حبس السودانيون أنفاسهم لساعات طويلة بانتظار بيان هام أعلنت عنه القوات المسلحة فجر الخميس، وذلك بعد تواصل الاحتجاجات لليوم الخامس بمحيط قيادة الجيش وسط العاصمة الخرطوم، وفتح تأخر إذاعة البيان الكثير من المخاوف والأسئلة، مفجرًا في الوقت نفسه الشائعات حول مصيرة البشير وحكومته والخلاف داخل هيئة الأركان حول من الشخصية الأنسب لقيادة الحراك العسكري، علاوة على الالتفاف على مطالب المحتجين.
بالرغم من حالة الفرحة التي سبقت بيان الجيش السوداني، كإطلاق الزغاريد وأبواق السيارات في شوارع الخرطوم، إلا أن البيان الموسوم بالانقلابي جاء مخيبًا للأمال، ولاقى رفضًا واسعًا
وبالرغم من حالة الفرحة التي سبقت بيان الجيش، كإطلاق الزغاريد وأبواق السيارات في شوارع العاصمة الخرطوم، إلا أن البيان الموسوم بالانقلابي جاء مخيبًا للأمال، حيث أعلن وزير الدفاع النائب الأول الفريق عوض بن عوف عزل الرئيس البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، وتعطيل الدستور وحل الحكومة وإعلان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر وتولى قيادة البلاد عبر مجلس عسكري لمدة عامين، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.
هتافات ومخاوف
واجه المعتصمون البيان بالرفض والهتاف ضده، معتبرين انفراد الجيش بالسلطة يمثل انقلابًا آخر على الإرادة الشعبية. واعتبرت قوى المعارضة أن سلطات النظام نفذت انقلابًا عسكريًا تريد أن "تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار الشعب عليها"، وارتفع الهتاف في محيط القيادة العامة "الليلة ما بنسكت إلا إبن نعوف يسقط"، فيما كشفت مصادر صحفية عن خلافات حول تشكيل المجلس العسكري.
اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"
تلى رئيس المجلس العسكري عوض بن عوف البيان بصورة مرتبكة، إذ يحتفظ له الثوار بمواقف سالبة من الحراك الشعبي في بداياته، كما أنه يعاني أيضًا من مشاكل خاصة بالمحكمة الجنائية التي ضمته لقائمة المطلوبين لديها، عطفًا على ذلك بدا ظهوره على رأس الحراك العسكري محض تمثيلية بينه والبشير، أقرب إلى تبادل الأدوار وضمان المخارجة دون محاسبة، بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره انقلابًا عسكريًا ضد المنظومة السياسية في الإنقاذ من قبل الجناح العسكري، بغية التحالف مع منظومة سياسية جديدة لا غير، كما يرى البعض.
بيانات الرفض
ورفضت قوى إعلان الحرية والتغيير ما ورد في بيان من وصفهتم بـ"انقلابيي النظام"، داعية الشعب إلى المحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم، وللبقاء "متمسكين بالميادين والطرقات التي حررناها عنوة واقتدارًا حتى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة. هذا هو القول الفصل وموعدنا الشوارع التي لا تخون"، وفقًا لبيان المعارضة.
سيسي جديد ربما
وكانت مصر أول الدول العربية التي تعترف بانقلاب الجيش السوداني، وقالت الخارجية المصرية إنها تتابع باهتمام التطورات الجارية والمتسارعة في السودان، داعية المجتمع الدولي إلى "دعم خيارات الشعب السوداني، وما سيتم التوافق عليه في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة"، وناشدت مصر العالم "لمساندة السودان ومساعدته على تحقيق الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل بما يحقق الطموحات المشروعة لشعبه"، فيما أثار هذا الدعم للانقلاب العديد من المخاوف بأن يكون ثمة تنسيق جرى لاستنساخ سيسي جديد في السودان.
الحزب الحاكم المعارض
في السياق عينه رفض المؤتمر الوطني الحاكم بيان الجيش، وهدد بالنزول إلى الشارع إن لم يتم إطلاق سراح قادته دون قيد أو شرط، مطالبًا المجلس العسكري بتهيئة المناخ السياسي لعمل حر بعيدًا عن القمع.
موقف المؤتمر الشعبي الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي لم يتضح بعد، لكنه بدا أكثر ارتياحًا لهذه التطورات مع مخاوف نسبية، وقال القيادي في الشعبي صديق محمد عثمان لـ"الترا صوت" إن المطلوب من هيئة أركان الجيش استلام أعمال السيادة الوطنية من البشير، ومن ثم التوافق مع القوى السياسية على إجراءات حل وتعطيل مؤسسات السلطة وكيفية استمرار المؤسسات التي لا غنى عنها لأمن وسلامة الدولة، وكذلك "الاتفاق على تشكيل مجلس وزراء انتقالي وآلية التشريع لقانون وإجراءات الانتخابات".
وطالب عثمان بأن تتولى قيادة الجيش وليس النائب الأول إدارة البلاد، بجانب تجميد العمل بالمؤسسات الخلافية مثل جهاز الأمن مرحليًا وأن توكل مهمة إدارة الوزارات بعد دمجها للوكلاء مؤقتًا ريثمًا يتم الاتفاق على مجلس وزراء من الكفاءات المستقلة.
اقرأ/ي أيضًا: عام الثورة على المأساة في السودان
وخلص عثمان إلى ضرورة استقالة ابن عوف ليلحق برئيسه وتشكيل المجلس العسكري من هيئة قيادة الجيش، مضيفًا "الأوفق أن ينشأ مجلس أعلى للسلام يترأسه أحد أعضاء المجلس العسكري يتولى مهمة توفيق أوضاع قوات الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى".
اعتبرت قوى المعارضة السودانية أن سلطات النظام نفذت انقلابًا عسكريًا تريد أن "تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار الشعب عليها"
انقلاب على الثورة
أما حزب المؤتمر السوداني فقد أبدى رفضه لما أسماه بالانقلاب على الثورة الشعبية، وقال الحزب في بيان تلقى "ألترا صوت" نسخة منه: "لسنا ممن يعودون من منتصف الطريق"، مشيرًا إلى أن بيان الجيش جاء مخيبًا للتطلعات ومعبرًا عن رغبة أكيدة فى "استمرار النظام الفاشل والتضحية برئيسه أمام الثورة الشعبية الباسلة التى لم تندلع و تستمر طوال أربع أشهر وتقدم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمعذبين لتحصل على حكومة إنقاذ ثانية، بدون البشير الذى يقبع فى مكان آمن"، وفقًا للبيان الذي طالب أيضًا بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية لمدة أربع سنوات، وتكوين مجلس سيادة من مدنيين و عسكريين يتولى مهام الإدارة وممارسة سيادة الدولة لفترة انتقالية مدتها أربع سنوات.
اقرأ/ي أيضًا: