اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن واحدةً من أكثر الزيارات الأمريكية لإسرائيل حميميةً، ولهذا الاعتبار جذور تاريخية وأخرى راهنة. فقد كان بايدن نفسه حاضرًا ضمن وفد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي كان أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل عام 1973، كما أنه يُعد من ضمن أعضاء الحزب الديمقراطي الداعمين تاريخيًا لإسرائيل.
اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن واحدةً من أكثر الزيارات الأمريكية لإسرائيل حميميةً
وفي زيارته الأخيرة لدولة الاحتلال، ذكره رئيس وزرائها يائير لابيد في مقولته "لا ينبغي أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا"، وهو ما أعاد بايدن التأكيد عليه في خطابه، متحدثًا عن العلاقات الوثيقة مع إسرائيل ومؤكدًا على أمنها مع تقاربٍ في تصورات حول خطر النووي الإيراني واختلاف في النظر إلى طريقة حله. فيما شدد على أهمية تطبيع إسرائيل في المنطقة. وفي مقاله الذي نُشر في صحيفة واشنطن بوست محاولًا من خلاله تبرير زيارته، وضمن تعداد مناقب فترة ولايته، أشار إلى تمرير أكبر حزمة دعم لإسرائيل في تاريخ العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بقيمة 4 مليارات دولار.
رغم ما سبق، ومع انتهاء زيارة بايدن للمنطقة، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" افتتاحيةً بعنوان "لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل العدد القليل من المتطرفين الديمُقراطيين المعادين لإسرائيل". تحاول هذه الافتتاحية تسليط الضوء على تحولات تظهر في الحزب الديمقراطي، تتخذ مسافةً من إسرائيل، وتصفها بدولة الفصل العنصري وتطالب بوقف مساندتها. كانت هذه الجزئية واحدةً من الأسئلة التي وجهت لبايدن خلال مقابلته مع القناة الـ12 الإسرائيلية، التي اعتبر خلالها أن عدد المعارضين لإسرائيل قليل ولا يمثل الأغلبية، مشيرًا لاعتقاده بأنهم مخطئون، ومؤكدًا على أن إسرائيل حليفة وصديقة وديمقراطية.
ومع أن الافتتاحية أشارت إلى عمق العلاقة بين تل أبيب وواشنطن وأكدت على أهميتها والفائدة التي تخرج منها، إلّا أنها وصفت أمريكا بالدولة المتغيرة، وأن صعود الآراء المعارضة لإسرائيل، لا يحدث في فراغ. وتقول الصحيفة إن هذه الأصوات ما تزال قليلة، لكنها تسعى للتوسع.
وتحاول الصحيفة تقديم توصية للمستوى السياسي في إسرائيل، مطالبةً إياه بألّا يتم أخذ دعم الولايات المتحدة كأمر مُسلم به، بالإضافة إلى العمل مع الديمقراطيين الذين يدعمون إسرائيل ولكن لديهم مخاوف أيضًا، طارحةً مثال أعضاء الكونغرس الذين طالبوا بالتحقيق في استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة والذين تحدثوا عن إخلاء الفلسطينيين من مسافر يطا جنوب الخليل، مشيرةً إلى ضرورة عدم تجاهلهم.
وتصف الصحيفة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل بالعميقة، ولأنها تتسم بهذا النوع من الاتصال الوثيق، فهذا يعني أن المؤيدين لديهم توقعات أيضًا. داعيةً المستوى السياسي للعمل مع النواب الديمقراطيين الداعمين لإسرائيل والذين يتحفظون على بعض الممارسات الإسرائيلية، وأيضًا مع الذين يتأثرون في الطروحات التي تنتقد إسرائيل، محذرةً من أن العدد القليل من السياسيين الصاعدين في الحزب الديمقراطي قد يتوسع.
بروبغاندا إسرائيلية
في نفس اليوم، نشرت صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية تقريرًا حول ظاهرة تزايد الأصوات المؤيدة لفلسطين في الحزب الديمقراطي بعنوان "هل سيستمر اليهود الأمريكيون في اتباع الديمقراطيين وهم يتخلون عن إسرائيل؟". ومنذ البداية حاول التقرير أن يعتبر معاداة الصهيونية شكلًا من معاداة السامية، اتساقًا مع الترويج الإسرائيلي الجديد لهذا الاتهام.
وانطلق التقرير من الإشارة إلى قرارات مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية كارولينا الشمالية، الذي تضمن من بين 7 قرارات تتعلق بالشؤون الخارجية ثلاثة تتعلق بالجرائم الإسرائيلية، مثل اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة وممارسات الفصل العنصري ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين، مطالبًا بوقف المساعدات لإسرائيل وفرض حظر سفر على قيادات سياسية وعسكرية وإحياء ذكرى النكبة التي وصفت بالمستمرة في قرارات المؤتمر. كما وذكر إرسال 57 عضوًا ديمقراطيًا من مجلس النواب مذكرةً إلى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ورئيس مكتب التحقيقات الفدرالي تطالب بإجراء تحقيق في استشهاد أبو عاقلة، بالإضافة إلى نشاط عضوة مجلس النواب رشيدة طليب المناهض لإسرائيل.
ويحاول التقرير التدليل على هذا الاتجاه المتنامي، من خلال استعراض إحصائيات تدعم طرحه وتشير إلى أن أعضاء الحزب الديمقراطي يتجهون بشكلٍ أكبر إلى دعم القضية الفلسطينية. والمختلف عن افتتاحية صحيفة "جيروزاليم بوست" التي حاولت أن تخاطب المستوى السياسي في إسرائيل، هو أن تقرير يسرائيل هيوم يحاول مساءلة الأعضاء اليهود في الحزب الديمقراطي معتبرًا أنَّ هذه التوجهات تعبر عن "نزعات معادية للسامية"، في دعوةٍ للتخلي عن دعمهم للحزب.
والتركيز على مواقف أعضاء الحزب الديمقراطي من إسرائيل حاليًا مرتبط بانتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب في أمريكا في تشرين ثاني/ نوفمبر القادم. وهذا ما أشار إليه كبير معلقي الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "يسرائيل هيوم" أرييل كاهانا، في مقالٍ عن التجديد النصفي القادم، مستعرضًا نموذجًا من ولاية ميرلاند تمكن فيه المرشح الديمقراطي الأقرب لإسرائيل من الحصول على الدعم الكافي والظفر بالترشح عن الولاية، رغم أن الموقف من إسرائيل ليس حاسمًا في هذه الولاية، مشيرًا إلى أن اللوبيات الصهيونية في أمريكا قدمت دعمًا ماليًا للمرشح غلين آيفي على حساب المرشحة دونا إدواردز. ويشير كاتب المقال إلى أن المواقف بين المرشحين متقاربة لكن الحاسم بينهم كان الموقف من إسرائيل، مبينًا أن إدواردز خلال عضويتها السابقة في الكونغرس رفضت التصويت على ثلاث قرارات داعمة لإسرائيل، مما دفع مجموعات الضغط الصهيونية للاستثمار في ترشح آيفي ودعمه ماليًا.
وكانت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) قد أنفقت حوالي 6 مليون دولار دعمًا لترشح آيفي، الذي عارض الاتفاق النووي مع إيران وهاجم حركة مقاطعة إسرائيل وأعلن عن موقفٍ رافض للدعم المشروط لإسرائيل. ورغم أن المرشحة إدواردز لم تمتلك موقفًا واحدًا من إسرائيل وتغيرت مواقفها في السنوات القليلة الأخيرة فقط، إلّا أن أيباك بذلت جهدًا كبيرًا من أجل دعم خصمها للوصول إلى مجلس النواب.
ووصف التقرير هذه الصراعات داخل الحزب الديمقراطي بأنها "ليست فقط بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولكن بين مؤيدي ومعارضي إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي". وعقب فوز المرشح آيفي ووسط هذا الدعم الكبير من منظمة أيباك، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي تغريدةً على موقع تويتر تجمع مدير أيباك والمديرة التنفيذية لها، مشيرًا إلى زيارة بايدن الأخيرة لإسرائيل وإعلان القدس الذي أكد على العلاقة غير القابلة للكسر بين الدولتين، مضيفًا أن تعزيز الدعم من الحزبين لهذا التحالف هو أولوية قصوى.
I just met with @AIPAC President Betsy Korn and CEO Howard Kohr.
We discussed @POTUS's visit to Israel and the historic Jerusalem Declaration reaffirming the unbreakable US-Israel alliance.
Strengthening bipartisan support for that alliance is a top priority. 🇮🇱 🇺🇸 pic.twitter.com/shTXJCgCYE
— יאיר לפיד - Yair Lapid (@yairlapid) July 20, 2022
حملة مستمرة للوبيات الصهيونية
من تشير لهم هذه التقارير بالأساس، هم مجموعة من النواب الذين يصنفون ضمن يسار الحزب الديمقراطي وبالأخص النائبات الأربع رشيدة طليب وإلهان عمر وأيانا بريسلي وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز اللواتي تم وصفهن بـ"الفرقة" نتيجة المواقف المتناغمة من القضية الفلسطينية ومعارضة إسرائيل، بالإضافة إلى آندي ليفين الذي زار في عام 2019 مسافر يطا وانتقد محاولات التهجير الإسرائيلية، وبيتي ماكولوم.
Thank you, Michigan’s 11th District. I will not let you down! pic.twitter.com/HvX03mWG3w
— Haley Stevens (@HaleyLive) August 3, 2022
وقد واجه آندي ليفين، السياسي الأمريكي اليهودي والذي يُعد مرشحًا تقدميًا عن الحزب الديمقراطي، المرشحة هالي ستيفنز في انتخابات الحزب الديمقراطي للتجديد النصفي عن ولاية ميشتغان. ويطرح مواقف الحزب الديمقراطي الكلاسكية إجمالًا مثل دعم حل الدولتين، ودعم كافة قوانيين مساعدة إسرائيل، ورغم ذلك فقد انتقد إسرائيل مؤخرًا عدة مرات نتيجة الوضع الحقوقي في فلسطين مما دفع آيباك إلى تفضيل منافسته ستيفنز، وإنفاق 4.2 مليون دولار من أجل هزيمته في الانتخابات التمهيدية للحزب. وتم النظر تحديدًا لهذه المنافسة باعتبارها اختبارًا رئيسيًا لاستراتيجية منظمة آيباك ولمكانة إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي بحسب متابعة صحيفة هآرتس الإسرائيلية للانتخابات.
وتمكنت آيباك من حسم هذا الصراع لصالحها، وساهمت في فوز ستفينز على الديمقراطي اليهودي لفين خلال انتخابات الحزب الديمقراطي، بفارق يزيد عن 20 ألف صوت. واحتد الصراع في ولاية ميتشغان التي تتنافس فيها رشيدة طليب أمام جانيس وينفري، والتي تسعى آيباك أيضًا للإطاحة بها في الانتخابات التمهيدية للحزب من خلال تقديم 4.7 مليون دولار لوينفري التي استشهدت بمواقف طليب من إسرائيل كسبب لترشحها ضدها.
ويتجلى الصراع بوضوح، من خلال اللوبيات التي تدعم المرشحين الديمقراطيين المحافظين في مقابل التقدميين، فيما يسعى التقدميون إلى توسيع مكانتهم وحضورهم السياسي. ففي الدعاية الانتخابية لليفين وطليب حضر السانتور بيرني ساندرز لتقديم الدعم، وخلال ذلك انتقد ظاهرة اللوبيات في النظام السياسي الأمريكي معتبرًا أنها خطأ جسيم فيه، مضيفًا: "ليس هذا ما تعنيه الديمقراطية. هذا هو ما تدور حوله الأوليغارشية"، وهذا التنافس يشير إلى الكثير من الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الأمريكي وطريقة تلقي الأموال للمرشحين والتدخل والتأثير في نتائج الانتخابات.
وفي الوقت الذي نجحت فيه ستيفنز، فقد فشلت وينفري أما طليب التي تمكنت من تحقيق الفوز على منافستها بحوالي 20 ألف صوت. وخاضت آيباك عبر لجنة "مشروع الديمقراطية المتحدة" مواجهةً كبيرة في مدينة ديترويت، وهي أكبر مدن ولاية ميتشغان، ويوجد فيها عدد كبير من المصوتين الأمريكيين من أصل أفريقي. لذلك بدأت العمل على دعم المرشح آدم هولير ليكون ممثلًا لها، وهو مرشح غير معروف رغم ذلك أنفقت آيباك أكثر من 4 ملايين دولار على حملته الانتخابية، وكان المرشح هولير أكثر الأشخاص صدمةً في الإعلانات والمبالغ التي تم إنفاقها على الحملة الانتخابية، بحسب مقابلة أجرتها صحيفة هآرتس معه.
ودعمت آيباك هولير في مواجهة المرشح شري ثانيدار وهو من أصول هندية، وسعت لهزيمته بعد وصفه إسرائيل بدولة الفصل العنصري وإشارته إلى انتهاكها حقوق الإنسان والمطالبة بوقف المساعدات الأمريكية لها، رغم تراجع ثانيدار عن تصريحاته هذه وميله ليكون أكثر اعتدالًا فيما يخص إسرائيل. أما هولير وهو جندي احتياط في الجيش الأمريكي فقال إن هناك اتفاقًا على أن توسيع المستوطنات لا يساعد في تحقيق حل الدولتين ولكن من غير المجدي توجيه أصابع الاتهام. ومع ذلك لم تتمكن آيباك من المساهمة في فوزه، إذ خسر أمام ثانيدار بفارق حوالي 4 آلاف صوت.
اللحظة الأبرز التي كشفت عن بروز التوجهات الجديدة في الحزب الديمقراطي، كانت في أيلول/ سبتمبر 2021، بعد تضمين مشروع الموازنة العامة الأمريكي بندًا إضافيًا بقيمة مليار دولار سوف تدفع لإسرائيل، لتعويضها عن ما استخدمته من صواريخ "تامير" الخاصة بالقبة الحديدية خلال حرب أيار. فوسط الأغلبية الضيقة للحزب الديمقراطي في مجلس النواب، رفض 8 نواب ديمقراطيون التصويت على الموازنة المتضمنة هذا البند، بالإضافة إلى رفض الجمهوريين دعمها.
وفي نقاشات استمرت ليومين، تقرر فصل هذا البند عن الموازنة وتقديمه ضمن مشروع مُنفرد، مما أتاح إمكانية تمرير الموازنة بدعم النواب الديمقراطيين الرافضين لدعم إسرائيل، وتمرير مشروع تعويض إسرائيل عن ما استخدمته خلال الحرب، بأغلبية كبيرة. فيما رفض المشروع حينه من قبل 8 نواب ديمقراطيين ونائب جمهوري يرفض أن تقدم أمريكا أيّ دعم خارجي أيًا كان متلقيه.
إسرائيل لم تعد جامعةً للحزبين
في تفسيره لظهور الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي وتحولات الموقف تجاه إسرائيل، يشير السفير الأمريكي السابق دينس روس إلى "أن إسرائيل لم تعد قضية يُجمع عليها في الحزبين كما في الماضي"، معتبرًا أن جزءًا من ذلك يعود لاحتضان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإسرائيل، مما جعلها مسألةً مثيرةً للانقسام وجعل الديمقراطيين يعارضون كل ما يؤيده. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو ساهم في تفاقم هذه النزعات نتيجة تقربه الكبير من ترامب، بحسب روس، الذي يعتقد أن الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي أصبح له ثقله الآن. بالإضافة إلى تحولات حقوقية داخل أمريكا، مشيرًا للاستفادة من حركة حياة السود مهمة التي قارب داعمو القضية الفلسطينية بينها وبين معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. أما الجانب الآخر من هذه التحولات، فيعود إلى موقف واشنطن تجاه القضايا الخارجية، الذي يبدو أنه يدخل في مرحلة جديدة وإعادة تقييم، وهو مزاج بدأ يسود حاليًا.
وفي الفترة الحالية لا يمكن الحديث عن تغيرات جوهرية، لكن بالتأكيد فإن عدد المؤيدين للقضية الفلسطينية في أروقة السياسية الأمريكية يتنامى بشكلٍ أكبر، وهو ما يؤكد عليه محرر مجلة "التيارات اليهودية" بيتر بينارت الذي أشار إلى عدة أسباب ساهمت في هذا التحول. من بين هذه الأسباب أن هناك تحولًا في قواعد الحزب الديمقراطي ساهمت في التأثير على السياسيين، كما أن جزءًا من الموقف تجاه إسرائيل كان نتيجة ما أسماه الخوف السياسي، الذي تلاشى مع نواب مثل رشيدة طليب وإلهان عمر وبيتي مالكوم، اللواتي تحدثن عن حقوق الفلسطينيين ومع ذلك تم إعادة انتخابهن مرةً أخرى.
وتابع بينارت حديثه حول بروز الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، باعتباره نفورًا من بنيامين نتنياهو، الذي اعتادوا على رؤيته بوصفه نسخةً إسرائيلية من ديك تشيني أو جورج دبليو بوش، ولكنهم أصبحوا ينظرون له باعتباره نسخةً من دونالد ترامب، مع تشابهات أيديولوجية واضحة، مما جعل من الصعب أن يتماهى الديمقراطيون مع حكومته، التي مارست على مدار عشر سنوات سياسات معادية للفلسطينيين، مما ساهم في خلق ثقافة أكثر استعدادًا لأن تكون ناقدة.
تنعكس هذه التحولات في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في شهر أيار/مايو الماضي، وقبل استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، من خلال عينة من 1000 أمريكي ظهر فيها ميل متزايد من جانب الديمقراطيين والشباب عمومًا في أمريكا، تجاه دعم الفلسطينيين ورفض السياسات الأمريكية المحابية لإسرائيل مع تنامي دعم حل الدولة الواحدة.
وكان خبير استطلاعات الرأي جون زغبي، الذي تابع وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط على مدى عقود قد أشار إلى تحول وصفه بـ"الدراماتيكي". مشيرًا إلى أن الأجيال الشابة على وجه الخصوص أصبحت أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين. ولا ينفصل ظهور الديمقراطي بيرني ساندرز عن هذه الظاهرة، فقد ساهم من خلال حديثه عن معاناة الفلسطينيين نتيجة الاحتلال في بروز توجه ناقد لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي.
كما أن التنوع الإثني داخل الكونغرس ساهم في دفع الجناح التقدمي الديمقراطي بشكلٍ أكبر. ففي عام 2021 كان هناك 23% من أعضاء مجلس النواب والشيوخ من السود أو من أصل إسباني أو من آسيا أو من السكان الأصليين، فيما كانت النسبة قبل عقدين تمثل 11% وفي عام 1945 كانت تمثل 1%.
وكانت هبة أيار لحظة التحول التي أبرزت هذه التحولات، ففيها ظهرت عدة خطابات قوية من قبل نواب في الكونغرس تهاجم إسرائيل وترفض وقوف واشنطن إلى جانب دولة احتلال وتجاهل محنة الفلسطينيين، وساهمت في التأثير على الرأي العام الأمريكي الذي شهد خطابًا مختلفًا تجاه القضية الفلسطينية لأول مرة. وفي تلك الفترة أصدرت 150 منظمةً أمريكيةً ليبرالية بارزة بيانًا مشتركًا يدعو للتضامن مع الفلسطينيين وإدانة العنف الإسرائيلي، ولم يقتصر ذلك على المنظمات المنشغلة في قضايا الشرق الأوسط بل توسع ليشمل المنظمات النسوية والمهتمة في القضايا المناخية والعدالة العرقية. وهذا البيان يعكس التوجهات الجديدة على المستوى القاعدي في أمريكا، والتي تتجاوز الموقف التاريخي تجاه إسرائيل.
ما بين هبة أيار وزيارة بايدن لإسرائيل تظهر التوجهات المتعارضة في الحزب الديمقراطي من الموقف تجاه إسرائيل. ورغم أن تمثيل التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي ما يزال محدودًا حتى الآن في الكونغرس، إلّا أن قاعدته الشعبية تتسع معبرًا عن ميلٍ متنامٍ قد يساهم في إحداث تغيير في السياسة الأمريكية على المدى الطويل.
ما تزال إسرائيل عنصرًا مهمًا في الدعاية الانتخابية للحزبين، ولا تزال لوبياتها تقود واحدة من أكبر حملات التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية
ما تزال إسرائيل عنصرًا مهمًا في الدعاية الانتخابية للمرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولا تزال لوبياتها تقود واحدة من أكبر حملات التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية، التي تم عبر عقود مأسستها وقبولها كأمر طبيعي. وإذا كان الأخير سيبقى متمكسًا في دعم إسرائيل، فإن الأول يمر بتحولات كثيرة قد تنتهي، كما يأمل مناصرون للقضية الفلسطينية، إلى تغير في الموقف من إسرائيل أو أقلها التشكيك في الدعم غير المشروط لها.