"لكل رئيس دستوره" منذ استقلال الجزائر، إلا أن الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة تمكن من إجراء تعديلين على الوثيقة الرسمية التي تحكم النظام الجزائري الأول، التعديل الأول كان سنة 2008 ووصف بالتعديل الجزئي والثاني في السابع من شباط/فبراير الجاري، ليحمل بين مبادئه إصلاحات جديدة وتعديلات عميقة وصفت بـ"التاريخية والجذرية" وأعطت أسسًا جديدة للممارسة السياسية، خصوصًا وأن الغاية منه، بحسب بوتفليقة، هو أن يكون "حصنًا منيعًا ضد التقلبات السياسية والأخطار التي تهدد الأمن الداخلي للبلاد".
تمكن بوتفليقة خلال فترة حكمه من إجراء تعديلين دستوريين ووصف تعديل 7 فبراير الجاري بالجذري والعميق
وبحسب المجلس الدستوري الجزائري، فإن حزمة التعديلات التي مست هذه الوثيقة وعددها 74 تعديلًا و38 مادة جديدة "لا تمس بالتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية"، وهي التعديلات التي صادقت عليها الأغلبية الساحقة في البرلمان الجزائري، بموافقة 499 نائبًا من بين 606 نائبًا ومعارضة نائبين فقط وامتناع 16 نائبًا عن التصويت. وقد شهدت جلسة التصويت مقاطعة كل من كتلة جبهة القوى الاشتراكية وجبهة العدالة والتنمية وكذلك تكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم ثلاثة أحزاب وهي "حركة مجتمع السلم" و"حركة الإصلاح الوطني" و"حركة النهضة"، كما قررت كتلة حزب العمال حضور جلسة التصويت والامتناع عن التصويت.
ومن أهم ما جاء في الدستور الجديد تحديد العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وترسيم الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وإلزام الوزير الأول بتقديم عرض حال السياسة العامة كل سنة وأعطى للبرلمان الحق في مناقشة الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها من قبل الرئيس وتحديد العمل بالمراسيم الرئاسية إلا في الحالات المستعجلة وأثناء عطلة البرلمان، فضلاً عن تكريس الوجود الدستوري للمعارضة وفرض إلزامية الحضور الفعلي في البرلمان ومنع النواب من تغيير الأحزاب التي انتخبوا على أساسها احترامًا للعهدة النيابية.
كما تتضمن التعديلات منع أي تدخل في مسار القضاء ومعاقبة أي عرقلة في تنفيذ قرارات العدالة وحرية التظاهر السلمي للمواطن وضمان حرية الصحافة المكتوبة والمسموعة والالكترونية ومنع سجن الصحافي وحماية الحريات الشخصية.
نواب البرلمان الجزائري وقعوا إذًا لشهادة ميلاد دستور بتعديلات جديدة وجوهرية، صفقت لها أحزاب الموالاة للسلطة وهي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحزب تجمع أمل الجزائر، كما اعتبرتها مرحلة جديدة من تاريخ الجزائر فيما رفعت أحزاب المعارضة يدها عن التوقيع على صك التعديلات التي تراها في خدمة السلطة وبعيدة عن مطالب الشعب.
رفضت أحزاب المعارضة الجزائرية التوقيع على التعديلات الدستورية التي تراها في خدمة السلطة وبعيدة عن مطالب الشعب
برأي المقاطعين لجلسة التصويت وعددهم 89 نائبًا، فإن "التعديلات جاءت غير توافقية وميّعت المسؤولية السياسية بعدم تحديد طبيعة النظام السياسي والذي لا يكرّس الفصل بين السلطات والتوازن بينها واستقلالية القضاء، كل لا يكرس لمبادئ شفافية الانتخابات باعتبار تعيين أعضاء اللجنة المستقلة من قبل رئيس الجمهورية". كما رفضت المعارضة السياسية في الجزائر تمرير هذه التعديلات لأنها كانت بعيدًا عن النقاش المعمق والمشاركة الشعبية وتم حرمان البرلمان من مناقشتها.
كما خلقت المادة الـ51 من التعديلات الدستورية لغطًا كبيرًا وجدلًا في الساحة السياسية لأنها تمنع الجزائريين المقيمين بالخارج، لمدة تتجاوز 10 سنوات، من الترشح لرئاسة الدولة وتمنع أيضًا تمكين الكوادر الجزائرية في الخارج من الوظائف السامية في البلاد. وبخصوص هذه المادة ترى أحزاب المعارضة أنها "تقطع الطريق أمام عودة الكوادر الجزائرية من الخارج واستثمار خبراتهم في البلاد"، فيما علقت أحزاب السلطة التي وافقت على الدستور بأن "لهذه المادة ما يبررها واقعيًا، رافضين أن يحكم الجزائر من لم يكن له احتكاك بالعمق الجزائري".
بالرغم من كون أصوات المعارضة في الجزائر كانت خافتة أمام الأغلبية الساحقة التي وقعت ميلاد عهد سياسي دستوري جديد، فبرأي المتابع للشأن السياسي الجزائري، الإعلامي ياسين محمدي، فإن بعض النصوص في التعديلات الدستورية "تعد شكلًا إيجابية"، خاصة فيما أقره بوتفليقة من "تحديد العهدات الرئاسية وكذلك رفع عقوبة السجن ضد الصحفيين"، لكن يطرح المتحدث في تصريح لـ"الترا صوت" إشكالًا يتعلق بـ"حقيقة وجود إرادة سياسية لتحقيق ذلك وتنفيذ ما جاء في القوانين المعدلة والمواد التي مست هذه الوثيقة على أرض الواقع".
اقرأ/ي أيضًا: