05-أغسطس-2024
وزراء خارجية دول الصومال وإثيوبيا وتركيا

تركيا تتوسط في الأزمة بين الصومال وإثيوبيا (الأناضول)

تمر العلاقات الصومالية الإثيوبية بمرحلة عصيبة على إثر اتفاق أديس أبابا مع الحركات التي تؤيد الانفصال في "أرض الصومال"، في كانون الثاني/يناير الماضي، على استئجار شريط ساحلي بطول 20 كلم مربّع مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم عن مقديشو. ونظرًا للدور التركي المتعاظم في القرن الإفريقي، قادت أنقرة وساطة لإصلاح العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا.

وفي أحدث فصول هذه الوساطة، استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ووزير خارجيته تاي أسقي سيلاسي، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي يقوم بزيارة رسمية للبلاد لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين من جهة، والمصالحة بين أديس أبابا ومقديشو من جهة ثانية.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد توجه في أيار/مايو الماضي إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وطلب منه أن تتوسط تركيا بين البلدين لحل الخلاف المتعلق باتفاق حول ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال.

خاض الصوماليون والإثيوبيون، حتى هذه اللحظة، جولتيْ مفاوضات في أنقرة

وأسفرت الوساطة التركية في تموز/يوليو الماضي عن استضافة أنقرة لوزيري خارجية إثيوبيا والصومال اللذين وقّعا بيانًا مشتركًا بعد محادثات وصفت بـ"الصريحة والودية" فيما يتعلق بحل الخلافات بين البلدين.

وأعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن الجولة الثانية من المحادثات ستعقد في الثاني من أيلول/سبتمبر المقبل في أنقرة، مما يشير إلى استمرار الجهود التركية في لعب دور الوسيط لتحقيق تفاهمات دبلوماسية بين أديس أبابا ومقديشو التي استعانت بتركيا لتأمين سواحلها تحت يافطة التنقيب عن النفط والغاز. ولعلّ هذا ما دفع أديس أبابا إلى مطالبة تركيا بلعب دور الوسيط نظرًا لتعاظم نفوذها في الصومال. فعلى الرغم من مصالح تركيا الكبيرة مع مقديشو، إلا أنها تتطلع أيضًا نحو إثيوبيا التي تعد القوة الرئيسية في المنطقة. ومما لا شك فيه أن أنقرة تسعى لتطوير علاقاتها بها في مختلف المجالات.

ويعتبر دور الوساطة، بحد ذاته، معزّزًا للحضور التركي في منطقة القرن الإفريقي، فقد كان بالإمكان الاستعانة بوسيط إفريقي، على غرار الاتحاد الإفريقي أو أي دولة إفريقية تتمتع بعلاقات مشتركة بين البلدين الإفريقيين.

وتفرض هذه الوساطة على أنقرة أن تخلق توازنًا بين تعزيز حضورها في القرن الإفريقي من ناحية، وتحقيق مصالح كلٍّ من الصومال وإثيوبيا من ناحية أخرى.

ويرى باحثون أتراك أن الاستراتيجية التركية للتوغل في إفريقيا تعتمد على ركيزتين، الأولى هي إقامة شراكات متنوعة مع مختلف دول القارة، ولا سيما الفاعلة منها، أما الركيزة الثانية فتتمثل في تجنب الانخراط في النزاعات الإفريقية - الإفريقية.

ويعتبر المتابعون للحضور التركي في القرن الإفريقي أنّ تركيا تحاول قدر الإمكان: "تجنب الانخراط السلبي في الصراعات الأفريقية للحفاظ على استراتيجيتها الرامية إلى بناء شراكات متعددة"، إلا أن الخلاف الإثيوبي الصومالي: "يمثّل تحديًا صعبًا أمام تركيا، ويضعها أمام اختبارٍ حقيقي لقدرتها في الحفاظ على توازن استراتيجيتها وتحقيق أهدافها في المنطقة".

الحضور التركي في القرن الإفريقي وأدواته

بدأت تركيا منذ التسعينيات في التوجه نحو إفريقيا وأميركا اللاتينية ضمن سياسة خارجية متعددة الأوجه. وأعلنت أنقرة، العام 2005 "عام إفريقيا"، منشّطةً بذلك عجلة شراكاتها وتعاونها مع القارة السمراء. عبر اتفاقيات تجارية وتنفيذ مشاريع للسلام والأمن بالدول الأفريقية.

وشهد العام 2008، نيل تركيا لقب الشريك الإستراتيجي للاتحاد الإفريقي، كتعبير عن قيمة أدوارها الاقتصادية والتجارية وحتى الأمنية الداعمة للسلام في إفريقيا.

لكن تعاظم الدور التركي في القرن الإفريقي برز على نحوٍ جلي منذ عام 2011، عندما انخرطت أنقرة في جهود متعددة الأبعاد في الصومال التي تعدّ من أكبر الداعمين للمعونات الإنسانية فيه، وتطور الأمر في عام 2013 بقيامها بدور الوساطة بين مقديشو وإقليم أرض الصومال، ووصل الأمر 2017 إلى افتتاح تركيا أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو. وتفكر أنقرة، حسب مصادر غربية، في فتح قاعدة ثانية في منطقة أغاديس شمال البلاد، وهي منطقة ذاتُ موقعٍ جغرافي استراتيجي، حيث تقع على تماس مع تشاد وليبيا والجزائر، كما يعد إقليم أغاديس مركزًا لمناجم اليورانيوم.

وفي وقت سابق من هذا العام، وقعت تركيا والصومال اتفاقًا للتعاون في مجالي الدفاع والاقتصاد خلال زيارة وزير الدفاع الصومالي لأنقرة. ومؤخرًا، عقد البلدان اتفاقيات تنقيب عن الغاز والنفط في السواحل الصومالية، وطلبت مقديشو بموجب تلك الاتفاقيات من أنقرة نشر قوات من الجيش التركي في المياه الصومالية.

تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها العسكري في القرن الإفريقي وسواحله من خلال الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع دوله

ويعكس التوجه التركي نحو منطقة القرن الإفريقي اهتمامًا تركيًا متزايدًا بالموارد الطبيعية والاستراتيجية في المنطقة، كما يعكس رغبةً تركيةً واضحةً لتعزيز وجودها ونفوذها هناك من خلال الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع دول القرن الإفريقي.

وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، ووزير النفط والثروة المعدنية الصومالي عبد الرزاق عمر محمد، قد وقّعا في إسطنبول اتفاقيةً بين أنقرة ومقديشو بشأن التنقيب عن الهيدروكربون وإنتاجه.

وعلى هامش فعاليات التوقيع، أوضح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن سفينة الأبحاث "الريّس عروج" التركية ستتوجه إلى الصومال برفقة سفن الدعم في نهاية أيلول/سبتمبر المقبل لبدء التنقيب.

ومن المتوقع أن تستغرق عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ما بين 3 إلى 5 سنوات، وفق ما ذكرت وكالة "الأناضول".

وستقوم تركيا بالتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية، وبهذا تكون واحدةً من الدول التي تمتلك أهم أساطيل سفن التنقيب في أعماق البحار، حيث أكد بيرقدار أن بلاده: "لا تُجري التنقيب في مياهها الإقليمية فحسب، بل ستجري عمليات تنقيب في سواحل دول عدة، وأن الاتفاقية المبرمة مع الصومال دليل على ذلك".

فوائد اقتصادية كبيرة

يُجمع المحللون الاقتصاديون في تركيا على أنّ اتفاقية التنقيب عن النفط والغاز الموقعة مع الصومال ستمنح تركيا فرصةً عظيمةً: "لتعزيز وجودها في سوق البحر الأحمر والقرن الأفريقي"، وما يترتب عن ذلك من فوائد وعوائد اقتصادية.

وتشير التقديرات الأولية أن تكاليف مشروعات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في الصومال لن تتجاوز نصف مليار دولار، مع العلم أن احتياطات الصومال من الطاقة لا تقل، حسب تقديرات أميركية، عن 30 مليار برميل من النفط والغاز.

هذا وتشمل الأهداف التركية، إلى جانب المصالح الاقتصادية، أهدافًا عسكرية بينها تعزيز النفوذ العسكري في القرن الإفريقي وسواحله بما يمنحها أوراق قوة إضافية على حساب منافسيها الإقليميين والدوليين وشركائها أيضًا، لا سيما في حلف شمال الأطلسي، وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تغادر بعض دول الساحل الإفريقي، وقد تغادر القرن الإفريقي مستقبلًا.

ووفق الاتفاق الممتد 10 سنوات، ستتولى تركيا حماية ما يقرب من 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية وجنود أتراك، ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الحماية ستشمل خليج عدن ومنطقة أرض الصومال.

ويشار إلى أنّ سفينةً عسكريةً تركية وصلت إلى ميناء مقديشو الدولي في نيسان/أبريل الماضي، في إشارة إلى التنفيذ العملي لاتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين.