اللاجئ إنسان مر بتجربة "إنسانية" جعلته يرى العالم من الخارج ويعري زيفه، ويلبس الحقائق وقعًا مختلفًا، ولأن ليس كل الناس شعراء وليسوا جميعهم أدباء، قادرون على إتقان فن الكلمة، ولأن الكلمة لغة عالمية، فقد استخدم اللاجئون مختلف الفنون، ليس من منطلق التعبير عن مآسيهم وأحلامهم ولا حتى من باب تعريف العالم بما هم فيه بل أيضًا لأن الفن حاجة، ولأنه عامل مهم للحفاظ على التوازن العقلي والنفسي.
استخدم اللاجئون مختلف الفنون، ليس من منطلق التعبير عن مآسيهم وأحلامهم بل أيضًا لأن الفن حاجة، ولأنه عامل مهم للحفاظ على التوازن النفسي
في أول هذا الشهر وتحديدًا في التاسع من آذار/مارس قام مهرجان "عالم واحد" في براغ تحديدًا بتدشين مجموعة من الأفلام الوثائقية، التي تناقش حقوق الإنسان وتم التركيز على أزمة اللاجئين في العالم.
صورة أخرى للتضامن الإنساني كانت من الفنان والناشط الصيني آي ويوي، 58 عامًا، اهتم بقضية الاستجابة الأوروبية لأزمة اللاجئين من خلال استخدام الآلاف من سترات النجاة، التي يستخدمها المهاجرون الذين يصلون إلى الجزيرة اليونانية ليسبوس، ما قام به الفنان هو استخدام 14 ألف سترة نجاة لتغطية أعمدة مسرح "كنزرثيوس" في برلين رفقة فريقه. يقول ويوي إن "كل سترة نجاة تعبر عن حياة فرد في رحلته من أجل الأمل، بحثًا عن حياة أفضل، فالآلاف من اللاجئين خاطروا بحياتهم هربًا من جحيم الموت في بلادهم وبحثًا عن حياة أفضل في أوروبا.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا كموضة ثقافية
بدوره لم يكتف فنان الغرافيتي المشهور بانكسي برسم الجدارية التي أثارت الكثير من الجدل، وأظهرت مؤسس شركة "أبل" الراحل ستيف جوبز كمهاجر من سوريا، بل عاد مرة أخرى ليسلط الضوء على قضية اللاجئين في أوروبا، من خلال لوحة جديدة، انتقدت استخدام السلطات للغاز المسيل للدموع في مواجهة اللاجئين في مخيم "كاليه" بفرنسا.
فنون في المخيمات
في مخيم الزعتري، نشرت صحف عربية قصة اللاجىء محمود الحريري، الذي أمضى أشهرًا يعمل على بناء نموذج لمدينة "تدمر" في ورشة مخيم الزعتري، شمال الأردن. واستخدم "أسياخ الشاورما" والطين لوضع اللمسات الأخيرة على عمله الفني. ولم يعرف في تلك اللحظة بالذات أن مسلحي تنظيم "داعش" كانوا يتقدمون على المدينة الأثرية لانتهاكها. قال محمود إن "تاريخنا يتعرض للتدمير، ليس تاريخ سوريا وحدها بل تاريخ العالم. فعمر هذه المواقع يمتد آلاف السنين وحين تُدمر لا يمكن أن يُعاد بناؤها كما يعاد بناء طريق أو مطار".
اقرأ/ي أيضًا: كاليه.. برزخ اللجوء
شكل اللاجئ محمود الحريري مجموعة أطلق عليها اسم "فن من الزعتري"، وبدؤوا مشروعًا لإعادة بناء أشهر معالم سوريا التاريخية في نماذج مصغرة
كان محمود معلمًا يدرس تلاميذه الفن حين هرب عام 2013 من منزله في مدينة درعا، حيث اندلعت شرارة الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد. وقال إنه غادر مثل الآخرين هربًا من قنابل النظام ودباباته. وفي مخيم الزعتري، التقى الحريري سبعة فنانين آخرين من درعا. وفي نهاية عام 2014 شكلوا مجموعة أطلقوا عليها اسم "فن من الزعتري"، وبدؤوا مشروعًا لإعادة بناء أشهر معالم سوريا التاريخية في نماذج مصغرة.
وصنع الفنانون في ورشة المخيم 12 نموذجًا مستخدمين أدوات بسيطة وما يتيسر من مواد تقع أياديهم عليها، بما في ذلك الإسمنت ومئات الأسياخ الخشبية، وإلى جانب تدمر أعاد الفنانون بناء جسر دير الزور المعلق، الذي بناه الفرنسيون عام 1927 على نهر الفرات، وقلعة حلب، التي تعود إلى القرون الوسطى وسط المدينة وتستخدمها قوات النظام الآن قاعدة عسكرية بعد إصابتها بأضرار جسيمة.
يبدو في النهاية، أن الفن أكثر الوسائل عالمية وقوة وقدرة على إحداث فارق سواء في صورة اللجوء وقدرته على التعبير أو في جعل العالم مكانًا أفضل ولو بفن نابع من بشاعة الأحوال الإنسانية.
اقرأ/ي أيضًا: