرحة المتسامرات في تلك الجلسة الرمضانية.
تختلف مواضيع "البوقالة" ما بين الحب والعلاقات الإنسانية والصداقة والعمل والسفر
تتشبث الأسر الجزائرية بلعبة "البوقالة" الشعبية لأنها "عبارة عن أمنيات تتسامر حولها النسوة، وهي عبارات تراثية موزونة المعنى ومتناغمة وبعضها أشعار شعبية تعطي الأمل للحاضرات في السهرة"، تصرح السيدة مليكة ايراتني لـ"الترا صوت". وتضيف الدكتورة نورية سعادة، المختصة في التراث الشعبي بكلية الآداب بالعاصمة الجزائرية، أن "البوقالة من التراث الشعبي الجزائري، وكانت تمثل الترفيه الوحيد بين النساء في الأحياء الشعبية في الجزائر، بل كانت "البوقالة" عروس السهرة بين النساء وجميعهن ينتظرن الحظ السعيد، وربما يتعلقن بما تمليه من كلمات غاية في الدقة، ترفع المعنويات وتبعث على الأمل".
اقرأ/ي أيضًا: مطاعم الرحمة.. تكافل جزائري في رمضان
وعلى عكس سنوات الثمانينيات والتسعينيات، ذكرت المختصة في التراث الشعبي الجزائري لـ"الترا صوت" أن "اللعبة عرفت تراجعًا خلال السنوات الأخيرة بسبب استقطاب الفضائيات والمسلسلات الدرامية والحصص الترفيهية، فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعي التي سحبت البساط من "البوقالة" في سهرات الأحياء الشعبية"، على حد تعبيرها، كما أن ما تعرضه هذه الفضائيات تسببت في انحسار السهرات بين النساء وقلصت الزيارات العائلية والسهرات بين الجيران خلال ليالي رمضان. ولفتت سعادة إلى أن "البوقالات" صارت، خارج شهر رمضان، توزع أيضًا في قصاصات على المدعوين في حفلات الزواج والختان، بهدف الترفيه وبعث الفرحة على كل الحاضرين في الحفل.
اقرأ/ي أيضًا: