قبل عامين، طردت شركة أمازون العامل كريستيان سمولز بعد أن نظم مع زملاءه وقفة احتجاجية للاعتراض على ظروف العمل، وتحديدًا مع بداية تفشي فيروس وباء كورونا، وانعكاس ذلك على طبيعة العمل والعمال وقضاياهم. لكن اليوم، نجحت الجهود في تأليف أول نقابة لعمال شركة أمازون بعد تصويت العمال داخل الشركة التي تضم آلاف الموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية.
واجهت إدارة أمازون الحركات الهادفة للتضامن والتكاتف من قبل عمال الشركة، مستخدمة العديد من الوسائل لمنع حصول هذا الاتحاد وتفتيت الحركة العمالية
حينها عارضت إدارة الشركة وواجهت الحركات الجماعية الهادفة للتضامن والتكاتف من قبل عمال الشركة، مستخدمة العديد من الوسائل لمنع حصول هذا الاتحاد وتفتيت الحركة العمالية. استخدمت الشركة وسائل ضغط على العمال منها الرسائل الخاصة وعقدت اجتماعات عمالية ووضعت لافتات دخل مقرات العمل، وفضلًا عن تكليف هيئة قانونية استشارية للبحث في المسألة. ويشار إلى أن شركة أمازون تأسست منذ 27 عامًا. وكان عمال مؤسسة ستاربكس قد نجحوا سابقًا في تشكيل نقابة تجمعهم أيضًا.
فالعمال في الشركة يواجهون خصمًا قويًا وحازمًا للغاية بسبب موارد أمازون وتصميمها على القضاء على أي جهود نقابية. فقد تم طرد كريستيان سمولز من وظيفته في الشركة في شهر آذار /مارس من العام 2020، وذلك إثر قيادته إضرابًا احتجاجيًا على مخاوف الصحة والسلامة المتعلقة بوباء كورونا. حينها عللت أمازون طردها لسمولز بأنه جاء نتيجة لانتهاكه سياستها الداخلية التي تطلبت منه الحجر الصحي بعد إخطاره باحتمال تعرضه لفيروس كوفيد-19.
لكن سمولز صرح لصحيفة الواشنطن بوست بالقول "قبل عامين تغيرت حياتي إلى الأبد"، وأضاف "أردت فقط أن أفعل الشيء الصحيح وأن أتحدث نيابة عن العمال الذين وقفوا معي والمطالبة بحقوقنا"، وتابع بالقول "المسألة ليست شخصية، وأمازون حاولت إظهار المسألة بكونها كذلك. لكن المسألة ستبقى دومًا تتمثل في أن أمازون تواجه الناس والعمال. واليوم قال العمال كلمتهم وصوتوا للاتحاد".
وبعد التصويت تجمع عدد من العمال ووزعوا البعض منشورات كتب عليها "صوّت بنعم للاتحاد. وعلى الرغم مما تخبرك به أمازون، فإن الاتحاد ليس منظمة خارجية. إنه اعتراف قانوني بحقنا كمجموعة في أن يكون لنا رأي في العمل". وحمل أخرون لافتات كتب عليها "أمازون وستاربكس: أوقفوا خرق الاتحاد! اعترفوا بالنقابة وتفاوضوا الأن".
وفي بيان أصدرته إدارة الشركة بعد إصدار نتائج التصويت، أشارت إلى أنها تستكشف قنوات قانونية مختلفة لمواجهة هذه النتائج. وقالت أمازون في البيان: "نشعر بخيبة أمل من نتيجة الانتخابات في جزيرة ستاتن، لأننا نعتقد أن وجود علاقة مباشرة مع الشركة هو الأفضل لموظفينا"، وأضافت "نحن نقوم الأن بتقييم خياراتنا".
وتعتبر أمازون من أكبر الشركات في البلاد. وهذه الانتخابات ستفرض نمطًا جديدًا في التعامل بين الشركة عمالها، ويمكن أن يفتح الباب أمام حركات عمالية نقابية في فروعها المتعددة في الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها. وقد أشادت بالنتيجة مجموعات المناصرة والنقابات العمالية الكبيرة والعديد من الناشطين في مجال الحقوق.
وصف أستاذ دراسات العمل والتوظيف في جامعة ولاية سان فرانسيسكو، جون لوغان، هذا الفوز بأنه "نتيجة مذهلة"، وأضاف "في الحقيقة لا توجد جائزة أكبر للنقابات من الفوز في انتخابات نقابية ضمن شركة أمازون". وقد عبر البيت الأبيض على لسان السكرتيرة الصحفية جين بساكي بالقول "إن الرئيس جو بايدن سعيد لرؤية العمال يضمنون سماع أصواتهم"، بحسب ما نقل موقع قناة CNN الإلكتروني.
وأعلنت الحكومة الأمريكية أن عمال الشركة صوتوا للانضمام إلى نقابة، وجاءت النتيجة على الشكل التالي: 2654 عامل صوتوا لصالح إنشاء نقابة، في مقابل 2131 عامل صوتوا ضد القرار. ويعتبر هذا الفوز من الانتصارات المهمة للعمال في الولايات المتحدة الأمريكية. وستسمح هذه الخطوة ببدء المفاوضات بين قيادة النقابة بين إدارة الشركة، من أجل الاتفاق على بنود عقد العمل ومدرجاته كالأجور ومزايا العمل وظروف العمل، وغيرها من المعايير والشروط الجوهرية بين العمال وأرباب العمل.
غير أن المسألة ليست بهذه البساطة، حيث أن إدارة الشركة لن ترضخ بسهولة لمتطلبات العمال. المحاضر في جامعة كاليفورنيا في كلية بيركلي للقانون، ديفيد روزنفيلد، علق على القضية بالقول "أمازون ستتأخر في الاستجابة"، وأضاف "لن ينضموا إلى المحادثات ولن يفعلوا الشيء الصحيح لأن ذلك سيشجع التنظيمات النقابية في كل مكان أخر من فروع شركة أمازون"، ورأى روزنفيلد بأن الشركة "ستفعل كل ما في وسعها لتجنب توقيع اتفاق مع النقابة، وستكون معركة كبيرة وطويلة وشريرة". ووفقًا لتحليل نشرته بلومبيرغ فإنه "يستغرق توقيع اتفاقات بين أرباب العمل والنقابة حوالي 409 أيام في المتوسط".
وفيما تشير معلومات إلى تراجع سنوي في أعداد العمال الذين تمثلهم النقابات، بحسب ما نشرت صحيفة ذا نيويورك تايمز. يضاف إلى ذلك الصعوبات التي يواجهها العمال في تأليف النقابات في البلاد. فالحكومة الأمريكية بشكل ما حلت محل العمل النقابي في الدفاع عن حقوق العمل وتحديد الاجور وساعات العمل، مما انعكس سلبًا على حقوق العمال بسبب انحياز الكثير من أركان السلطة الحاكمة، كمجلس الشيوخ مثلًا، إلى جانب أرباب العمل. وبالتالي لم توفر الرقابة الفيدرالية التي فرضتها الحكومة منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم البديل لضمان حقوق العمال، وتحديد مصالحهم الجماعية والدفاع عنها بالشكل المطلوب.