تشهد أوروبا، منذ 2022، ظاهرة غريبة تتمثّل في اختفاء عشرات الكتب الروسية القديمة والنادرة، التي يعود تاريخ طباعة بعضها إلى ما قبل القرن التاسع عشر، وفي مقدّمتها الأعمال الأولى للشاعر الروسي ألكسندر بوشكين (1799 – 1837).
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فقد سجّلت العديد من المكتبات الأوروبية اختفاء أكثر من 170 كتابًا تقدّر قيمتها بأكثر من 2.6 مليون دولار أميركي.
وقالت الصحيفة، في تقرير، إن هذه الكتب اختفت من مكتبات لاتفيا الوطنية، وجامعة فيلنيوس، وولاية برلين، وولاية بافاريا، والمكتبة الوطنية في برلين. بالإضافة إلى المكتبة الفنلندية، والوطنية الفرنسية، والمكتبات الجامعية في باريس وليون وجنيف والتشيك. وتُعتبر مكتبة جامعة وارسو الأكثر تضررًا، إذ فقدت 78 كتابًا.
سجّلت المكتبات الأوروبية اختفاء أكثر من 170 كتابًا تقدّر قيمتها بأكثر من 2.6 مليون دولار
وأوضحت الصحيفة أنه، في معظم الحالات، استُبدلت النسخ الأصلية من الكتب بأخرى مزورة ولكنها مطابقة لها إلى حد كبير جدًا، ما يُشير إلى أن هذه السرقات جزء من عملية جماعية معقدة، خاصةً أن الكتب المسروقة متشابهة وسُرقت في وقت واحد وفي أكثر من دولة أوروبية.
ويعتقد الخبراء أن هذه السرقات جزء من مؤامرة محتملة لا تمحور حول الربح فقط، وإنما تدور أيضًا في مدار الجغرافيا والسياسة. ولا تستعبد السلطات الفرنسية أن يكون الأمر حملة تحظى برعاية الدولة الروسية من أجل إعادة هذه الكتب النادرة إلى البلاد لكونها تتمتع بقيمة وطنية هائلة، خاصةً في ظل وجود أسواق مزدهرة لها في روسيا.
وذكرت الصحيفة أنه تم اعتقال 9 أشخاص لصلتهم بالسرقة، 4 منهم في جورجيا تم اعتقالهم أواخر نيسان/أبريل مع أكثر من 150 كتابًا، و3 في فرنسا اعتقلوا في تشرين الثاني/نوفمبر، فيما اعُتقل البقية في إستونيا وليتوانيا.
وتتولى وحدة خاصة من الشرطة الفرنسية، متخصصة بمكافحة السرقة الثقافية، الإشراف على التحقيق في فرنسا والتنسيق مع السلطات المختصة في بقية الدول الأوروبية. وبحسب التحقيقات الأولية، فإن من يقف خلف هذه السرقات شبكة منظمة لم تُعرف دوافعها حتى هذه اللحظة.
ونقلت الصحيفة عن تاجر بريطاني متخصص في الكتب الروسية النادرة قوله إنه من الصعب استيعاب هذا العدد الكبير من الكتب المسروقة في سوق الكتب الروسية الصغيرة نسبيًا، ولكن الكتب المسروقة هي الأكثر شهرة في روسيا، ومن المحتمل أن تكون جذابة ليس فقط لهواة جمع الكتب المتمرسين، ولكن أيضًا: "للأثرياء الذين يريدون الحصول على أشياء تذكارية".
وبشأن تصدّر أعمال بوشكين لقائمة الكتب المسروقة، ذكّر التقرير بالمكانة التي يحظى فيها الشاعر الراحل في المجتمع الروسي، ولدى السياسيين الروس منذ أيام القياصرة مرورًا بالحقبة السوفيتية وخاصةً ستالين، وصولًا إلى فلاديمير بوتين، حيث احتضن كل زعيم روسي الشاعر الراحل بما يتماشى مع رؤيته السياسية.
ولذلك أصبح بوشكين في أوكرانيا، بعد الغزو الروسي، رمزًا مقيتًا للإمبريالية الروسية لدرجة أن الناس دمّروا تماثيله في عموم البلاد.