على مر السنين وبالرغم من تطور المجتمع المغربي يبقى مفهوم "العذرية" عند الفتاة غير قابل للتغيير أو النقاش، إذ يمثل ذلك الغشاء الصغير أكثر الأشياء المقدسة في ذهنية بعض المغاربة، وبحكم الأعراف والدين أيضًا، تبقى "عذرية" الفتاة مطلبًا مهمًا لا تنازل عنه أمام سلطة التقاليد وأمام أعين أفراد المجتمع، الذين قد يتسامحون في عديد الأمور إلا في عذرية الفتاة.
تلجأ بعض النسوة خاصة في الوسط القروي المغربي إلى "التقاف"، الذي يعتبر بالنسبة لهن سلاحًا قد يحصن الفتاة ضد شهواتها المستقبلية وما ينتج عنها
من أجل هذا تلجأ بعض النسوة خاصة في الوسط القروي المغربي إلى "التقاف"، الذي يعتبر بالنسبة لهن سلاحًا قد يحصن الفتاة ضد شهواتها المستقبلية وما ينتج عنها من عواقب قد تكون وخيمة بالنسبة لهم. لكن ماهو هذا الحل السحري المسمى بـ"التقاف" وكيف يحمي الفتاة من عدم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج؟.
اقرأ/ي أيضًا: تصفيح الفتيات في تونس.. العلاقة بين الحائط والخيط
مصطلح "التقاف" في العامية المغربية، يتمثل في عدم قدرة المرأة على تقبل حدوث الإيلاج، ويبقى هذا هو المطلوب عند الكثير من الأمهات اللواتي يخشين من فقدان عذرية بناتهن. لكن "التقاف" أيضًا قد يصلح في أغراض أخرى، كالانتقام من الرجل وضرب فحولته المرتبطة في الذهنية العامة بقدرته الجنسية، و"التقاف" يدخل هنا في عدم قدرة الرجل على معاشرة المرأة، بعد أن يكون قد فقد القدرة كليًا على "الانتصاب".
ولتحقيق ذلك، يتجه البعض إلى أقرب مشعوذ ليحضر بعض الطلاسم التي تفي بالغرض، لكن دون أن ننسى أن بعض النسوة توارثن عبر الزمن طريقة تحضير "التقاف" لبناتهن، وبعضهن كن من ضحايا "التقاف" يومًا، لكن ما يسيطر عليهن هو الحفاظ على عذرية البنت، وبالتالي على شرفها وشرف أسرتها.
تحكي فاطمة، والتي بلغت من الكبر عتيًا، أن لديها قناعة خاصة أن "التقاف لا يدخل في الأعمال المحرمة دينيًا، بل هو عادة توارثتها الأجيال عبر السنوات، وهدفها نبيل فهي تحمي الفتيات من ممارسات الرذيلة أو عدم وقوعهن في شباك الرجال الذين يسخرون من الفتيات البريئات بدعوى الحب وأشياء أخرى تافهة"، على حد تعبيرها.
تقول فاطمة، التي تنحدر من نواحي مدينة "قلعة سراغنة"، وسط المغرب، "لقد قمت بـ"التقاف" لبناتي الأربع وأيضًا لحفيداتي، ولم أتوجه يومًا عند المشعوذين بل أقول بعضًا من تعويذات توارثتها من جداتي، وأكسر قطعة نقود فضية، ويكفي الفتاة أن تمشي على النقود المكسورة على نصفين، مع التعويذات التي أرددها في ذلك الوقت". لدى فاطمة قناعة راسخة أن ما تقوم به ليس خطأ ولا شعوذة، بل تعتبره "عادة تحمي بناتها من الرذيلة ومن القيل والقال".
حسب المختصين، التقاف هو عدم القدرة على إتمام العلاقة الجنسية، بسبب التشنج المهبلي الحاد، ويكون السبب نفسيًا، وليس شيئًا آخر
اقرأ/ي أيضًا: جدل وثيقة "إثبات العذرية" من جديد في الجزائر
لكن هذه الخرافة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وخديجة مثال على ذلك، فهي إحدى ضحايا هذه التقاليد المنتشرة في الوسط القروي أو عند بعض السيدات اللواتي رفضن التغيير والعلم. تزوجت خديجة قبل ثلاث سنوات، حكت لـ"الترا صوت" أن زواجها أثمر ولادة طفلها الوحيد، لكنها رغم ذلك لا تستطيع أن تمارس الجنس مع زوجها، وهي شبه عذراء رغم أنها أصبحت أمًا". تؤكد خديجة لـ"الترا صوت" أنها "تحب زوجها لكنها ترفضه أثناء العلاقة الجنسية، فهي تكتفي بممارسة الجنس بشكل سطحي"، وتوضح أن "الأمر زاد سوءًا عندما تدخل الأهل في الموضوع وهم يعتقدون أن السبب أحد المشاكل الصحية"، بينما تصر خديجة أن الأمر له علاقة بـ"التقاف".
وخديجة، عوض استكمال العلاج الذي بدأته عند طبيبة مختصة، تضيع الوقت وتتوجه مع حماتها عند "المشايخ"/بعض المشعوذين لإبطال سحر "التقاف". وعن علاقتها بزوجها، تؤكد خديجة أنه "يتفهم أن مرضها نفسي ودائمًا ما يحاول إقناع والدته أن الحل في يد الأطباء لكن دون جدوى، لهذا قررا أن تتعالج خديجة عند طبيب دون إخبار والدتها وأن تواصل التوجه إلى المشايخ خوفًا من غضب والدته".
ومن جهة أخرى، تقول كريمة الحنفي، طبيبة مختصة في علم الجنس، لـ"الترا صوت": أن "التقاف يعني عدم القدرة على إتمام العلاقة الجنسية، بسبب ما يسمى "التشنج المهبلي الحاد"، ويكون السبب نفسيًا، وليس شيئًا آخر، وذلك ناتج عن خوف شديد يسيطر على المرأة، وبالتالي لا تسمح للزوج بالاقتراب منها، فتتقلص عضلاتها وتنكمش وترفض زوجها". وتضيف الطببية أن "البعض قد يهمل العلاج ويلجأ إلى المشايخ وهنا يكون الأمر أكثر صعوبة وقد يساهم في انفصال الزوجين".
اقرأ/ي أيضًا: