أواخر نيسان/أبريل الماضي، انطلقت العروض العالمية لفيلم أمريكي تناول قضية لا تزال تثير حتى وقتنا الحالي الكثير من الأزمات بين طرفيها. الفيلم هو "الوعد"، والقضية سبب النزاع والخلاف هي قضية الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم هوليوود بإنتاج فيلم يتناول الإبادة الأرمنية ولكن ما يميز هذا الفيلم هو إنتاجه الضخم ووجود العديد من الأسماء الكبيرة، رغبةً في لفت الانتباه إلى المأساة التي حدثت عام 1915 بأيدي العثمانيين، فى واحدة من أبشع صور التطهير العرقي التى ارتكبت ضد الإنسانية فى القرن المنصرم حسب الكثير من المؤرخين لتلك الفترة.
الفيلم هو "الوعد"، والقضية سبب النزاع والخلاف هي قضية الإبادة الجماعية للأرمن على يد الدولة العثمانية
تدور أحداث "الوعد" في عام 1914 في نهاية حكم الإمبراطورية العثمانية، والتي تزامنت مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي الفترة التي تعرّض فيها الأرمن من سكان منطقة جبال آرارات التركية لمذبحة جماعية على يد الدولة العثمانية.
لا يركّز فيلم "The Promise" على الأحداث التاريخية فحسب، لكن خطّه الدرامي الأساسي هو مثلث قصة حب متخيلة تنشأ على أرض القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية، بطلتها فنانة أرمينية تدعى آنا (الفرنسية شارلوت لو بون) وهي شابة أرستقراطية نشأت في فرنسا، يقع في غرامها رجلان، الأول صحفي أمريكي (كريستيان بيل) يعمل لدى وكالة "أسوشيتد برس" الإخبارية ويهوى دومًا الغوص في القضايا المحفوفة بالمخاطر، أما الثاني فهو طالب أرمني يدعى مايكل (أوسكار أيزاك) يدرس الطب في العاصمة من أجل مساعدة أهالي قريته سيرون في جنوب تركيا.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Get Out".. أن تكون مدعوًا لا يعني أنه مرحب بك
يتعرّف طالب الطب النابغ على الصحفي المشاغب في القسطنطينية، وسرعان ما يقع في غرام صديقته الفنانة الأرستقراطية وتتطور الأحداث بين صراع العاشقين على قلب الفتاة الأرمينية الجميلة، إلا أن اندلاع الحرب ودخول السلطنة العثمانية حليفًا للألمان يخلط أوراق الجميع.
يلعب مثلث الحب في فيلم "The Promise" كصراع ناعم موازٍ للصراع الدموي القائم بين الإمبراطورية العثمانية والأرمن بشكل أساسي، وهو الصراع الذي يبدو كتفريعة جانبية من الصراعات السياسية في العالم بذلك الوقت بين دول الحلفاء والمحور والولايات المتحدة، وعلى هذا ينقسم الفيلم إلى جزأين يختلفان في الموضوع ويتشابهان في النبرة والأسلوب، ففي النصف الأول من الفيلم يكون التركيز على متابعة خريطة العاطفة الناشئة بين مثلث الحب، ثم ينتقل الفيلم في نصفه الثاني للتركيز على الصراع الحربي والسياسي الدائر ولكن من منظور عاطفي أيضًا محوره رحلة هروب آنا ومايكل إلى الجبال بعدما أبادت السلطات العثمانيّة كل سكان قرية الأخير، لينخرطا في حركة مقاومة يائسة، قبل أن يتمكنا من الوصول إلى الساحل ليتم إنقاذهما بواسطة سفينة عسكريّة فرنسيّة.
عاطفية الفيلم لا جدال في كونها متوفرة بل وفائضة، طالما نتحدث عن فيلم أخرجه وشارك في كتابته تيري جورج، الكاتب والمخرج الإيرلندي الشمالي الذي تخصّص في تقديم أفلام حول الحروب الأهليّة والإبادات الجماعية، أشهرها الفيلم الأوسكاري "فندق رواندا" عن مأساة إفريقية حزينة في البلد الذي أهلكت أغلبيته أقليته، و"باسم الأب" عن الصراع الأهلي في إيرلندا الشماليّة.
لكن رغم اعتماد سيناريو الفيلم على أحداث حقيقية، إلا أن ميله إلى تقديم قصة تقليدية عن مثلث حب في وقت الصراع جعل الطاقة التمثيلية الوفيرة في طاقمه أشبه بملحمة ضاعت وسط كليشيهات، مثلها في ذلك مثل القصة الحقيقية التي تكفي وحدها لإحداث التأثير العاطفي المطلوب، دون اللجوء إلى تخييل ليس مبتكرًا في أفضل الأحوال.
لا وجود هنا لملحمة جبل موسى، وهي واحدة من أدبيات التاريخ الأرمني المعاصر، ولا وجود لقصة حب حقيقية، وفي الوقت الذي انساق فريق العمل لتحميل الفيلم بميلودراما متضخمة، لم يحاول الاستفادة من جودة عناصره الأخرى من تمثيل وتصوير وديكور وملابس، ما قلّل كثيرًا من قيمته الفنية. الأمر كله ليس سيئًا، فبالإضافة إلى التمثيل الجيد يمتلك فيلم The Promise ريادة تصوير تلك الفترة التاريخية بصورة لم يسبق لها الظهور على الشاشة، كما يحتوي على بعض الكوادر المميزة بفضل مدير التصوير الإسباني خافيير أغيروساروبي.
حين عُرض الفيلم في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، تفاوتت آراء النقاد حوله وإن أشاد كثيرون بدقة الفيلم التاريخية. غير أن الجدال الأبرز اشتعل في الفضاء العام إلكترونيًا، وبالتحديد على موقع تقييم الأفلام الشهير IMDB، حيث حدث ما يشبه الاستقطاب في تقييم الفيلم، إذ لم تكد الشركة المنتجة تقوم بطرح "تريلر" الفيلم حتى أعطى جزء من الجمهور الفيلم العلامة الكاملة بينما منحه الجزء الآخر التقييم الأضعف، وهو ما وصفه القائمون على الموقع بأنه "تصويت سياسي من جمهور لم يشاهد الفيلم بعد".
هذا الصخب والجدل المحتدم كان متوقعًا بشكل كبير، نظرًا لأن المسألة برمتها تمثّل جرحًا مفتوحًا لدى الأرمن حتى اليوم من ناحية وإشكالية حسّاسة تحترس منها الدولة التركية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أن عرض "الوعد" عالميًا تزامن مع اليوم العالمي لإحياء الذكرى الـ101 للمذبحة الأرمنيّة يوم 24 نيسان/أبريل.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Django" وانتصار الموسيقى على التهميش
المثير أن خروج الفيلم إلى النور كان بمثابة الوصية الأخيرة لأحد الناجين من مذابح قتل الأرمن، وهو الملياردير الأمريكي الأرميني الأصل كريك كيركوريان، الذي قام بتمويل الفيلم بشكل كامل ودفع من جيبه ميزانية ضخمة بلغت 100 مليون دولار، وأوصى قبل وفاته بضرورة تقديم العمل "حتى يعرف العالم أجمع ما تعرّض له الأرمن". ويأتي فيلم The Promise لينضم إلى مجموعة من الأعمال السينمائية التي تناولت القضية الشائكة، بدايةً من الفيلم الصامت "أرمينيا المسلوبة" (1919) للمخرج أوسكار أبفيل، والمقتبس عن حياة أورورا مارديجانيان، وهي فتاة أرمنية نجت من المذبحة حين كان عمرها 18 عامًا، كتبت ما حدث لها وأُسند إليها دور البطولة في الفيلم.
تدور أحداث فيلم "الوعد" في نهاية حكم الدولة العثمانية، وهي الفترة التي تعرّض فيها الأرمن لمذبحة جماعية
هناك أيضًا فيلم "أرارات"، الذي أخرجه المخرج الكندي الأرمني الأصل توم إيجويان في 2002، وهو ملحمة سينمائية تعاون فيها مع المغني الفرنسي الشهير شارل أزنافور، ويروي الفيلم مجموعة من القصص والحكايات المرتبطة جميعها بالمذبحة الأرمنية محورها علاقة تجمع بين إحدى العائلات الأرمنية التي تعيش في كندا وفريق سينمائي يعمل على تصوير أحد الأفلام.
وقبل عامين، قدّم المخرج الألماني التركي الأصل فاتح أكين فيلم "القطع"، مثيرًا الكثير من الجدل المصاحب لعرض فيلمه الذي ساهمت في إنتاجه جهات من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وتركيا، ويتتبع الفيلم قصة شاب أرمني يجد نفسه هو وعائلته منفيين خارج قريتهم ووطنهم بعد وقوع الإبادة الجماعية للأرمن.
اقرأ/ي أيضًا:
أعظم 12 كاتب سيناريو على مرّ العُصور
فيلم الفتاة الدنماركية "The Danish Girl" وسؤال: هل تعيش ذاتك؟