فاقم العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان من معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الإعاقة في لبنان، إذ غادر مئات الآلاف بلدات وقرى جنوب وشرق لبنان ومناطق عدة في بيروت منازلهم هربًا من القصف الإسرائيلي المكثف ومعهم أبناءهم من ذوي الإعاقة، تاركين في منازلهم ما يلزم أولادهم من أدوات المساعدة، مثل الكراسي المتحركة والسماعات وعبوات الأوكسيجين وغيرها من المستلزمات الخاصة بهم، ولجأ معظم هؤلاء إلى أماكن إيواء غير مجهزة لاستقبال النازحين، فضلاً عن افتراش بعضهم الشوارع والطرقات.
وقامت صحيفة "العربي الجديد" بجولة ميدانية شملت مراكز إيواء وكذلك أرصفة وشوارع ومباني مهجورة في العاصمة اللبنانية بيروت توزّع فيها نازحون. وأظهرت الجولة الميدانية معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث من الممكن رؤية كيفية تقييد حركة هؤلاء وتحديد المساحة المتاحة لهم، مهما كانت طبيعة إعاقاتهم.
أطلق الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا برنامج "الطوارئ 2024"، على جميع الأراضي اللبنانية لمواكبة النازحين من قرى الجنوب ومن ضاحية بيروت الجنوبية
والتقت "العربي الجديد"، الحاجة صباح خليل (96 عامًا)، وهي من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية الذين نزحوا من بلدة برعشيت في جنوب لبنان. أخبرت الصحيفة، وهي تبكي وتتحسر على منزلها، كيف كان أبناؤها يحملونها إلى البستان المليء بأشجار الرمان والزيتون وتشارك في موسم القطاف. أما اليوم فهي طريحة الفراش، غير قادرة على الحراك، تقيم بمنزل مهجور في بيروت. تقول الحاجة صباح: "أعيش القهر والبؤس"، وتضيف: "تركت الزيتون على أمّه (على الشجر)، فهو كان يحتاج أسبوعًا واحدًا لينضج، لكن الحرب داهمتنا".
وتأمل ابنتها أن تهدأ الأحوال وتتوقف الحرب وأن تنفرج همومهم، وقالت: "وضع والدتي الصحي لا يحتمل النزوح ومرارته"، وأشارت إلى أن والدتها "اضطرت في الليلة الأولى إلى النوم على الأرض، قبل أن نؤمن لها فراشًا تخلى عنه أحد النازحين"، وأضافت: "نعيش سبعة أفراد في غرفة ضيقة من دون نوافذ، الأمر الذي يجعل والدتي المسنة تشعر بالاختناق، فيحملها أخي إلى الخارج لتنشق الهواء. أما الطعام والأدوية فحدث ولا حرج، علمًا أنّ ثمة من يحنّ علينا بوجبة طعام في اليوم أو بعض الأدوية. لكن الوضع يتأزم أكثر".
🎥 جيش الاحتلال يشن غارات عنيفة على مدينة #صور جنوبي لبنان. pic.twitter.com/ANiEet7bLv
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 23, 2024
في مدرسة "راهبات المحبة" بكليمنصو في بيروت، تتولى فاطمة ظاهر رعاية شقيق زوجها حسن، من ذوي الإعاقة. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "حسن يعاني صعوبات في النطق وتأخرًا في النموّ الذهني. كذلك أُصيب بجلطة قبل يومين من نزوحنا من منطقة حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية، وتورمت ساقه ولم يعد يستطيع المشي"، وتضيف: "ها هو يلازم الفراش على الأرض، في حين يحتاج إلى علاج وإلى سرير يسهل عليه النهوض منه"، مشيرةً إلى أنّ زوجها أو ابنها يحملانه إلى دورة المياه، عندما يعودان من عمليهما. لكنها تلفت إلى وجود صعوبة تكمن في غيابهما، "فأستعين بنازحين لمساعدتي".
وتحولت مدرسة الآباء "الكبوشيين" في منطقة الحمراء ببيروت إلى مركز إيواء. وفي خيمة منصوبة في ملعب المدرسة، تحمل لميس الحسيني ابنتها حوراء التي تعاني من مرض الصرع ومن شلل دماغي، وتضعها بصعوبة على بساط صغير. وتقول لـ"العربي الجديد": "هذه الخيمة ملجأنا الوحيد، بعد أن نزحنا من منزلنا في منطقة صحراء الشويفات (القريبة من ضاحية بيروت الجنوبية)"، وتضيف: "ابنتي البالغة من العمر 14 عامًا تعاني من وضع صحي دقيق. لكننا اضطررنا إلى حملها والهروب بها مع جارنا في سيارته، إذ لا نملك سيارة. وضعتها في حضني طوال الطريق، قبل أن نستقل الحافلة نحو وسط بيروت. قضينا ليلتنا في الشارع، وقد وضعت حوراء فوق كرتونة لتغفو عليها". وتتابع لميس أنّها راحت تفكر بـ"كيفية تأمين حفاضات لابنتي، وبمكان تبديلها".
وتلفت إلى أنها لم تنسى حمل حقيبة الأدوية الخاصة بابنتها معها خلال النزوح، قائلةً: "من غير الممكن التوقف عن تزويدها بالدواء ولو للحظة، إذ تُصاب بنوبة صرع". وتكشف لميس عن أنها تعاني من أمراض نفسية ومن مشكلات في القلب، فيما "زوجي من الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة في أيام الحرب اللبنانية، بعدما أصيب في ساقه"، مؤكدةً: "لم نهنأ لحظة في حياتنا، بل تشتد علينا الظروف من حين إلى آخر".
من جهته، أطلق الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا برنامج "الطوارئ 2024" على جميع الأراضي اللبنانية لمواكبة النازحين من قرى الجنوب ومن ضاحية بيروت الجنوبية، والعمل على سد ثغرة في تلبية الاحتياجات الهائلة للنازحين المعوقين وأسرهم.
وفي إطار هذا البرنامج، بدأ المطبخ الدامج "Access Kitchen" العمل على إعداد وتوصيل وجبات ساخنة للنازحين في مراكز النزوح في بيروت، وذلك بمعدل 300 وجبة يوميًا. كما بدأ الاتحاد بإعداد وتقديم وجبات غذائية للنازحين من المناطق التي تم قصفها.ويقدم المطبخ المجتمعي في قضاء زحلة بمحافظة البقاع 100 وجبة يوميًا توزّع بشكل منتظم على النازحين والنازحات.
ورغم الجهود المبذولة إلا أن الأمر لا يتوقف عند تقديم وجبات ساخنة فقط، فالمعونات الطبية لا يحصلون عليها، وثمة أشخاص يعانون من تقرّحات في الجلد ومشكلات صحية إضافية، وآخرون في حاجة إلى حزم النظافة الشخصية لمواءمة أدنى المعايير الصحية.