09-سبتمبر-2024
آبي أحمد ومحمد بن زايد

(Getty) الإمارات وإثيوبيا تعززان الشراكة العسكرية والاستراتيجية

يُنظر إلى تعزيز التعاون الدفاعي بين إثيوبيا والإمارات مؤخرًا على أنه حلقةٌ جديدة من مسلسل التنافس الإقليمي والدولي الواسع في منطقة القرن الإفريقي، خاصةً أنه جاء عقب إرسال مصر مساعداتٍ عسكرية إلى الصومال في 28 آب/أغسطس المنصرم، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 4 عقود، وتوقع المراقبون أن تعمق من التوترات بين مصر والصومال من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى.

وكانت القاهرة ـ التي تعد حليفًا للإمارات ـ قد صعّدت من سياساتها تجاه أديس أبابا، حيث عمدت إلى توجيه خطابٍ لمجلس الأمن، بشأن أزمة سد النهضة، أكدت فيه أن حكومتها: "مستعدة لممارسة حقها في الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب المصري وحمايتها، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة". موضحةً في رسالتها أنّ ذلك جاء: "بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية، بما في ذلك اللجوء مرارًا وتكرارًا إلى مجلس الأمن، على أمل إقناع إثيوبيا بالكف عن سياساتها أحادية الجانب، وغير القانونية، وقبول أي من الحلول الوسطية القائمة التي توازن بين مصالح وحقوق جميع الأطراف".

كما تأتي الخطوة الإماراتية الإثيوبية في وقت تعزز فيه تركيا من حضورها في منطقة القرن الإفريقي، وخاصةً الصومال.

تسعى مصر إلى محاصرة الوجود الإثيوبي في الصومال والبحر الأحمر في حين تعزز الإمارات من شراكتها مع أديس أبابا

تعزيز التعاون الدفاعي بين أبوظبي وأديس أبابا

 شهد الخميس الماضي زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد موسى، للإمارات حيث التقت وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع محمد بن مبارك بن فاضل المزروعي، لبحث "تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين". وبحسب بيانٍ لوزارة الدفاع الإماراتية، فإنه: "جرى خلال اللقاء بحث علاقات التعاون المتميزة بين البلدين في مختلف المجالات العسكرية والدفاعية والمواضيع ذات الاهتمام المشترك وسبل تعزيزها وتنميتها بما يخدم المصالح المشتركة".

يرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار فايد في حديث لصحيفة "العربي الجديد" أنّ للإمارات مشروعٌ استراتيجي واسع في القرن الإفريقي، وتتمثل الاستراتيجية الإماراتية: "في الانتشار البحري في نقاط تمنحها نفوذًا إقليميًا يعوّض ضعفها البري نتيجة العامل الجغرافي والديمغرافي الذي يقيد وزنها قوةً إقليمية". معتبرًا أنه "لذلك تركز الإمارات على القرن الإفريقي وعلى باب المندب وخليج عدن (جزر اليمن وجنوبه)، وتستثمر في هذه المنطقة أمنيًا ولوجيستيًا، عبر سلسلة من الموانئ، وتستكمل ذلك أخيراً بوجودها المتزايد في الموانئ المصرية في البحر الأحمر ثم المتوسط".

وأضاف أنه: "في هذه الاستراتيجية، فالصومال دولة أساسية، لكن الإمارات تركز على الأقاليم التي لديها توجهات انفصالية مثل أرض الصومال" (ميناء بربرة في هذا الإقليم غير المعترف به دوليًا) وبونتلاند (ميناء بوصاصو شمال شرقي الصومال)، وهو توجه مكرر في اليمن بالتحالف مع الانفصاليين في الجنوب".

لماذا إثيوبيا شريك مفضل في الاستراتيجية الإماراتية؟

 يرى المحلل السياسي عمار فايد أنّ أهمية إثيوبيا في الاستراتيجية الإماراتية تعود إلى أن أديس أبابا تعدّ تاريخيًا قوة مهيمنة في القرن الإفريقي ولديها جغرافيا لا يمكن تجاوزها، ولديها قوة بشرية ومصلحة حيوية في الحصول على منفذٍ بحري دائم لأسباب اقتصادية وعسكرية، ولفت فايد إلى أن إثيوبيا: "شريك مع إقليم أرض الصومال والإمارات في اتفاقية ميناء بربرة منذ بدء النقاش حولها عام 2016، إذ تمتلك موانئ دبي 51% من المشروع وصوماليلاند 30% وإثيوبيا 19%. وليس معروفًا بعد، وفق فايد، مصير هذه الشراكة في ضوء الاتفاق الموقع بين إثيوبيا وصوماليلاند، في كانون الثاني/يناير الماضي الماضي، الذي يوفر لإثيوبيا منفذًا بحريا عبر ميناء بربرة الصومالي، مقابل الاعتراف باستقلال إقليم أرض الصومال الانفصالي.

يضاف إلى ذلك أنّ إثيوبيا تقع: "في قلب استراتيجية الأمن الغذائي الإماراتي وتعتمد عليها بصورة متزايدة في توفير الواردات الغذائية، خصوصًا بعد جائحة كورونا وظهور مشاكل سلاسل التوريد الغذائية، وعمومًا تضاعف التبادل التجاري بين الدولتين أكثر من سبع مرات منذ عام 2000، إذ تجاوز 6 مليارات دولار في عام 2022، كما زار أبي أحمد الإمارات سبع مرات منذ توليه الحكم في 2018. لكن "مشكلة الإمارات حاليًا أنها لن تكون قادرة على دعم مشروع الانفصال في صوماليلاند بصورة مباشرة، وستحرص على تجنب الصدام مع تركيا ومصر".

إثيوبيا والاستفادة من مياه النيل والبحر الأحمر

تهدف إثيوبيا إلى تحقيق أكبر استفادةٍ ممكنة من مياه النيل والبحر الأحمر، ولأن استفادتها من مياه النيل هي على حساب مصر التي تسعى جاهدةً إلى حرمانها من مياه البحر الأحمر، ولذلك عبّرت مصر عن استيائها ورفضها للاتفاقية التي وقعتها أديس أبابا مع الانفصاليين في إقليم أرض الصومال. لكن إثيوبيا وبحسب الاستراتيجية التي أعلنتها نهاية شباط/فبراير الماضي أصبحت ترى في في مياه النيل ومياه البحر الأحمر ضرورةً لمستقبلها وحتى لوجودها كدولة، الأمر الذي يعني أنها لن تدّخر وسيلةً لضمان استفادتها من النيل والبحر الأحمر. 

ولذلك يُنظر مصريًا إلى تقاربها مع الإمارات والتقاء أهداف أبوظبي وأديس أبابا في الصومال باستياء في القاهرة،. وفي هذا الصدد، يقول السفير السوداني السابق في الولايات المتحدة والخبير بالشؤون الإفريقية، الخصر هارون، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، إنه: "لو أن الزائر للإمارات كان دبلوماسيًا كوزير الخارجية أو وكيلها أو مبعوثًا منها، لانصرف الظن إلى احتمال أن إثيوبيا ربما تريد من الإمارات بحكم علاقاتها الحسنة مع مصر، التوسط لتخفيف حدة التوتر بينها وبين مصر".

وأضاف أنّ مصر: "مستاءة من التصرفات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا بخصوص مراحل تعبئة سد النهضة بالمخالفة لما نص عليه اتفاق المبادئ لعام 2015، من اتفاق الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا على مراحل الملء، وكذلك اتفاقها مع صوماليلاند بما يعد اعتداءً على سيادة الصومال". وأوضح أن: "أرض الصومال (صوماليلاند) إقليم يعتبر حسب القانون الدولي جزءًا لا يتجزأ من جمهورية الصومال، ولذلك فإن إرسال وزيرة الدفاع الإثيوبية إلى الإمارات أمرٌ مربك يثير العديد من الحساسيات".