19-سبتمبر-2024
بعد تفجير اللاسلكي

تجمع لأقارب المصابين بالتفجيرات خارج المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)

أثارت سلسلة الانفجارات التي استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكي من نوعي "بيجر" و"أيكوم" لبنان خلال اليومين الماضيين، المزيد من الأسئلة المرتبطة بالأسباب التي أدت إلى انفجار الأجهزة التي يعتمد عليها "حزب الله" في اتصالاته، في ظل ورود المزيد من التقارير التي تتحدث عن احتمال توسع المواجهة بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي إلى حرب شاملة، قد يكون لها تداعيات إقليمية غير معروفة النتائج.

وشهدت مناطق مختلفة في لبنان موجة ثانية من انفجار أجهزة اللاسلكي، أمس الأربعاء، استهدفت نوعًا جديدًا من الأجهزة من طراز "أيكوم"، وأسفرت الهجمات على مدى اليومين الماضيين عن سقوط 32 شهيدًا، فضلًا عن سقوط 3250 جريحًا، في حصيلة غير نهائية، وسط ترقب لكلمة الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، في تمام الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي لبيروت، اليوم الخميس.

دخول الحرب مع لبنان مرحلة جديدة

وفي بيان مصور قصير لا يتجاوز بضع ثواني، لم يتطرق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى عملية تفجير أجهزة اتصال اللاسلكي التي يستخدمها "حزب الله"، لكنه تعهد بإعادة الآلاف من السكان إلى شمال الأراضي المحتلة، مضيفًا "قلت ذلك من قبل، سنعيد مواطني الشمال إلى ديارهم بأمان، وهذا بالضبط ما سنفعله"، دون أن يضيف المزيد من التفاصيل.

أثارت سلسلة الانفجارات التي استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكي من نوعي "بيجر" و"أيكوم" لبنان خلال اليومين الماضيين، المزيد من الأسئلة المرتبطة بطبيعة حدوثها

من جانبه، قال وزير الأمن في حكومة الاحتلال، يوآف غالانت، أمس الأربعاء، إن الحرب دخلت مرحلة جديدة بانتقال مركزها إلى منطقة الحدود الشمالية التي تشهد نقل المزيد من القوات والموارد، مضيفًا في تصريحات أدلى بها في قاعدة جوية: "نفتح مرحلة جديدة في الحرب.. تتطلب الشجاعة والتصميم والمثابرة منا".

وكان بيان صادر عن جيش الاحتلال، قد أكد أن رئيس الأركان في جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، صادق "على الخطط الهجومية والدفاعية للجبهة الشمالية"، وتابع مضيفًا نقلًا عن هليفي "عازمون للغاية على خلق الظروف الأمنية الكفيلة بإعادة السكان إلى ديارهم، وبلداتهم، مع التمتع بمستوى عالٍ من الأمان، ونحن جاهزون حقًا للقيام بكل ما يلزم".

إلى ذلك، قال وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، في مقابلة مع شبكة "CNN" الأميركية، "لا يمكننا التحدث مع حزب الله الآن بالطريقة التي تحدثنا بها معهم في الماضي، لأنهم بالطبع تعرضوا لضربات شديدة، وبالتالي فإن الرد أمر لا بد منه بالنسبة لهم"، في إشارة إلى رد الحزب على سلسلة الانفجارات التي ضربت أجهزة الاتصال اللاسلكي.

ووصف بوحبيب اللحظات التي رافقت انفجار أجهزة اتصال اللاسلكي بأنها "مخيفة"، مضيفًا "نحن خائفون من الدخول في حرب، لأننا لا نريد حربًا"، وتابع موضحًا "كانت هناك مناوشات على الحدود، وتصاعدت في بعض الأحيان. حسنًا، لقد قبلنا. ولكنكم الآن تتحدثون عن حرب. إنها مقدمة لحرب. ولهذا السبب فإننا سنتوجه إلى مجلس الأمن، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقف مثل هذه الأمور".

وشدد بوحبيب في حديثه مع "CNN"، على أنهم "ضد الحرب في لبنان. إن حكومة لبنان لا تريد الحرب، ولا تريد حتى المناوشات في جنوب لبنان. لذا فنحن بحاجة إلى مساعدة الأمم المتحدة. ونحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة أيضًا، من أجل إعادة إرساء نوع من السلام في جنوب لبنان".

تفسيرات مختلفة لنوايا نتنياهو

وليس واضحًا ما إذا كانت العملية مقصودة كضربة أولى في صراع واسع النطاق أو تحذير لـ"حزب الله" بشأن التكاليف المحتملة لمثل هذه المواجهة، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لكن المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، عوديد عيلام، قال للصحيفة إن "التوقيت لم يكن الأمثل".

ونقلت الصحيفة عن رئيس "الموساد" السابق، داني ياتوم، أن الأجهزة المتفجرة تهدف "إلى إثارة الذعر والتوتر والصدمة" داخل "حزب الله"، مما "يظهر قدرة إسرائيل على اختراق حتى أكثر خطوط الاتصال أمانًا للحزب"، مضيفًا "إنها عملية سيكون لها ما بعدها، وقد تبدأ حربًا أكثر حسمًا في لبنان".

وبحسب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هرئيل، فإن هناك "تفسيرين محتملين لنوايا نتنياهو، الذي يبدو الآن أنه يقود صياغة السياسة المتعلقة بالشمال"، مضيفًا أن الاحتمال الأول "هو أن رئيس الحكومة يأمل أن الضغط المتزايد والبارانويا المتصاعدة من الخوف من ضربات إضافية، ستؤدي في النهاية إلى نقطة انهيار لدى حزب الله".

أما بالنسبة للاحتمال الثاني، فرأى هرئيل، أن "إسرائيل ربما تحاول جر حزب الله إلى الحرب"، موضحًا أنه "عندما يرد الحزب، ستستغل إسرائيل الشرعية الدولية المحدودة التي ستحصل عليها بعد استهداف مدنييها، وسيكون لديها ذريعة لدخول حرب شاملة في لبنان، فيما يفضل حزب الله وإيران الاستمرار في التصعيد الحالي دون دفع ثمن مواجهة عسكرية غير محدودة".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يوسي يهوشواع، أنه "وفقًا للتصريحات الصادرة من لبنان وعمق الضرر الذي لحق بحزب الله، فإن إسرائيل تتوقع أن يرد الحزب بطريقة مختلفة عما كان حتى الآن"، مشيرًا إلى أن "هل سيكتفي (حزب الله) برد محدود؟ هذا غير واضح. لكن أي تصعيد من جانبه قد يؤدي إلى تبادل ضربات قد تجرنا إلى حرب واسعة النطاق".

"إسرائيل" اخترقت الخطوط الحمراء

وفيما لا تزال المعلومات متضاربة بشأن طبيعة الأسباب التي أدت إلى انفجار أجهزة اللاسلكي، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي، منير شحادة، في حديث لـ"التلفزيون العربي"، أن الأجهزة التي انفجرت على مدى اليومين الماضيين "فُخخت من قبل الموساد الإسرائيلي بعدة غرامات من المتفجرات من أنواع حديثة جدًا وبطريقة احترافية لا يمكن اكتشافها بواسطة المتحسسات الخاصة بالمتفجرات".

وتابع مضيفًا "أن هذا الأمر حال دون أن تكتشف المقاومة هذه المتفجرات قبل توزيعها على عناصرها"، مشيرًا إلى أن "تفخيخ هذه الأجهزة، قد يكون تم إما من قبل الشركة المصنعة أو الشركة الموضبة أو الشاحنة"، موضحًا أن "إسرائيل وصلت ضمن هذه المراحل، وخرقت هذه الصفقة".

وفيما اعتبر شحادة، أن "الخرق الأساسي في هذه الحادثة هو علم إسرائيل بأن المقاومة في صدد استيراد هذا الأنواع من الأجهزة"، فإنه أشار إلى أن "حزب الله توعد إسرائيل بقصاص عادل"، موضحًا أن "الرد سيكون متناسبًا مع حجم الجريمة الإرهابية، كما أنه سيكون مختلفًا عن كل المرات السابقة عندما كانت إسرائيل تخترق الخطوط الحمراء".

من جهته، اعتبر الخبير بالشأن الإسرائيلي، جاكي خوري، في حديث لـ"التلفزيون العربي"، أن "القضية الآن لا تتعلق بعدد الإصابات أو الضحايا وما نتج عنها، وإنما هي رسالة واضحة لحزب الله ولحلفائه وتحديدًا إيران، بأن هناك إمكانية تقنية ولوجستية وسيبرانية لإسرائيل يمكن أن تصل إلى أكثر الأجهزة قربًا من جسم الناشطين".

وأوضح خوري في حديثه، أن "ما يحدث يمكن قراءته على أنه إعلان حرب من قبل إسرائيل"، لافتًا إلى أنه "يمكن قراءته أيضًا على أنه محاولة لتوجيه رسائل لكل الأطراف، بأن تل أبيب وصلت إلى الحد، والرسالة الأهم هي محاولة الفصل التام بين الجبهة في لبنان وما يحدث في قطاع غزة".

ورأى خوري، أن "ما يشاع بأن هناك خلافًا في وجهات النظر بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، وبأن واشنطن عاجزة على فرض إرادتها على حليفتها تل أبيب هو تبادل أدوار"، معتبرًا أن هذا "التبادل" يأتي في سياق محافظة "الولايات المتحدة على ماء وجهها، وألا تقول إنها شريكة في كل ما يحدث في غزة أو الجبهة اللبنانية".

إلى ذلك، نفى مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، لورانس كورب، وجود موافقة أميركية على التفجيرات التي حدثت في لبنان، مشيرًا إلى أن "إسرائيل قالت إنها ستقوم بإجراءات معينة، لكن واشنطن لم تكن تعلم أنها ستحصل بهذه الطريقة التي تؤدي إلى مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص".

وتابع في حديثه لـ"التلفزيون العربي"، مؤكدًا "لا يمكننا (الولايات المتحدة) التحكم برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وما يقوم به"، مضيفًا أن "نتنياهو يقوم بما يريده بطريقته الخاصة حتى رغم معارضته من قبل عدد كبير من الأشخاص في إسرائيل".

وفي الوقت الذي اعتبر كورب، أن "التفجيرات في لبنان (تمثل) نجاحًا تكتيكيًا لإسرائيل وليس استراتيجيًا"، فإنه استبعد "أن يقوض هذا الأمر قدرات حزب الله لإطلاق هجمات ليس فقط عند الحدود، بل حتى في عمق إسرائيل".