21-أبريل-2018

عمال في ميناء بونطلاند الصومالي (أ.ف.ب)

انفجرت الأزمة بين الإمارات العربية المتحدة ودولة الصومال، في الأشهر الأخيرة، بصورة مثيرة. وبالرغم من أنه لا توجد علاقة جوار وتداخل مباشر بين الدولتين، إلا أن العلاقة السياسية والدبلوماسية بينهما وصلت إلى طريق مسدودة، وذلك عقب قرار البرلمان الصومالي حرمان شركة موانئ دبي العالمية من العمل في البلاد، كونها متهمة بـ"انتهاك السيادة"، ثم مصادرة الأموال الإماراتية التي عبرت إلى مقديشو في طائرة خاصة.

لوقت قريب لم تكن ثمة علامة على أزمة بين الصومال والإمارات، لكنها بدأت في الظهور بعد قرار منع شركة موانئ دبي من العمل في البلاد

وإلى وقت قريب لم تكن ثمة أزمة مُعلنة أو حتى مكتومة بين أبوظبي ومقديشو، لكنها بدأت فعليًا عقب قرار البرلمان الصومالي طرد شركة مواني دبي من تشغيل الميناء الصومالي، وهو ما كان بمثابة صفعة، أخذت التصعيد لمنحى درامي بين البلدين، بعد أن صادرت الصومال نحو 10 مليون دولار نقدًا، كانت محملة على طائرة قادمة من الإمارات إلى الصومال.

اقرأ/ي أيضًا: صفعة صومالية لمشروع الإمارات لتقسيم البلاد.. موانئ البحر الأحمر ثمن التدخل

وزعمت أبوظبي أن تلك الأموال مرسلة لدعم الجيش الصومالي، بينما تشككت فيها العاصمة مقديشو، وفتحت تحقيقًا بشأنها. فخرج وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، زاعمًا أن الطائرة "فيها 47 من قوات الواجب الإماراتية ومعها عشرة مليون دولار عبارة عن معاشات لمساعدة القوات الصومالية".

وخلال الأيام الماضية أيضًا حدثت تطورات مثيرة نوعًا ما، وتم قبول جواز صادر من "صوماليلاند" في جهاز الهجرة الإماراتي، وصدرت "تأشيرة" سافر بها مواطن من الإقليم الصومالي المنفصل من جانب واحد، إلى دبي، أمس الجمعة. وهذا يعني أن الامارات قررت تعديل اجراءاتها والتعامل فقط مع الإقليم الذي يرضخ لها بدرجة كبيرة.

تأشيرة دخول إماراتية على جواز سفر من صوماليلاند غير المعترف بها من الجامعة العربية
تأشيرة دخول إماراتية على جواز سفر من صوماليلاند غير المعترف بها من الجامعة العربية

وفي اللقاء الصحفي الذي تم مع وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الامارات، أنور قرقاش، أوضح أن الاتفاقيات التي وقعتها أطراف إماراتية مع صوماليلاند، تمت بناءً على "تفاهمات" مع الحكومات الصومالية السابقة. وقد حرص قرقاش على القول بعدم اعتراف الإمارات على المستوى السياسي بصوماليلاند، بلهجة توحي بأن هناك خيارًا آخر قد يكون بيد دولته، كما أنه لم يُبيّن ما هي تلك التفاهمات التي توصلت إليها الإمارات مع حكومة مقديشو.

مساعي الإمارات التي تهدد وحدة الأراضي الصومالية، قد تفسد على الإمارات خططها لبسط نفوذها بحريًا من الخليج لقناة السويس

وينظر محمود محمد حسن، مدير مركز هرجيسا الصومالي للدراسات والبحوث، إلى تطورات الأزمة من منظور مصادفة وجود رئيس الوزراء الصومالي، حسن علي خيري، في أبوظبي، مع اجتماع وفود أطراف الاتفاقية الثلاثية للاستثمار في ميناء بربرة، وذلك في مدينة دبي قبل أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: الصومال.. حين استعادت "العمامة" مكانتها

وقد أدى إلى استثمار أطراف معارضة لحكومة فرماجو في مقديشو لتلك المصادفة، في سبيل موقف رئيس الوزراء، باتهامه بالتورط في الاتفاقية التي تزامن توقيعها أثناء وجوده في الإمارات، "علمًا بأن تلك الفترة كانت تشهد معركة كسر عظم بين رئيس الوزراء الصومالي ورئيس البرلمان، حيث كان يعد كل منهما لمشروع سحب ثقة من الآخر"، على حد قول حسن.

وأشار محمود في حديثه لـ"ألترا صوت"، إلى حادثة التحفظ على الطائرة الإماراتية ومصادرة المبالغ المالية فيها، معتبرًا أنها تسببت في "هز موقف رئيس البرلمان الذي كان يميل للتهدئة مع الإمارات، بعد ربط الأموال به من قبل غرمائه، مما جعله يوقن بأنه سيكون الخاسر في معركة سحب الثقة، فاستقال من منصبه".

وهنا يمكننا التساؤل: هل قرار البرلمان الصومالي بطرد موانيء دبي نهائي؟ وكيف يمكن أن تمضي الأمور مستقبلًا؟ يجيب الباحث الصومالي محمود حسن بالقول: "قامت أطراف إماراتية بحملة على موقع تويتر، بالهجوم الشخصي على الرئيس محمد عبدالله فرماجو، ما أدى إلى غضب شعبي وارتفاع شعبيته، وشعور فئات عريضة من الصوماليين بأن أطراف إماراتية تستهين بهم، خاصة مع تعمد تلك الأطراف تصوير الحاصل كأنه تبعية صومالية لجهات وأطراف خارجية".

وهذا "التشنج"، على حد وصف حسن، "أذكى لدى فئات شعبية العناد المعروف لدى الصوماليين"، بشكل أو بآخر يجعل ذلك فرماجو ملزمًا باتخاذ مواقف علنية وواضحة من الأزمة مع الإمارات، "وإلا فإنه معرض لخسارة شعبيته، ومحاولة إسقاطه أو سحب الثقة من حكومته".

قرار البرلمان الصومالي بطرد شركة موانئ دبي، يحرمها من السيطرة على ميناء بربرة (رويترز)
قرار البرلمان الصومالي بطرد شركة موانئ دبي، يحرمها من السيطرة على ميناء بربرة (رويترز)

أما بخصوص المستشفى الإماراتي بالصومال الذي أعلنت الإمارات إغلاقه قبل أيام قليلة، بما يتناقض وسبب إنشائه المعلن والذي يتمثل في دعم الجهود الإنسانية وتقديم الخدمات الطبية لمواطني البلاد التي أنهكها الاقتتال. فيمكن بخصوصه العودة إلى تصريح لوزير الصحة الصومالي، ذكر فيه أنه التقى بالقائم بأعمال السفير الإماراتي في مقديشو، وأكد له الأخير أن "الإجراءات التي تم اتخاذها حيال المستشفى نتجت عن انقطاع التمويل، والذي تعمل السفارة على استئنافه عاجلًا، وإعادة المعدات والعمل في المستشفى".

بينما هناك تصور عام بخصوص التضييق، إذ تسبب المسلك الإعلامي الإماراتي ضررًا كبيرًا للصورة "الإيجابية" التي حاولت الإمارات على مدار سنوات تصديرها عنها بين الصوماليين. كما سبق وتوقع مراقبون بإمكانية التضييق على الصوماليين المقيمين في الإمارات، وهو ما حدث فعلا لفترة مؤقتة من حيث سحب "كود" جمهورية الصومال الاتحادية من نظام الهجرة المعني بإصدار وتجديد تأشيرات وأذونات الإقامة، قبل إعادته مرة أخرى للوضع الطبيعي، ثم ما لبث أن سُحب مرة أخرى، ما يعني الصوماليين المقيمين في الإمارات من إمكانية تجديد اقاماتهم، وهو ما لا يدع لهم مفرًا من مغادرة الإمارات فورًا.

"ما حدث صفقعة قوية على وجه الإمارات"، بتعبير عمار السجاد، الخبير السوداني في الشأن الصومالي. وقد اعتبر سجّاد أن الأزمة بين الصومال والإمارات "سوف تتفاقم أكثر من ذلك، وربما تُفاجأ الحكومة الإماراتية، بأنها تتعامل مع دولة صعبة المراس، ويصعب احتواؤها، والسبب أنها بلا قبضة مركزية". 

وفي حديث لـ"ألترا صوت"، أبدى السجاد استغرابة من الاهتمام الإماراتي بالصومال إلا من جهة واحدة، فقال: "لا يمكن تفسير الاهتمام الإماراتي بدول مثل الصومال وجيبوتي والسودان إلى من حيث أنها دول ساحلية، تتيح لموانئ دبي السيطرة على البحر الأحمر كليًا، وتوسيع نفوذها البحري من الخليج إلى السويس مرورًا بالبحر الأحمر". 

وأضاف السجاد أن الإمارات تعتقد أن حلمها الجامح، لا يمكن لدولة تعيش حالة من الانقسامات مثل الصومال، أن تفسده. لكنها تفعل ذلك الآن كما يبدو. كما أن الأزمة بين شركة موانئ دبي و الحكومة الصومالية، تقريبًا سببها الرئيسي هو أن الإمارات دخلت إلى الصومال من مدخل خاطئ، كما يعتقد بعض المراقبين، ووصلت إلى مرحلة إصدارها "تأشيرة" باسم حكومة انفصالية، في شمال البلاد، ترفض الجامعة العربية الإعتراف بها، ولا تعترف بها سوى إثيوبيا لكونها الدولة الأكثر استفادة من انفصالها وتقسيم الصومال عمومًا. 

تتمثل قوة الصومال الحقيقية التي تجعلها عصية على الرضوخ للإمارات، في الإرادة السياسية التي تتمتع بها المكونات الداخلية

وعطفًا على تسرب مواني البحر الأحمر من بين شباك الإمارات، فقد تمكنت قطر بصورة أخرى من الاتفاق مع الحكومة السودانية على تمويل بناء أكبر ميناء على البحر الأحمر، وذلك بتكلفة قدرها أربعة مليار دولار، ولربما تنتقل قطر إلى الصومال مستقبلًا، دون المساس بالأمن القومي للبلد ووحدة أراضيها على عكس النهج الذي تسلكه أبو ظبي تجاه دول عدة في المنطقة العربية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة

سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر