تواجه منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحديات مناخية صعبة، فهي مصنفة حسب البنك الدولي كأكثر المناطق تعرضًا لتبعات الاحترار العالمي على هذا الكوكب، إذ تعاني من الارتفاع المطرد لدرجة الحرارة والجفاف وندرة المياه العذبة.
ومما يثير القلق أن هذه البقعة من الأرض من المتوقع أن تكون من أولى مناطق العالم التي ستنضب احتياطاتها المائية بشكل حاد للغاية، حيث تستهلك المياه بدرجة أكبر بكثير من نسب التساقطات المطرية، مما يحول دون تجديد مواردها المائية.
ويظهر أن هذا الجفاف المفرط الناجم عن التغير المناخي، والذي سيزداد سوءًا مع مرور السنين، بدأ يخلف خسائر مدمرة على الأمن المائي والغذائي لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط منذ الآن. بدون أن نتطرق إلى توقعات الخبراء بحلول 2050، والتي تقول بأن أجزاء من المنطقة لن تعود قابلة للعيش فيها.
ومع ذلك لا يبدو حتى الآن أن بلدان هذه البقعة مستعدة بما فيه الكفاية لمواجهة هذه التحدي المناخي الكبير، فهي لا تزال تعاني من الفساد المزمن وسوء الإدارة والحوكمة ونقص الخبرة والتكنولوجيا، فضلًا عن ضعف الوعي المناخي وسط مجتمعاتها.
لا يوجد استعداد في منطقتنا لمواجهة التحدي المناخي الكبير، إذ لا تزال تعاني من الفساد المزمن وسوء الإدارة والحوكمة ونقص الخبرة والتكنولوجيا، فضلًا عن ضعف الوعي المناخي وسط مجتمعاتها
وبالتأكيد كل هذه العوامل تساهم في تعثر محاولات التكيف مع تبعات التغيرات المناخية، لكن هناك سببًا ثقافيًا رئيسًا، يبدو أنه العائق الأكبر للاستعداد للتعامل مع هذا الوضع، وهو نظرة مجتمعات المنطقة لكوارث الطبيعة بشكل عام على أنها "قدر إلهي لا دخل للإنسان فيها".
الكوارث ابتلاء وعقاب من الله
عندما ضرب الزلزال جنوب تركيا وشمال سوريا ووسطها العام الماضي، طفت إلى السطح التفسيرات الدينية لهذه الكارثة الطبيعية في مجتمعاتنا العربية، بين من يعتبرها ابتلاء من الله وآخرين عقابًا إلهيًا!
وفي هذا الشأن، قال عبد الله رشدي في فيديو على صفحته على الفيسبوك الواسعة الانتشار، إن "البلاء دليل على ازدياد الفساد في الأرض". أما الشيخ السلفي المصري، أبو اسحق الحويني، فقد ادعى أن "الزلازل عقاب إلهي، وتذكير للناجين أن يعودوا إلى الله". وعلى هذه الشاكلة، برزت العديد من تصريحات رجال الدين وضجّت الشبكات الاجتماعية بالتعليقات والمنشورات.
هذا على الرغم من أن الكارثة خلفت خرابًا هائلًا وأزيد من 50 ألف وفاة، الكثير منهم من النازحين السوريين الذين اجتمعت عليهم كل مصائب الدنيا من حروب وفقر ومرض.
لكن هذا التصور، الذي ينظر إلى الزلازل على أنها "ابتلاء أو عقاب إلهي"، ليس غريبًا. فهو مستمد من التراث التقليدي، حيث نجد هذه التفسيرات تهيمن على طريقة تناول الكوارث الطبيعية بشكل عام.
ومن المعلوم أن التغير المناخي يزيد من حدة وتواتر الكوارث الطبيعية، من جفاف قاحل وفيضانات عارمة وحرائق كاسحة، علاوة على الحرارة الشديدة والعواصف المدمرة.
لكن كيف يمكن لفكرة الإيمان بالكوارث الطبيعية كقدر إلهي أن تؤدي إلى التقاعس عن العمل في مواجهة الضرر المحتمل الناجم عن تغير المناخ؟
عواقب هذا التصور القدري
تترتب على النظرة القدرية للرأي العام العربي، تجاه الكوارث المناخية، نتائج كبيرة في طريقة معالجة هذه المعضلة الوجودية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
أولها، عدم استعداد المنطقة حكومات وشعوب لعواقب التغير المناخي. فما دامت الكوارث المناخية هي من عند الله "ابتلاء أو عقابًا"، كما يسود الاعتقاد، فلا معنى للتجهز لها ومواجهتها. مما يعرض الأمن الغذائي والمائي للمجتمعات المحلية للخطر في غياب الاستعداد الكافي.
أما النتيجة الأخرى، وهي الأسوأ، تتمثل في تحييد المسؤولية عن الحكومات وعدم محاسبتها على سياساتها الفادحة عندما يتعلق بمصائب التغير المناخي. إذ إن الشعوب لا ترى حكوماتها مسؤولة عن الكوارث المناخية التي قد تقع، وإنما هي "قدر من عند الله" لا مناص منه. وبالتالي، يصبح المواطنون أقل ميلًا إلى محاسبة ممثليهم المحليين والحكوميين حول الأزمة.
وهذا يسهل على المسؤولين الحكوميين التهرب من المسؤولية والمحاسبة أمام الرأي العام، بل يمكنهم بسهولة تبرير سياساتهم الفاشلة، وتعليقها على شماعة التغير المناخي. وهذا ما نراه عندما يصرح العديد من الوزراء بالمنطقة أن سبب الغلاء هو الجفاف الناجم عن التغير المناخي!
إن أول ما ينبغي القيام به هو تعديل النظرة الدينية للكوارث الطبيعية عمومًا، التي تنفي مسؤولية الإنسان فيها وتلغي دوره في مواجهتها ومعالجتها
على هذا النحو، يمكن أن يقود الترويج لخطاب التغير المناخي في المنطقة الناطقة بالعربية إلى نتائج عكسية تمامًا، حيث قد يصبح جزءًا من المشكلة وليس الحل.
الحاجة إلى تغيير هذه النظرة الثقافية الدينية
من هنا تأتي الحاجة الماسة إلى معالجة النظرة الثقافية المتغلغلة في عقول شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط بخصوص التغير المناخي والكوارث الطبيعية عمومًا.
إن أول ما ينبغي القيام به هو تعديل النظرة الدينية للكوارث الطبيعية عمومًا، التي تنفي مسؤولية الإنسان فيها وتلغي دوره في مواجهتها ومعالجتها. وبالتالي الحاجة إلى إصلاح ديني تحديدًا في هذا الشق عن طريق الرموز الإسلامية، من أجل نشر تصور متنور ومسؤول حول التغير المناخي والكوارث الطبيعية وسط الرأي العام.
ثم من ناحية أخرى، لا ينبغي للصحافيين والناشطين البيئيين في العالم العربي التحمس كثيرًا في إحالة كل شيء إلى التغير المناخي. فلا يزال الفساد وسوء الإدارة والحوكمة حتى الساعة السبب الرئيسي في الجوع والعطش والغلاء المنتشر في المنطقة. فضلًا عن أن التغير المناخي نفسه هو نتاج فعل بشري أكثر مما هو طبيعي.
وحتى لو كان التغير المناخي مساهمًا قويًا في عدد من الكوارث، مثل الجفاف والفيضانات والحرائق والتهجير، فهذا لا ينفي مسؤولية الحكومات، التي تتحمل مسؤولية التعامل مع التغير المناخي وتبعاته، وإيجاد حلول للتكيف وتخفيف الأضرار.
فلا جدوى إذن من الارتكان إلى قدرية الكوارث المناخية والطبيعية، إذا ما أردنا النجاة وإنقاذ مجتمعاتنا المحلية الفقيرة من أهوال الاحترار العالمي القادمة. بل محاسبة الحكومات وتحميلها المسؤولية، مع الاستعداد الجيد لكوارث التغير المناخي، هو ما يمكن أن ينقذنا.
ولنأخذ العبرة من هذا المثال، عندما ضرب زلزال قوته 5.9 درجات ولاية باكتيكا بأفغانستان في 22 حزيران/يونيو 2022، حصد أكثر من 1000 قتيل مع آلاف الإصابات وشُرّد عشرات الآلاف. لكن، حينما ضرب اليابان مستهل هذا العام زلزالا أشد بلغت قوته 7,5 على مقياس ريختر، لم يقتل سوى 126 شخص وإصابة 516.