05-مارس-2019

الوضع الصحي في لبنان ما بين انعدام الأمن الصحي وغياب الرقابة والمحاسبة (أ.ب)

يغرق لبنان في مستنقع من مزيج الفساد وجشع المسؤولين، الأمر الذي ينعكس أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة على المواطن اللبناني. ولا يشذ ملف الصحة والطب عن تلك القاعدة العامة للوضع اللبناني.

يمكن وصف الوضع الصحي في لبنان بـ: انعدام للأمن الصحي وانتشار للأوبئة والأمراض والدواء الفاسد، مع غياب للرقابة

ويمكن وصف الوضع الصحي في لبنان بـأنه حالة من انعدام للأمن الصحي، وانتشار للأوبئة والأمراض، مع غياب للرقابة الغذائية، وفي المحصلة مواطن رازح تحت نير كل ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاس وفساد

بين وزارة الصحة والضمان الاجتماعي

يستفيد موظفو القطاع العام في لبنان، وقسم كبير من موظفي القطاع الخاص، وطلاب الجامعة اللبنانية، وسائقو سيارات الأجرة، من خدمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي يغطي قسمًا من فاتورتهم الصحية.

وكباقي القطاعات والمؤسسات التابعة للدولة، يعاني هذا الصندوق من مشاكل بنيوية وتنظيمية، فينتظر المواطنون أشهرًا طويلة للحصول على مستحقاتهم المالية. كما أن المواطن المضمون يتكفّل بدفع ما يسمى بـ"فارق الضمان"، في حال دخوله المستشفى، والذي قد يفوق قدرته في الكثير من الأحيان. مع العلم بأن الضمان الاجتماعي لا يغطي مختلف الأمراض، وكذلك الحال بالنسبة للأدوية.

وكان المضمونون قد طالبوا في عام 2016، برفع تغطية الأمراض المستعصية من 95% إلى 100%. ويقصد بالأمراض المستعصية مثل السرطان والتصلّب اللويحي والضغط، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة علاجها. لكن القرار جاء بالرفض من مجلس الوزراء آنذاك، بذريعة أنه يزيد الضغط على الصندوق.

أما المواطنون الذين لا ينتسبون للضمان الاجتماعي، والذين ليست لديهم القدرة المادية للحصول على تأمين طبي عند شركات التأمين؛ فإن وزارة الصحة تؤمن لهم الطبابة، ومع ذلك فمعظم المواطنين لا يحصلون على هذه الخدمة التي هي من أبسط حقوقهم، بسبب عدم وجود أسرّة فارغة في المستشفيات، أو بسبب انتهاء الميزانية السنوية المخصصة من الوزارة!

الصحة في لبنان
ينعدم الأمان الصحي في لبنان

هذا وتنتشر في لبنان ظاهرة عدم استقبال معظم المستشفيات للمرضى، وحتى في الحالات الطارئة، في حالة عدم تأمين عربون مالي كبير مسبقًا. وفي أغلب الحالات لا يمتلك أهل المريض قيمة المبلغ المطلوب، بل إن بعض المرضى يموتون على أبواب المستشفيات بسبب رفضها لاستقبالهم.

أدوية فاسدة بأسعار جنونية وصفقات مشبوهة

لا يبدو سوق الأدوية في لبنان بحال أفضل من القطاعات الأخرى المتعلقة بصحة المواطن. وكل فترة وأخرى تظهر فضائح عن صفقات لأدوية فاسدة يتم إدخالها إلى البلد وبيعها للمواطنين. 

ولعل من أبرز فضائح الدواء الفاسد في لبنان، ما تم كشفه في 2017 في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، حيث كانت إحدى الموظفات هناك تزوّر الأدوية الفاسدة التي انتشرت في السوق اللبناني، منذ 2009، فيما أجهزة رقابة الدولة تغط في سبات عميق!

كذلك ترتفع أسعار الأدوية في لبنان بشكل جنوني، دون الأداء المناسب الرقابي والضبطي للسوق والأسعار من قبل وزارة الصحة، خاصة مع تفشي المحسوبيات والرشاوى. حتى بات لبنانيون يلجأون لشراء الأدوية من الخارج، كونها تكون أرخص ثمنًا.

وعلى صعيد المستشفيات، تتفاوت الخدمة من منطقة لأخرى. وتتجمع معظم المستشفيات التي تمتلك التجهيزات اللازمة للحالات الخطيرة، في العاصمة بيروت وضواحيها، فيما يضطر أهالي القرى النائية لقطع عشرات الكيلومترات أحيانًا، للوصول إلى مستشفى مناسب. كما تعاني بعض المناطق من قلة في عدد المستشفيات، ما يُصعّب من عملية الاستشفاء أكثر فأكثر.

بدائل الطب الشعبي والتداوي بالأعشاب

في ظل تراجع نوعية الخدمة الصحية في لبنان، وارتفاع تكلفتها بشكل يفوق قدرة كثير من المواطنين، يلجأ لبنانيون إلى حلول بديلة، مستقاة من تراث قديم، لا تزال بعض آثاره باقية في بعض القرى التي تعتمد على الطب الشعبي البديل والتداوي بالأعشاب.

وانتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة خبراء الأعشاب. وقد استفادت شركات أدوية الأعشاب من القدرة الكبيرة للتلفزيونات في التأثير وإقناع المشاهد، فأغرقت الشاشات بشرائط إعلانية تعرض منتوجات وتدعي أنها  قادرة على شفاء عدد لا يحصى من الأمراض، باختلاف درجاتها وخطورتها! 

الصحة في لبنان
كل فترة وأخرى تظهر فضائح عن صفقات لأدوية فاسدة يتم إدخالها إلى لبنان وبيعها للمواطنين

وحقق أصحاب هذه الشركات أرباحًا ضخمة خلال سنوات قليلة، في ظل غياب تام لأجهزة رقابة الدولة، التي لم تستفق إلا متأخرة لمراقبة هذه الظاهرة.

الطب الروحي له مجاله أيضًا بين بعض اللبنانيين، بالاستشفاء على يد شيوخ، أو بزيارة الأضرحة والمقامات. وتدخل هذه العادات كجزء من الإيمان الجماعي لشرائح وازنة في المجتمع، فيما يعتبر آخرون أنها طقوس من باب أن "الغريق يتمسك بقشة".

وكما لدى كل الثقافات والحضارات، تنتشر في لبنان -مع اختلاف بين المناطق والطوائف- عادات وتقاليد صحية وعلاجية، متجذرة في ثقافة الناس، توارثتها الأجيال مع مرور السنين فأصبحت بالنسبة لمعظمهم حقائق دامغة لا يقبلون الشك بها، مع العلم أنها لا تستند في الغالب على حقائق علمية ولا طبية.

ويعتقد كثير من اللبنانيين في ما يعرف بـ"صيبة العين" أو الحسد، وبالتالي فإنهم ينسبون الكثير من أمراض أطفالهم إلى نظرة حسد من أقاربهم وجيرانهم، ويلجأون لإجراءات احترازية للوقاية منها، كالخرزة الزرقاء مثلًا.

وفي الحالات المستعصية والتي لا تنجح معها التعويذات في دفع ألم الرأس أو غيره، يذهب كثيرون إلى تقنية سكب الرصاص، حيث يتم تذويب الرصاص بالنار، ثم يتم سكبه في وعاء يوضع على رأس المريض.

لا يكترث هؤلاء كثيرًا للمعايير الطبية والعلمية لدى البحث عن العلاج لأمراضهم، وقد يلجأون لأي طريقة يعتقدون أنها قادرة على تخفيف آلامهم وآلام ذويهم، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

لا يكترث كثير من اللبنانيين للمعايير العلمية عند التعرض لأي علاج لأمراضهم، فالهدف الأساسي تخفيف الآلام بأي طريقة على قدر ما يملكون

وتنتشر المعلومات والنصائح والوصفات الطبية المغلوطة كالنار في الهشيم، كما يساهم الاستخدام غير المسؤول للإنترنت في نشر المغالطات الطبية، التي سرعان ما تُتداول في المجالس الخاصة، وربما يُعمل بها، من باب المثل الشعبي الشهير: "اسأل مجرب ولا تسأل حكيم"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يموت أطفال رضع أمام المستشفيات في لبنان؟

قطاع الأدوية في لبنان.. مافيا تقتل المواطنين