بعد أقل من شهر على إفراج "هيئة تحرير الشام" عنه، قُتل عضو مجلس شورى الهيئة وأحد أبرز قياداتها، ميسّر علي الجبوري المُلقّب بـ"أبي ماريا القحطاني"، جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت مضافته في بلدة سرمدا بريف إدلب الشمالي، مساء أمس الخميس.
وقال عدد من قيادي الهيئة، من بينهم رئيس المجلس الأعلى للإفتاء عبد الرحيم عطون، إن "القحطاني" قُتل إثر هجوم باستخدام حزام ناسف نفّذه عنصر ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فيما قال آخرون إنه قُتل إثر انفجار عبوة ناسفة جرى تفجيرها عن بعد.
رافق القحطاني زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، في رحلته من العراق إلى سوريا لتأسيس "جبهة النصرة" وإيجاد موطئ قدم لتنظيم دولة العراق الإسلامية
في المقابل، اتهم قياديون منشقون عن الهيئة قائدها، أبو محمد الجولاني، باغتيال "القحطاني" الذي اعتقله الأخير مدة ستة أشهر بتهمة العمالة والتواصل مع جهات معادية داخلية وخارجية، وذلك قبل إطلاق سراحه في الثامن من آذار/مارس الفائت بعد تبرئته من التهمة. وقد أعاد كثيرون أسباب اعتقاله إلى خلافه مع الجولاني وبعض القيادين المقربين منه، وتخوّف الأخير من الانقلاب عليه وانتزاع قيادة الهيئة منه.
من هو أبو ماريا القحطاني؟
ولد ميسّر بن علي الجبوري القحطاني في قرية الرصيف بمحافظة نينوى، شمال غربي العراق، في عام 1976، ثم انتقل مع عائلته إلى قرية "هرارة" التي يُنسب إليها لقبه الآخر "الهراري". درس إدارة الأعمال والشريعة في جامعة بغداد، وانخرط في صفوف التنظيمات الجهادية بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث انتمى إلى التنظيم الذي سيُعرف فيما بعد بـ"جماعة التوحيد والجهاد"، التي كان يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي، وذلك قبل مبايعة الأخير لتنظيم "القاعدة".
قاتل القحطاني في صفوف التنظيم السابق ضد القوات الأمريكية، حتى اعتقاله من قِبل الأخيرة في عام 2004، لكنها أطلقت سراحه بعد عام ونصف فقط على اعتقاله. ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى في عام 2007 بسبب نشاطه في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" وأُودع في سجن بوكا، وذلك قبل أن يُطلق سراحه مجددًا.
رافق القحطاني زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، في رحلته من العراق إلى سوريا لتأسيس "جبهة النصرة" (تحوّلت إلى "جبهة فتح الشام" ثم "هيئة تحرير الشام")، بتكليف من أبو بكر البغدادي، زعيم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق" آنذاك لإيجاد موطئ قدم للأخير في سوريا بعد اندلاع الثورة.
وشغل مناصب مختلفة في الجبهة، حيث كان شرعيًا لها، ثم أميرًا للمنطقة الشرقية في سوريا، ونائبًا للجولاني حتى عام 2014 الذي اندلعت فيه الحرب بين الجبهة و"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق"، وقد لعب القحطاني دورًا كبيرًا في هذه الحرب، وكذلك في انفصال النصرة عن التنظيم السابق، الذي يُعد أحد أبرز خصومه ومن أوائل الداعين إلى قتاله بسبب انحرافه ومغالاته في التطرف بحسب تعبيره.
عُزل القحطاني من مناصبه السابقة بعد سقوط المنطقة الشرقية في يد "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، لكنه لم يفقد دوره المؤثر داخل الجبهة، حيث تولى فيما بعد إدارة عدة ملفات مهمة بينها محاربة تنظيم الدولة، ثم تنظيم "القاعدة" الذي بايعه الجولاني عقب الخلاف مع "داعش"، ثم انقلب عليه لاحقًا.
ويرى كثيرون أن القحطاني كان من أبرز "المعتدلين" في "جبهة النصرة"، وأنه قاد تيارًا معتدلًا هيمن على الجبهة منذ تأسيسها وحتى اندلاع الحرب مع تنظيم "داعش" عام 2014، حيث سيطر حينها التيار المتشدد على قرار الجبهة، وكان وراء مبايعة الجولاني لـ"القاعدة".
من "النصرة" إلى "تحرير الشام"
وبعد إعلان الأخير فك الارتباط بـ"القاعدة"، وتأسيس "جبهة فتح الشام"، لعب القحطاني دورًا مهمًا في هذا التحوّل، وعاد من جديد ليكون الرجل الثاني في تنظيم الجولاني، سيما بعد تأسيس "هيئة تحرير الشام" التي حلّت مكان "جبهة فتح الشام"، وفرضت سيطرتها العسكرية والسياسية على محافظة إدلب.
وحظي القحطاني بمكانة مهمة في التنظيم الجديد، وتولّى مع قيادي آخر فيه محاولة توسيع نفوذه في مناطق سيطرة الجيش الوطني، المدعوم من تركيا، في أرياف محافظة حلب، وذلك من خلال التقرب من بعض فصائله والتفاوض معها. كما سعى إلى تقريب وجهات النظر بين الهيئة وبقية فصائل المعارضة المسلحة بهدف تأسيس مظلة سياسية وعسكرية جامعة بقيادة الهيئة.
وفي آب/أغسطس من العام الفائت، اعتقلت "هيئة تحرير الشام" أبو ماريا القحطاني ضمن حملة ضد من وصفهم جهاز الأمن العام التابع لها بـ"العملاء"، حيث اتهم بالتواصل مع جهات داخلية وخارجية معادية، من بينها "التحالف الدولي".
لكن البعض أعاد أسباب الاعتقال إلى الصراع الذي كانت تشهده الهيئة بين جناحين؛ يتزعم الأول قيادي أمني يُعرف باسم "أبو أحمد حدود" برفقة "أبو حفص بنش" المقرّب من الجولاني الذي تربطه به علاقة مصاهرة، إضافةً إلى الشرعي العام عبد الرحيم عطون. بينما يتصدّر الجناح الثاني كل من القحطاني وجهاد عيسى الشيخ المعروف باسم "أبو أحمد ذكور"، الذي اتُهم بمحاولة الانقلاب على الجولاني، وانشق عن الهيئة في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023.