تجلس جين في مكتب إدارة الواحة الذهبية في مكان ما من نيويورك العليا، منحنية للأمام، تقرض أطراف أصابعها وتهز رجلها بعصبية. تفكر بابنتها ذات الشهرين التي لن تستطيع توفير ثمن حفاظاتها إن لم تجد بديلًا عن عملها الذي طُرِدَت منه. تطمئن نفسها أن هذا عملًا مثله مثل أي عمل آخر، وأن كل شيء سيكون على ما يرام صبيحة اليوم التالي لوضع المولود، اليوم الذي يودع فيه مبلغ خيالي في حسابها. تجلس وراء المكتب المصقول ماي، مديرة العيادة وخريجة فخورة من كلية هارفرد لإدارة الأعمال. بشعرها المصفف بعناية وأظافرها اللامعة تحدس ما يجول بخاطر جين فتبادرها بالقول "تعرفين عزيزتي، نحن هنا لا نرغم أحدًا على العمل، النساء يأتين إلينا بطيب خاطر بل وبسعادة أيضًا، إنه عمل ولا شيء كفيل بتحرير الإنسان فينا كالعمل".
تختلف التأطيرات القانونية التي تتعامل مع الصحة الإنجابية في الولايات المتحدة وتتعدد بتعدد القضايا المطروحة وآثارها المباشرة والممتدة
في مشهد آخر، تجلس صوفي في المقعد الخلفي، بينما يقود والدها السيد لويس سيارته عشية يوم مشمس. مشغولة بالنظر لمشحات المشاهد المنسحبة بسرعة، تسأل صوفي والدها "أبي، فلنقل أنك علمت يومًا أنني لست لك، أعني أنني ابنة رجل آخر، هل كنت لتتوقف عن حبي؟". صمت السيد لويس وقطب حاجبيه كمن يغرق في دوامة أفكاره، طال الصمت المزعج بينهما حتى اعتبر كل منهما الموضوع منتهيًا بطريقته. لم يعلم السيد لويس أي حنق خلق لدى صوفي الصغيرة وقد أدركت أن كل هذا الحب بينهما إنما هو نتاج جينات اعتباطية، وأي رغبة مجنونة تولدت لديها بتدمير العرف البيولوجي وإيجاد نوع آخر من الحب، نوع ينتمي فيه الأطفال للجميع لا لأحد بعينه.
اقرأ/ي أيضًا: مستشفيات الولادة في الجزائر.. حظائر الموت
ينتمي المشهد الأول لرواية الأمريكية جوانا راموس "المزرعة"، بينما ينتمي المشهد الثاني لكتاب صوفي لويس "تشريع تأجير الأرحام: نسوية في مقابل العائلة". يعالج كلا الكتابين موضوعًا شديد الإلحاح في الولايات المتحدة وهو موضوع تأجير الأرحام الحملي.
حالة من الخلط القانوني
تختلف التأطيرات القانونية التي تتعامل مع الصحة الإنجابية في الولايات المتحدة وتتعدّد بتعدد القضايا المطروحة وآثارها المباشرة والممتدة. وقد شهدت الولايات المتحدة طفرة في هذه القوانين مع تحولها من الوضوح وأحادية القطب بحيث تربط ذكرًا بأنثى في إطار زواج رسمي وأطفال بيولوجيين، لتتجاوزهم إلى عائلات المثليين، وأطفال لأب أو أم أعزبين، وأطفال يخصبون بعد وفاة أحد والديهم، وأطفال لأطراف متعددة: ذكر صاحب حيوان منوي، أنثى صاحبة بويضة، أنثى مستضيفة للحمل، وذكر أو أنثى أو كليهما كوالدين رسميين للطفل يقومان بتربيته بشكل قانوني ورسمي دون تبني.
بعض هذه الحالات منظمة قانونيًا من كل نواحيها كحالات التبرع بالبويضة أو الحيوان المنوي دون رغبة بالأبوة أو الأمومة الرسمية، وحالات تجميد البويضة أو الحيوان المنوي لما بعد الوفاة، بينما تتأرجح حالات أخرى كحالة تأجير الأرحام لاستضافة طفل مخصب بالكامل خارج الرحم المستضيف من بويضة وحيوان منوي لا صلة له بالمرأة المستضيفة أو بشريكها الحميم، تُعرف هذه الحالة بـ"حالة تأجير الأرحام الحملي Gestational Surrogacy".
انقسام قانوني حول المشروعية
بدأ الاهتمام القانوني بقضية تأجير الأرحام في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي من خلال ما يعرف بقضية الطفل "م" Baby M Case. حيث لجأت السيدة اليزابيث ستيرن التي كانت تعاني من تعقيدات صحية حالت دون قدرتها على الإنجاب، للسيدة ماري بيث وايتهيد من خلال إعلان في الصحيفة. لتوافق السيدة وايتهيد على مساعدة الأسرة بالحمل والإنجاب مستخدمة بويضتها الخاصة. إلا أن السيدة وايتهيد قررت الاحتفاظ بالطفل بعد ولادته، فلجأت عائلة ستيرن للقضاء في ولاية نيوجرسي ليقرر القاضي حق عائلة ستيرن بالاحتفاظ بالطفل ومنع حالات تأجير الأرحام من تلك اللحظة فصاعدًا.
بدأ الاهتمام القانوني بقضية تأجير الأرحام في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي من خلال ما يعرف بقضية الطفل "م"
اختلفت الأمور منذ ذلك الوقت اختلافًا جذريًا خاصة مع ظهور وتطور تكنولوجيا تأجير الأرحام بدون استخدام بويضة المستضيفة. لتحتل هذه الطريقة المرتبة الأولى بعمليات الإنجاب التسهيلية "بمساعدة خارجية" بما نسبته 95% من هذه العمليات. وقد انتشرت هذه الطريقة في ولاية كاليفورنيا بشكل خاص لمشروعيتها القانونية المتساهلة مع تدني درجة التنظيم والتقييد والمتابعة حيث اعتبرتها الولاية من أشكال حرية التعاقد.
اقرأ/ي أيضًا: أندر حادثة ولادة لأخوات ثلاثة.. ما القصّة؟
تنقسم الولايات الخمسين حول موضوع تأجير الأرحام الحملي انقسامًا جليًا من الناحية التنظيمية والتطبيقية على السواء، فبينما تجرمه ثلاث ولايات بشكل كلي هي لويزيانا وميشيغان ونيبراسكا، تتم ممارسته بشكل عملي في حين تعتبر العقود التي تنظمه بلا أثر قانوني وغير نافذة بموجب قوانين ولايتي أريزونا وإنديانا، في حين أنه ممارس بوجود عقبات قانونية مختلفة ونتائج غير ثابتة على دكات القضاء في أربع ولايات أخرى من بينها فيرجينيا وتنسي، وتتم ممارسته بإجراءات قانونية معقدة في ثلاثين ولاية من بينها تكساس وكارولينا الشمالية والجنوبية، وفي النهاية فهو مشرع تمامًا في أحد عشر ولاية من بينها كاليفورنيا ونيوجرسي وواشنطن دي سي، وستنضم إليها ولاية نيويرك ابتداءً من الخامس عشر من شباط/فبراير القادم 2021.
قواعد متباينة لحماية الأطراف أو لتقييدهم
تتباين قوانين الولايات التي تشرّع العملية برمتها في درجة الحماية والتنظيم والمتابعة التي توفرها. فبينما تعد ولاية كاليفورنيا من بين الولايات الأكثر تساهلًا مع العملية لاندراجها تحت مسمى حرية التعاقد، تتطلب ولايات أخرى إضافة للعقد الذي يجمع الأطراف الثلاثة أو الأربعة: الأبوين المعنيين والمرأة المستضيفة وزوجها إذا كانت متزوجة، تدخّل المحاكم لإجازة العقد والتأكد من بنوده التي تشكّل حماية للأطراف الأضعف كالبنود المتعلقة بحرية واختيارية التعاقد، وصلاحية الأبوين المعنيين لتربية الطفل، وتكفل الأبوين المعنيين بمصاريف الحمل والولادة، وعدم وجود بنود تحد من حرية المرأة المستضيفة باتخاذ قرارات تتعلق بصحتها أو صحة الجنين، وفي حال وجود تعويض مادي فعليه أن يكون مناسبًا ومعقولًا بما يكفي لدفع شبهة الإتجار بالأطفال.
كما تختلف هذه القوانين في مصير العقود بعد توقيعها، فبينما تسمح بعض الولايات بفسخ العقد من أي طرف قبل زراعة الجنين الملقح في الرحم، تجيز ولايات أخرى فسخ المستضيفة للعقد حتى بعد الولادة إذا ما قرّرت الاحتفاظ بالطفل لنفسها. كما ترى بعض الولايات أن الأم المستضيفة هي الأم الحقيقية للطفل في حال عدم صحة العقد لأي سبب قانوني بغض النظر عن البيولوجيا. لكن هذه الولايات تتفق في مجملها على إصدار شهادة ميلاد للأبوين المعنيين في حال ثبوت صحة العقد ونفاذه، دون الحاجة للشروع في إجراءات التبني.
سوق سوداء لبيع الرضّع
في كتابها "تشريع تأجير الأرحام: نسوية في مقابل العائلة"، تشير صوفي لويس، متفقة بذلك مع كثير من القانونيين، إلى ضرورة تقنين عملية تأجير الأرحام الحملي وتنظيمها بشكل يمنع التجازوات الحاصلة فعلًا في ظل غياب المشرِّع. وتعقد لويس مقارنة بين العملية التي تحولت إلى أداة استغلال للنساء الفقيرات والملونات بممارسات الدعارة التي تعد صناعة مليونية وسوقًا رائجة رغم تجريمها في الولايات المتحدة، مستغلة غياب التدخل التشريعي في التحول إلى عمل منظم يستقطب شبكات مصالح واسعة ومخالفات قانونية وأخلاقية متعددة. إذًا فالسؤال بالنسبة للقانونيين في الولايات المتحدة الآن لا يتعلق بالبعد الأخلاقي البحت للعملية وكون الفرد مؤيدًا أو معارضًا لها، إنما إذا ما كان انعدام التنظيم القانوني وتجريم العملية سيحول دون وقوعها فعليًا.
في كتابها "تشريع تأجير الأرحام: نسوية في مقابل العائلة"، تشير صوفي لويس، متفقة بذلك مع كثير من القانونيين، إلى ضرورة تقنين عملية تأجير الأرحام الحملي
كشف تحقيق في صحيفة ذا نيويوركر تضمنه كتاب لويس أيضًا سعة ممارسة هذه المهنة في الهند، رغم تجريمها رسميًا، حيث يتم استغلال الأم المستضيفة والتعامل معها كآلة تدر أرباحًا طائلة في ظروف لا إنسانية وتحت شروط متعددة من ضمنها أن تكون أمًا لأطفال خاصين بها مما يضمن تقليل فرصة رغبتها بالاحتفاظ بالمولود، وأن تستقر طوال فترة الحمل في عيادة خاصة بعيدًا عن عائلتها لمتابعة حملها والحيلولة دون ارتكابها لأي فعل من شأنه الإضرار بالجنين، ليتم في النهاية توليدها بعملية قيصرية قبل أربعة أسابيع من انتهاء فترة الحمل لتقصير مدة انتظار الوالدين المعنيين بالجنين واقتطاع مبلغ كبير كعمولة للأطباء والسماسرة في العيادة. هذه العيادات بحسب التقرير تدار كمصانع بالمعنى الحرفي للكلمة ولا تلجأ للغة الإنسانية إلا لدى الإعلان عن توفر العملية كسلم حياة جديدة بصورة عاطفية مثيرة للمعنيين.
اقرأ/ي أيضًا: عن الأمومة والقهر
فتح ضعف التنظيم القانوني أو غيابه كليًا في بعض الولايات الباب على مصراعيه لتتحول هذه العملية إلى سوق سوداء للإتجار بالأطفال. وقد ثبت تورط جهات رسمية وقانونية في شبكات متاجرة بالرضع في بعض الولايات أشهرها قضية المحاميتين تيريزا إريكسون وهيلاري نيمان في كاليفورنيا. فقد تم إحالة المحاميتين إلى المحاكمة في أعقاب توقيفهما واعترافهما بالانخراط بمخطط لبيع الأطفال مقابل 150 ألف دولار للطفل لعائلات تسعى للإنجاب مستغلتين ضعف التنظيم القانوني في كاليفورنيا، التي تسمح بالتأجير ضمن عقود من المفترض أن تتضمن بنودًا تحول دون تحول العملية إلى عملية تجارية بالدرجة الأولى.
قامت إريكسون ونيمان في القضية الذكورة أعلاه باستئجار مستضيفات شابات تم إرسالهن خصيصًا لأطباء تخصيب في أوكرانيا وتم تخصيبهن ببيوض وحيوانات منوية مجهولة المصدر رغم غياب العقود وأسماء المعنيين عن العملية برمتها، لتقوم المحاميتان بالإعلان عن توفر أطفال في الثلث الثاني من التكوين، بحيث تكون المستضيفة قد تجاوزت احتمالية الإجهاض وظهر جنس الجنين بما يتيح للمعنيين فرصة الاختيار، مقابل 150 ألف دولار وهو مبلغ كبير مقابل ما يتم دفعه عادة في حالات التأجير الحملي والتي تتراوح بين 80 ألف دولار و120 ألفًا. تم استغلال القانون لحبك مخطط احتيال كامل تضمن تلفيق وجود معنيين سابقين تخلوا عن الأطفال في اللحظة الأخيرة، وتقديم شهادات ميلاد وعقود مزورة للمحاكم ليتم توثيقها.
مساواة مجزوءة للمثليين
ينطلق التبرير القانوني للحاجة إلى تنظيم عملية تأجير الأرحام لدى بعض القانونيين من منطلق آخر وهو حق المثليين جنسيًا بالمساواة في تكوين العائلة. فقد أصدرت محكمة النقض العليا الأمريكية في السادس والعشرين من حزيران/يونيو 2015 قرارًا تاريخيًا بحق المثليين بالزواج رسميًا، وإلزام كافة الولايات بإصدار رخص وشهادات زواج رسمية لهم. لكن هذا الحق يستدعي حقوقًا أخرى بحسب الكثير من القانونيين الذين يساندون هذه الخطوة ويعتبرونها تصحيحًا لمسار تاريخ مجحف بحق المثليين ألا هو حق تكوين عائلة.
يرى دوغلاس نيجايم، أستاذ القانون في كلية وليام UCLA، في مقال نشره في لوس أنجلوس تايمز أن القيود القانونية التي تفرضها الولايات على تأجير الرحم الحملي تعني تقييدًا واضحًا وحدًّا من حرية المثليين بتشكيل عائلة. فبينما ساعدت تكنولوجيا الصحة الإنجابية العديد من الأزواج من جنسين مختلفين على تجاوز مشاكل القدرة الإنجابية، والمثليات من النساء على الاستفادة من بنوك الحيوانات المنوية المنظمة تنظيمًا قانونيًا شاملًا، يظل المثليون من الذكور بعيدين عن الاستفادة من هذه التكنولوجيا التي توفر بنوكًا للبيوض دون أن تضمن الحماية القانونية للرحم المستقبل. وتتفاقم هذه المشكلة في ظل تناقص أعداد الرضع المتوفرين للتبني نتيجة ازدهار صناعة تحديد النسل والإجهاض.
مسننات في آلة: حقوق الحلقة الأضعف
تثير عملية التأجير الحملي إضافة للإشكاليات القانونية إشكاليات اجتماعية وأخلاقية ونفسية واسعة. أول هذه الإشكاليات تصنيفها كعملية تجارية لدى عيادات التخصيب وهو ما يستتبع بالضرورة تقديم رغبات الزبائن "الأبوين المعنيين" على حقوق وصحة المستضيفة والمرأة التي تقدم البيوض وحتى الطفل الموعود فيما بعد. كما أن تدخل محامي بعقود قانونية لا يعني بحال ضمان حقوق المستضيفة خاصة في ظل وجود عمولة سخية.
يرى دوغلاس نيجايم في مقال له أن القيود القانونية التي تفرضها الولايات على تأجير الرحم الحملي تعني تقييدًا واضحًا وحدًّا من حرية المثليين بتشكيل عائلة
تتجه عقود التأجير الحملي إلى الحرص على الحد من العلاقات الشخصية والروابط العاطفية بين الأبوين المعنيين والمتبرعين بالبيوض والحيوانات المنوية والنساء المستضيفات، بحيث يتم الفصل بين الأطراف كافة بشكل ينفي أنسنة العلاقة ويحيلها إلى علاقة إنتاجية بآلة ستقدم المنتج النهائي الذي يعد أيضًا جزءًا مغيبًا في الصفقة. كما أن بعض العقود تتجه بشكل متطرف إلى تأمين حق المعنيين بالحصول على الطفل على حساب صحة المستضيفة، بحيث يتم تقييد حريتها باتخاذ قرارت تتعلق بصحتها بل وبحياتها في حال وجدت تعقيدات في فترة الحمل أو أثناء الوضع.
اقرأ/ي أيضًا: 6 تغيّرات توقّعها في حياتك بعد إنجاب أول طفل!
لدى تقديم مشروع قانون لشرعنة تأجير الأرحام الحملي في ولاية نيويورك عام 2019، اعترضت النسوية جلوريا ستينم على المشروع في مداخلة قلبت الموازين يومها وحالت دون تبني المشروع بصيغته الأصلية والتحول إلى إدخال تعديلات عديدة قبل إعادة التصويت لاعتماده. أشارت ستينم في اعتراضها إلى أن ما يراه الآخرون أمل المثليين الوحيد بتكوين العائلة قد يأتي على حساب المتاجرة بجسد النساء الأقل حظًا في المجتمع، مشيرة إلى أنه سيكون من السهل استغلال النساء الأفريقيات والمهاجرات ذوات الظروف الاقتصادية القاهرة، كما أن مدة الإقامة السابقة في المشروع والتي لا تتجاوز 90 يومًا لغايات تطبيق القانون قصيرة بصورة تشجع على الاتجار بالبشر، بحيث يتم استقدام نساء أجنبيات إلى نيويورك والاحتفاظ بهن مدة 90 يومًا قبل تخصيبهن للإنجاب بأسعار متدنية.
وبالرغم من قيام جهات مختصة كالجمعية المهنية للتخصيب المخبريIVF والجميعة الأمريكية للطب التناسليASRM بوضع عدة معايير للتأجير الحملي لضمان حد أدني من حقوق المستضيفة، من بينها مرورها السابق بتجربة الحمل والإنجاب لتقدير المخاطر والصعوبات التي ستواجهها، إضافة إلى معايير أخرى اقتصادية وصحة تحول دون استغلال العملية بهدف الربح عن طريق جمع بيانات اقتصادية واجتماعية حول عرق وإثنية المشاركات وأوضاعهن المادية، إلا أن كثيرًا من الأطباء النفسيين الأمريكيين يرون الأولوية الآن في وضع معايير ومحددات قانونية تضمن اختيارية العقد وعدم تصنيفه كعقد إذعان، واستناده إلى كمية كافية من المعلومات ذات المصداقية، إضافة إلى توفير متابعة نفسية حثيثة للمستضيفات والأطفال الموعودين فيما بعد.
بدأ مؤخرًا توجيه الاهتمام نحو الصحة النفسية للأطفال المخصبين بطرق غير تقليدية مع تزايد أعدادهم ووصول عدد لا بأس به منهم لسن الشباب. في بحث نُشِر في مجلة الصحة النفسية للطفل، أشار فريق من الباحثين البريطانيين تقوده سوزان جولومبوك، بروفيسورة البحث العائلي ومديرة مركز البحث العائلي في جامعة كامبريدج، بناء على دراسة ميدانية طويلة الأمد إلى أن الطفل الذي يُولَد لمستضيفة يعاني من مشاكل اندماج اجتماعية مع بداية سن السابعة مقارنة بالطفل الذي ولد بصورة طبيعية، أو حتى بحيوانات منوية وبيوض غريبة طالما بقي مع من أنجبته، بمعنى أن الطفل يجد صعوبة أكبر في استيعاب فكرة النمو في رحم غريب من استيعاب فكرة عدم الاتصال البيولوجي بأحد الوالدين أو كليهما.
ينطوي التأجير الحملي على قلب شامل لنظام العائلة وتغيير جذري في مفاهيم الأدوار الجندرية، الأمر الذي يستدعي معركة قانونية طويلة الأمد تطال معظم أجزاء الجسد القانوني المختص بالعائلة والصحة الإنجابية
كما أشار البحث المذكور إلى تنوع المشاكل الاندماجية التي يعانيها أطفال التأجير الحملي بين مشاكل سلوكية تتمثل بالهجومية والعدائية المفرطة ومشاكل عاطفية تتمثل بالتوتر والاكتئاب. الجدير بالذكر أن الدراسة الميدانية توقفت عند سن العاشرة في الوقت الذي اقترحت فيه آنا برنستاين، وهي طبيبة نفسية ومؤلفة كتاب "سفر الصدمة: ماذا يعتقد الاطفال حول الجنس وتأسيس العائلة"، أن نتائج الدراسة كانت لتبدو أوضح لو أن البحث امتد لسنوات المراهقة حين يبدأ الطفل بالبحث عن هويته وموقعه من العالم.
العائلة أم الرأسمالية: إعادة تعريف المسلمات
ينطوي التأجير الحملي على قلب شامل لنظام العائلة وتغيير جذري في مفاهيم الأدوار الجندرية، الأمر الذي يستدعي معركة قانونية طويلة الأمد تطال معظم أجزاء الجسد القانوني المختص بالعائلة والصحة الإنجابية. فبينما يصارع القانون لتحديد الأم الحقيقية للطفل تحت ظل مختلف الاحتمالات وعلى أعتاب المعارك القضائية، تلقي مسألة المثليين بتعقيدات إضافية على المشهد، لا تبدأ مع تخصيب بيوض غريبة في رحم غريب لحيوان منوي لأحد الطرفين أو لغريب آخر مع المثليين من الذكور، ومع الحمل المتناوب بين المثليات من الإناث، وهي التكنولوجيا التي باتت متاحة الآن، ولا تنتهي بفتح الأبواب على مصارعيها لمعارك قانونية مع شركات التأمين التي ترفض تغطية عمليات التأجير والحمل والولادة الناتجة عنها، ومع أرباب العمل الذين يرفضون منح إجازات أمومة/أبوة في المعطيات اللاتقليدية المرافقة لحالات التأجير. تثور تساؤلات عدة حول تعريف مفاهيم مثل الحمل، الإنجاب، الأم، والأسرة حين تغيب البيولوجيا أو يخفت أثرها وهو الأمر المتوقع والذي يحتاج إلى تعديلات قانونية ومجتمعية وأخرى تطال عجلة الإنتاج والاقتصاد.
اقرأ/ي أيضًا: للأمومة ثمن!
إضافة إلى الاعتبارات السابقة، تظهر أصوات أخرى تطالب بتشريع عملية التأجير الحملي كوسيلة لإلغاء الأسرة بالمعنى التقليدي للكلمة بدلًا من بناء أسر غير تقليدية، واستبدالها بقطاعات غير طبقية من الأطفال الذين لا ينتمون لأحد وينتمون للجميع في الآن ذاته. تعتبر صوفي لويس واحدة من دعاة هذه الحركة الآخذة بالنمو، حيث تلوم لويس الرأسمالية التي أسست وجذّرت برأيها الحاجة للعائلة النووية التقليدية وحاجة الفرد إليها كملجأ من أهوال الخارج الساحقة بينما يتطلب المجتمع السامي برأيها الابتعاد عن خط النسل المعروف حيث لا مانع من استخدام قرية بأكلمها لتربية طفل واحتضانه إذا ما استدعى الأمر ذلك. كما اعتبرت لويس أن عدم تشريع التأجير الحملي يعني تعزيز ربط العملية بالطبقة الإجتماعية حيث تحمل النساء المعدومات أطفال نساء الطبقة الغنية، وتتحول العملية برمتها إلى أداة أخرى بيد الرأسمالية المتوحشة، الأمر الذي أشارت إليه جوانا راموس في رواية المزرعة التي تصنف النساء إلى بيض مرفهات يملكن المال الكافي لشراء طفل ولا وقت أو رغبة لديهن للحمل والولادة وملونات إما أفريقيات أو آسيويات يرغبن بالمال السريع لتحقيق أحلامهن البسيطة أو الهروب من شدق الفاقة الذي يحاول ابتلاعهن. وبينما يعتبر البعض ضعف التقنين والتنظيم القانوني لا العملية بحد ذاتها تسخيرًا للرأسمالية وما تجره من طبقية اجتماعية، يرى آخرون أن العملية ذاتها وليدة الرأسمالية التي ستعمل على تكريسها وتعزيز أدواتها بعيدًا عن الطبيعة التي لا يحكم رأس المال اعتباراتها.
اقرأ/ي أيضًا: