24-فبراير-2019

تنطلق بيسمنت بفن وثقافة من الحياة والواقع (فيسبوك)

ربما لم يعد مألوفًا خلال سنوات الحرب أن يجتمع الناس مشدوهين حول منصة فكرية أو فنية أو ثقافية، في بلاد لم تعد تعرف مجالسها العادية أحاديث تُجاوز مآسي الحرب عسكريًا وسياسيًا، وقبلهما معيشيًا.

انطلقت مؤسسة بيسمنت من الواقع الذي يعيشه اليمنيون ولم تنفصل عنه وإنما عبّرت عنه بالموهبة وخيال العارض

تغيرت في اليمن أنماط الحياة، وتحوّرت معها الاهتمامات وتحوّلت إلى ما يُبقي على الحياة بشكل أساسي، أي الحدود الدنيا من ممكنات العيش، بينما انزوت الأنشطة والممارسات الثقافية والفكرية. 

اقرأ/ي أيضًا: ممارسة الحياة "العادية".. عن أحلام اليمنيين في سنوات الحرب

لكن من بين ذلك، برزت مؤسسة بيسمنت، في العاصمة صنعاء، كمنصة ثقافية وفنية، استطاعت أن تجمع حولها الناس، كمتنفس للترويح عن النفس حينًا، وغذاء للعقل أحيانًا أخرى. 

بيسمنت.. ثقافة من الحياة

انطلقت مؤسسة بيسمنت من الواقع الذي يعيشه اليمنيون، ولم تحلق عاليًا في خيالات منفصلةٍ عن ذلك الواقع، وإنما عبّرت عنه بالموهبة وخيال العارض سواءً كان شاعرًا أو قاصًا أو حكاءً أو ممثلًا. وهكذا وجدت المؤسسة أن لها جمهورًا وفيًا يحرص على حضور أنشطتها.

وبالإضافة للأنشطة الثقافية والفنية، والتي يخرج كثير منها عن دائرة التكرار والاستهلاك؛ توفر المؤسسة حيزًا لكل ما يكنه الإنسان ولا يجد مكانًا ليعبر فيه عما بداخله، لذا فهي كذلك منصة للحكي والتعبير عن الأفكار.

مؤسسة بيسمنت

كما أن لبيسمنت دورًا في تشجيع الشباب على الانخراط في النشاط الفني والثقافي، والاحتكاك بالأفكار المعاصرة، وبالنخب اليمنية في مجالات الفن والثقافة.

النساء أولًا

على خلاف ما يجري عليه العرف والتقليد، فإن المرأة تمثل الجمهور الأول والأكثر عددًا لمؤسسة بيسمنت. وبدورها تولي المؤسسة للمرأة اهتمامًا أكبر باعتبارها الحلقة الأضعف في المجتمع اليمني.

ووفرت المؤسسة، التي تديرها الشابة اليمنية شيماء جمال، "بيئة آمنة ومريحة للمرأة اليمنية بسبب الوضع الخاص الذي تواجهه في البلاد، والتميز القائم على النوع الإجتماعي، وصنعت علاقة ثقة واحترام بين المرأة الفنانة والمجتمع"، كما تقول شيماء.

مؤسسة بيسمنت
وفرت مؤسسة بيسمنت بيئة آمنة ومريحة للمرأة اليمنية

وهذه المحاولة لتمكين المرأة مجتمعيًا بإبرازها ثقافيًا وفنيًا، ليست بعيدةً عن مساعي المؤسسة في تعزيز التواصل بين فئات المجتمع ومؤسساته، كونها ترى في ذلك وسيلة محتملة لإنهاء اقتتال لا يخلو من الأهلية.

جلسة الأصدقاء توسعت

بدأت بيسمنت عام 2009 كقبوٍ ضمن شركة هندسية للمهندس المعماري سبأ الصليحي ومعه عدد من زملائه. وقد أريد بها أن تكون ملجأً للتخفف من ضغوط العمل في جلسة معرفية كل خميس.

وما لبثت أن توسعت جلسة الأصدقاء وتحولت إلى إلى منتدى ثقافي ثم إلى مؤسسة متعددة الأنشطة في العام 2013. لم يتوقف دور بيسمنت عند حد استضافة الفعاليات والأنشطة المختلفة، وإنما تجاوز هذا الدور إلى تنفيذ برامج مجتمعية مختلفة.

واستمرت منذ حينها إلى الآن، لم توقفها ظروف الحرب. تقول شيماء جمال مديرة المؤسسة لـ"ألترا صوت"، إن "الشغف بالفن والعزم على الاستمرار في بيئة قد لا تكون مشجعة على مثل هذه الأنشطة؛ لهو أكبر حافز لفريق عمل بيسمنت".

وأضافت شيماء: "شعورنا بأننا من القلة القليلة التي تكترث للحياة الثقافية والفنية في بلادنا، يعزز لدينا الإحساس بالمسؤولية والقوة والرغبة في الاستمرار والعطاء".

مؤسسة بيسمنت
توفر بيسمنت منصة للتعبير عن الذات بالموهبة

لكن شيئًا آخر كان دافعًا قويًا لاستمرار بيسمنت، لفتت إليه شيماء، هو "إقبال الناس واهتمامهم بالفنون رغم الحرب. ذلك حملنا مسؤولية أكبر تجاه رعاية البيئتة الفنية والثقافية في اليمن".

صابر وشذى في بيسمنت

صابر بامطرف هو أحد رواد بيسمنت. والسبب الرئيسي في ذلك زوجته شذى التوي، التي تهوي الرسم والموسيقى، فشجعها زوجها صابر على ذلك: "لم أكترث لمن استهجن هواياتها، فأنا مقتنع بأنه من العبث وأد موهبة منحها الله لزوجتي"، يقول صابر.

وتقول شذى إن التشجيع الذي حظيت به من زوجها دفعها إلى الاستمرار. وكانت بيسمنت الحاضنة لموهبتها. ويقول صابر: "الفن ليس حرامًا، ولا نقص في حق المرأة التي علينا أن نحترم حقوقها وأحلامها". ووفرت بيسمنت لشذى منصة ليس فقط لتطوير موهبتها، وإنما للإفصاح عنها والتعبير بها عن نفسها.

لم يعد أحد يتذكر ن بيسمنت أنشئت ليروح مجموعة من الأصدقاء المهندسين عن أنفسهم بعد أشغالهم؛ فهي اليوم تضم بين عضويتها كبار الكتاب والمبدعين والفنانين والمثقفين في اليمن.

وفرت مؤسسة بيسمنت بيئة آمنة ومريحة للمرأة اليمنية بسبب الوضع الخاص الذي تعرفه والتمييز الذي تواجهه المرأة

وفي الوقت الذي تتزاحم أخبارُ الحرب في اليمن على كل مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، تكسر مؤسسة بيسمنت الثقافية هذا النمط السائد على المشهد، وتفتح نافذة لأخبار مختلفة تمامًا، منطلقها اليمن فكرًا وثقافةً وفنًا وحضارة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفن في زمن الحرب.. سفيان نعمان يحول إطارات صنعاء إلى قطع أثاث

المرأة اليمنية والتعليم.. مغامرة قد تحرم من الزواج