صباح أمس السبت، وللمرة الأولى منذ انتقاله لمنزله الجديد، وعلى غير العادة، قرر المهندس المصري أحمد عبدالعظيم (31 عامًا)، السير من منزله في منطقة حدائق الأهرام بالجيزة، إلى موقف الحافلات الذي يبعد نحو كيلومتر عن منزله.
السياسات الاقتصادية التي تنتهجها السلطات المصرية من 2014 وضعت شريحة واسعة من المصريين تحت ضغوط معيشية صعبة
كان عبدالعظيم معتادًا على ركوب "التوك توك" لإيصاله إلى الموقف توفيرًا للوقت والمجهود، قبل أن يقرر الاستغناء عنه نهائيًا، مع جملة من القرارات التي نواها في مواجهة الغلاء القادم بعد الزيادة الخامسة لأسعار الوقود، التي أعلنت عنها السلطات المصرية يوم الجمعة الماضية الخامس من تموز/يوليو 2019.
اقرأ/ي أيضًا: زيادة سعر البنزين في مصر للمرة الخامسة منذ 2014.. #الصب_في_المصلحة مستمر
وأعلنت وزارة البترول المصرية أول أمس الجمعة، تعديل أسعار المحروقات في إطار خطة تستهدف رفع الدعم بصورة كلية عن مختلف المحروقات للوصول للأسعار العالمية، تطبيقًا لسياسات صندوق النقد الدولي.
وبسبب تلك السياسات التي كان من بينها، رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع إضافة إلى تحرير سعر صرف الجنية المصري، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة؛ وضعت الحكومة المصرية شريحة واسعة من المصريين تحت ضغوط اقتصادية كبيرة، ساهمت في رفع نسبة الفقر وزيادة الأزمات المعيشية
وتعد زيادة المحروقات الأخيرة، الخامسة خلال فترة حكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذ بدأت الأولى في تموز/يوليو 2014، ثم توالت الزيادات في 2016 و2017 و2018 وأخيرًا في 2019.
وبالمقارنة بين أسعار المحروقات قبل تولي السيسي الحكم إلى الآن، يظهر فارقٌ شاسع في الأسعار، ففي 2014 كان سعر السولار قبل وصول السيسي للسلطة 1.10 جنيه، فيما وصل سعره اليوم إلى 6.75 جنيهًا، وفي عام 2014 كان سعر بنزين 92 بـ1.85، قبل أن يصل الآن إلى ثمانية جنيهات. ووقتها كان سعر بنزين 95 أوكتين 5.85 جنيهًا، ليصل سعره مع الزيادة الأخيرة إلى تسعة جنيهات.
الزيادات الجديدة
"ثمانية جنيهات يوميًا زيادة عن المعتاد، دفعتني للتوقف عن استقلال التوك توك من المنزل إلى موقف الحافلات"، يقول أحمد عبدالعظيم، مضيفًا: "منذ مجيء النظام الحالي، تحولت زيادة الأسعار لعادة نصف سنوية، وخاصة المواد البترولية، التي يصاحبها ارتفاعات في العديد من السلع والخدمات، غير أن الزيادة الأخيرة التي أقرت يوم الجمعة الماضية ضاعفت أسعار المواصلات العامة بقدر يصعب معه استمراري في الروتين اليومي القديم".
يعمل أحمد في إحدى شركات القطاع الخاص. يقول إن إجمالي تكلفة الرحلة من من وإلى العمل، مع استقلال ست وسائل مواصلات عامة، كانت تبلغ تقريبًا 23 جنيهًا، ومع الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين وصلت إلى 35 جنيهًا، لذلك كان عليه أن يستغني عن بعضها لتخفيف العبء قليلًا.
تنعكس الزيادة في أسعار المحروقات على مختلف السلع الاستهلاكية، لزيادة أسعار النقل على الأقل، ما يعني بالنسبة لأغلب الأسر المصرية إعادة ترتيب الميزانية، وهو ما يعمل عليه فعلًا أحمد عبدالعظيم.
ولزيادة الأسعار انعكاسات أخرى قد تبدو صادمة. يقول عبدالعظيم: "بعد زيادة الأسعار في 2018 قررت زوجتي التوقف عن الذهاب للعمل. كان ذهابها للعمل مكلفًا بلا طائل بسبب أسعار المواصلات. وفي المقابل قررت البحث عن عمل تزاوله من البيت".
بعد زيادة 2019، سيسير أحمد على قدميه مسافةً أطول، وسيمتنع تمامًا عن تناول الطعام خارج المنزل، مع خشيته من أن يتحول ذهابه إلى العمل في حد ذاته إلى عبء في حال زادت الأسعار أكثر من ذلك.
يُذكر أنه مساء يوم الخميس الماضي، وقع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قرارًا بزيادة أسعار المحروقات، لتصبح كالتالي:
- بنزين 92 أوكتين: ارتفع إلى ثمانية جنيهات بنسبة بلغت 18.5%.
- بنزين 80 أوكتين: ارتفع إلى 6.75 جنيهًا بنسبة تقارب 22.7%.
- بنزين 95 أوكتين: ارتفع إلى تسعة جنيهات بنسبة 16.1%.
وشملت الزيادة، بالإضافة للبنزين، مادتي السولار والكيروسين اللذين ارتفع سعرهما إلى 6.75 جنيهًا بنسبة بلغت نحو 22.7%. كما تضمن قرار الزيادة أسعار أسطوانات غاز الطهي للاستهلاك المنزلي، التي ارتفعت أسعارها إلى 65 جنيهًا بنسبة 30%، وأسطوانة الغاز التجارية التي أصبح سعرها 130 جنيهًا، بنسبة ارتفاع وصلت 30%، فيما ارتفع سعر المازوت لصناعة الطوب إلى أربعة آلاف و500 جنيه للطن الواحد.
تآكل الطبقة المتوسطة
وبعد قرار الإعلان عن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود، والتي سبقتها دعاية مكثفة للحكومة على وسائل الإعلام المحلية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بالشكوى، كما ضجّت البيوت.
سعيد صلاح، وهو صاحب شركة تعمل في مجال طباعة يقول لـ"الترا صوت" :"أعتبر نفسي من الطبقة فوق المتوسطة؛ امتلك في منزلي سيارتين، واحدة للاستعمال الشخصي والأخرى للشركة".
لكن بعد زيادة أسعار الوقود قبل نحو عام تقريبًا، قرر صلاح استخدام سيارة واحدة للعمل والمنزل، وترك الأخرى لأضيق الظروف، من باب تقليل النفقات. وبعد الزيادة الأخيرة، يفكر صلاح جديًا في شراء دراجة نارية.
"ما يثير مخاوفي موسم العودة للمدارس، فمن المؤكد أنه سيكون هناك ارتفاعٌ في أسعار اشتراكات الحافلات الخاصة بمدارس أبنائي"، يقول سعيد صلاح.
الشكوى المتصاعدة من طبقة المهنيين وأصحاب المشاريع الصغيرة، تظهر حجم الأزمة المعيشية التي يعيشها المصريون، في الوقت الذي تعيش فيه الطبقة تحت المتوسطة والفقيرة أزمات أكبر بكثير، كما تدفع تلك الأزمة لتآكل الطبقة المتوسطة، مع زيادة نسب الفقر في مصر، إذ تكشف بيانات تعود لعام 2016، عن أن الطبقتين الوسطى والغنية تمثلان معًا ما نسبته 15% من المجتمع المصري، في حين أن 85% فقراء أو على حدود الفقر.
ويُعد معدل الفقر محل خلاف بين الاقتصاديين في مصر، فمنذ عدة أشهر انتشرت أرقام صادرة عن البنك الدولي أشارت إلى أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر، لكن تلك الأرقام اعتبرتها الصحف والفضائيات المصرية، خاطئة وغير دقيقة، وفي نقس الوقت أخفت المصادر الرسمية مؤشرات الفقر في البلاد، والتي كان من المنتظر الإعلان عنها في شباط/فبراير الماضي، من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لكن لم يحدث ذلك.
الأزمة المعيشية التي يعيشها المصريون تهدد بشكل كبير تآكل الطبقة المتوسطة مع زيادة نسب الفقر بصورة مطردة
هذا وأشارت إحصاءات رسمية مصرية سابقة إلى زيادة معدلات الفقرة في عام 2016 بنسبة 27.8% مقابل 25.2% بين عامي 2010 و2011، علمًا بأن البنك الدولي حدد 1.9 دولار يوميًا كحد الفقر العالمي، وهي ما تساوي تقريبًا 950 جنيهًا مصريًا في الشهر، علمًا بأن الحد الأدنى للأجور حتى الآن، وغير المطبق بشكل صارم، هو 1200 جنيه، مع وعد بزيادته إلى ألفي جنيه.
اقرأ/ي أيضًا: