حولت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت صور إلى مدينة أشباح. فمن بعيد كان يسمع دوي الانفجارات المتتالية ويشاهد تصاعد أعمدة من الدخان الأسود في السماء.
كانت صور تُعتبر مدينة آمنة لفترة طويلة من هذا العام حيث بقيت بعيدة عن ساحات المعركة بين حزب الله وإسرائيل، لكن الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفتها، هذا الأسبوع، أثارت المخاوف من أنه قد لا يكون هناك مكان آمن في كامل لبنان. وفق ما تقوله وكالة "رويترز" للأنباء.
قرب أحد المباني السكنية الثلاثة التي تحولت إلى أنقاض خلال القصف الذي جرى، يوم الأربعاء، كانت عائلة تجمع أغراضها في سيارة متوقفة وسط الزجاج المكسور والحطام، حيث وُضعت ثماني فرشات على سطح السيارة، ومُحكمة بالحبال. وقد دمرت الغارات واجهات المباني المجاورة، كاشفة أنابيب الحمامات والمطابخ بأكملها للعالم الخارجي. وتبعثرت المتعلقات الشخصية في كل مكان، أحذية، صور، ألعاب، وملابس.
ربع سكان المدينة فقط بقوا فيها، وإن العديد يخشون أن الدمار الذي لحق بقطاع غزة قد يطالهم أيضًا
كانت شواطئ صور الخلابة فارغة بلا صيادين أو متنزهين. والشهر الماضي فقط، كان نشطاء بيئيون يساعدون السلاحف البحرية المهددة بالانقراض على وضع بيضها على طول الساحل، لكن منذ ذلك الحين، حذرت القوات الإسرائيلية من أي أنشطة بحرية، مهددةً بأنها قد تكون مستهدفة.
يجلس خليل علي، وهو صياد يبلغ من العمر 59 عامًا، على رصيف ويلقي بخيط الصيد في البحر بلا أمل. ويقول: "نحن قلقون للغاية. قد يكون الوضع مثل غزة، وقد تصدر إسرائيل المزيد من أوامر الإخلاء التي ستجبرني على مغادرة مسقط رأسي. لم يكن الأمر هكذا في عام 2006، فهذا صعب جدًا. لم يدمروا بهذا القدر".
يبدو أن "إسرائيل" بحاجة إلى ضغط تدميري كبير وخاصةً على مدينة #صور لفرض تصورها على حـ ـزب الله.https://t.co/ntlIr27Skb
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 24, 2024
وقال رئيس بلدية صور، حسن دبوق، لـ"رويترز": إن "ربع سكان المدينة فقط بقوا فيها، وإن العديد يخشون أن الدمار الذي لحق بقطاع غزة قد يطالهم أيضًا"، وأضاف دبوق: "إنهم نفس الأشخاص، ونفس الحرب، ونفس العقلية، ونفس المسؤولين (الإسرائيليين)، مع الدعم نفسه من الأميركيين والأوروبيين. العناصر هي نفسها، فلماذا سيكون الأمر مختلفًا في لبنان؟".
في ميناء صور، كانت عشرات السفن راسية صباح الأربعاء. عادة ما يعج هذا المكان بالنشاط بينما يجلب الصيادون صيدهم لبيعه للتجار، لكنه الآن هادئ بشكل مخيف. كان هناك بعض الصيادين لكن ليس للصيد، بل لتفقد قواربهم. المتاجر والمطاعم مغلقة، والثلاجات التي كانت تحتوي على السمك الطازج فارغة ومطفأة. هي حرب شرسة.
لم يبقَ في المدينة سوى أولئك الذين لا مكان آخر لديهم وأولئك الذين شعروا بواجب البقاء. قالت إحدى ساكنات صور إنها تفضل البقاء في مسقط رأسها على أن تموت كلاجئة. أما وائل مروه، وهو طبيب أمراض الكلى ويبلغ من العمر 49 عامًا ومدير مستشفى جبل عامل، فقد اختار البقاء. فالمستشفى الذي يديره هو واحد من ثلاثة مستشفيات فقط لا تزال تعمل في جنوب لبنان. وبعدما عاش حروبًا عديدة، يتذكر مروه كيف كانت طفولته مليئة بالقصف والانفجارات والدمار. معربًا عن عزمه على عدم تعريض أطفاله الثلاثة وأحبائه لهذه المآسي. لقد اتخذ قرارًا بإرسالهم إلى مكان آمن شمالًا، بينما بقي هو. يقول مروه لوكالة "رويترز" من المستشفى وهو يضع يديه على وجهه مجهشًا بالبكاء: "أخشى ألا أراهم مجددًا بسبب هذه الحرب الشرسة التي تُشن ضدنا".
تشير "رويترز"، إلى أن المراتب والممتلكات الشخصية كانت مكدسة في ممرات المستشفى. ولكي يقنع بعض العاملين بالبقاء، سمح لهم مروه بالإقامة هناك مع عائلاتهم. وكحال المدينة نفسها، لم يبق سوى ربع الأطباء في المستشفى، وبقي أكثر من ثلث الممرضين بقليل.
مرتديًا زيه الطبي الأبيض، قام مروه بجولة في وحدة العناية المركزة ووحدة غسيل الكلى لتفقد نحو 30 مريضًا أُصيبوا جراء الحرب، العديد منهم في حالة خطيرة وبعضهم فاقدًا للوعي. يرسل المرضى الذين تكون حالتهم مستقرة بما يكفي لنقلهم إلى بيروت كل يوم، لكنه مع استمرار الصراع، يستعد للأسوأ ويجهز المستشفى لذلك. لفت الطبيب إلى أن هناك "أنماطًا مقلقة في أفعال إسرائيل في لبنان تشبه ما يحدث في غزة"، خاصة فيما يتعلق باستهداف عمال الإغاثة والمسعفين والمستشفيات.
وبحسب السلطات اللبنانية، فقد أخرجت الضربات الإسرائيلية 13 مستشفى وأكثر من 100 منشأة صحية أخرى عن الخدمة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 100 مسعف وعامل إنقاذ قتلوا في العام الماضي في لبنان. يرى مروه أن هذه الضربات الإسرائيلية محاولة لضرب الروح المعنوية، لكنه أكد: "إذا كل واحد غادر وطنه لن يبقى أحد… وجودنا هنا كأطباء ومستشفى هو جزء من مقاومتنا في المنطقة".